بعد 17 عاما على إلغائه.. هل يعيد العراق التجنيد الإلزامي؟

الجيش العراقي
التجنيد الإلزامي ألغي بالعراق منذ الغزو الأميركي (الجزيرة)

أحمد الدباغ-الجزيرة نت

منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ألغت سلطة الائتلاف المؤقت حينها التجنيد الإلزامي بقرار من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الذي حل الجيش العراقي ومختلف التشكيلات الأمنية. ومنذ ذلك الحين تحول نظام العمل بالجيش إلى التطوع والخدمة غير الإلزامية. إلا أنه وبعد 17 عاما على إلغاء خدمة العلَم، تسعى كتل سياسية عديدة داخل البرلمان لإعادة العمل به.

وتتطلب إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي تشريع قانون، إذ نشرت وزارة الدفاع على موقعها الرسمي مسودة القانون الذي يضم 72 مادة فصلت في جميع الشؤون الخاصة بالمكلفين وتسريحهم ومدة خدمتهم داخل الجيش بحسب تحصيلهم الدراسي.

تنص المادة (3- أولا- أ) على أن يكلف بالخدمة الإلزامية مدة 18 شهرا كل من أكمل 19 من عمره ولم يلتحق بالمدارس، أو من تركها، أو من لم يكمل الدراسة المتوسطة أو من أكملها دون أن يلتحق بالدراسة الإعدادية أو ما يعادلها، أو التحق بها ولم يكملها بعد إكماله 23 من عمره.

في حين تشير ذات المادة فقرة (ب) إلى أنه يكلف بالخدمة الإلزامية مدة 12 شهرا كل من أكمل الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها ولم يلتحق بإحدى الكليات أو المعاهد أو ما يعادلها، في الوقت الذي أشارت فيه مسودة القانون إلى أن مدة الخدمة الإلزامية ستقتصر على 9 أشهر فقط لخريجي الكليات الجامعية، ويُعفَى من الخدمة الحاصلون على شهادات عليا سواء كانت شهادة الماجستير أو الدكتوراه.

صورة حصرية مرسلة من قبله - عضو اللجنة القانونية البرلمانية وامين عام الحزب الاسلامي- النائب رشيد العزاوي
العزاوي اعتبر من المصلحة عودة التجنيد لتعزيز الوحدة الوطنية (الجزيرة)

إيجابيات التجنيد
تدعم كتل سياسية عديدة إعادة التجنيد الإلزامي ومنها اتحاد "القوى العراقية" و"الأكراد" وكتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري.

إعلان

يقول أمين عام الحزب الإسلامي وعضو اللجنة القانونية بالبرلمان رشيد العزاوي إن حزبه مؤيد لقانون التجنيد الإلزامي، معتبرا أن من مصلحة البلاد عودة التجنيد لأجل تعزيز الوحدة الوطنية وتخفيف العبء على الدولة.

العزاوي، وفي معرض حديثه للجزيرة نت، أكد على أن حزبه قدم أول مسودة لهذا القانون عام 2006، دون أن تطرح في البرلمان رسميا بسبب ما كانت تشهده البلاد من احتقانات طائفية كبيرة حالت دون ذلك وقتها.

أما النائب عن "القوى العراقية" أحمد الجبوري فيشير، في حديثه للجزيرة نت، إلى أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق على تمرير هذا القانون داخل البرلمان، لافتا إلى أن ظروف تشكيل المؤسسة العسكرية بعد 2003 كانت استثنائية ولم تخضع لمعايير وطنية، بل كان الانتماء للمؤسسة العسكرية محصورا بجهات معينة دون أن يشمل جميع العراقيين.

ويؤكد الجبوري على أن كتلته تؤيد تشريع قانون التجنيد لكن الحكومة ووزارة الدفاع لم ترسلا أي مسودة لهذا القانون حتى الآن، وبالتالي لا يستطيع البرلمان النظر في مسودة قانون لم تُقدم إليه رسميا.

وبحسب كثير من الخبراء والمسؤولين، تحول الجيش بعد 2003 من جيش يشمل العرب والكرد والسنة والشيعة والتركمان والأقليات الأخرى إلى جيش يُقبل منتسبوه عن طريق التزكيات الحزبية وعن طريق الانتماءات الفئوية.

ويؤكد هذا المنحى النائب عن الكتلة الكردية للحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني، الذي يرى أن من مصلحة العراق عودة التجنيد الإلزامي الذي سيفضي إلى أن تدخل جميع مكونات الشعب ضمن مؤسسة الجيش.

ويعلق الدوبرادني، في حديثه للجزيرة نت، بأنه ومنذ عام 2003 استحوذ مكون واحد (الشيعة) على غالبية المؤسسات الأمنية فيه، في الوقت الذي لا تحظى بقية المكونات بفرص حقيقية للالتحاق بالجيش.

ويلفت إلى أن إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي ستفضي إلى معالجة جملة من المشكلات التي تعصف بالعراق حاليا، ومنها السلاح المنفلت، فضلا عن توفير فرص عمل لآلاف الشباب العاطلين عن العمل.

صورة حصرية مرسلة من قبله - النائب عن اتحاد القوى العراقية - احمد الجبوري
الجبوري: ظروف تشكيل المؤسسة العسكرية بعد 2003 كانت استثنائية ولم تخضع لمعايير (الجزيرة)

من جانبه، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي معن الجبوري أن الجيش بعد 2003 بُني على أساس لون واحد، غير أن التجنيد الإلزامي سيفضي الى توازن في المؤسسة العسكرية وإلى تجانس بين أبناء الشعب.

إعلان

كما يشير إلى أن القانون -في حال تشريعه- سيقضي على مطالبات بعض الكتل السياسية بالتوازن في القوات الأمنية، على اعتبار أن جميع العراقيين المكلفين سيخدمون العلم، وبالتالي ستنتهي مشكلة كبيرة يعاني منها العراق منذ نحو عقدين.

فضلا عن أن التجنيد الإلزامي سينفي حجة وجود الفصائل المسلحة والمليشيات، حيث سيحمل جميع الشباب السلاح ضمن مؤسسة واحدة رسمية متمثلة بالجيش بمختلف صنوفه ولخدمة علم واحد، حسب الجبوري.

بدروه، عبّر التيار الصدري عن تأييده لإعادة التجنيد الإلزامي، إذ يؤكد النائب صادق السليطي أنه ستتم دراسة قانون الخدمة الإلزامية من جميع النواحي، خاصة أنه سيوفر فرص عمل للشباب العاطلين، فضلا عن أنه سيسهم باندماج مكونات المجتمع مع بعضها، وإبعاد المؤسسة العسكرية عن الانتماء الطائفي.

إسماعيل: إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي تحتاج دراسة مستفيضة قبل تشريعه (مواقع التواصل)

عراقيل متعددة
من جهة أخرى، ترى كتل سياسية أن تشريع التجنيد الإلزامي تقف أمامه عراقيل فنية ومادية. مهدي تقي إسماعيل النائب عن لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عن كتلة "الفتح" يشير إلى أن إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي تحتاج إلى دراسة مستفيضة وموسعة قبل تشريعه.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت إسماعيل إلى أن التجنيد بحاجة إلى ملايين الدولارات، بينما يعاني العراق من مشكلات مالية كبيرة، لا سيما تأمين الرواتب الشهرية للموظفين العموميين.

وعن المعوقات، يعود الجبوري فيقول إن العراق بحاجة إلى أموال كبيرة وبنى تحتية في مراكز التدريب ومديريات للتجنيد، إضافة إلى قدرة الحكومة على إلزام المكلّفين على الالتحاق بالخدمة العسكرية.

ونتيجة لذلك يستبعد النائب إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي في ظل معطيات الوضع السياسي والصحي الحالية، وانفلات السلاح، وتعدد مراكز القرار، وعدم احترام القانون.

إعلان

وعاد العزاوي مشيرا إلى معوقات أخرى، فيرى أن العديد من الجهات تسعى لأن يبقى حال العراق على ما هو عليه، وأضاف أن مشكلة كبيرة ستبرز عند تطبيق القانون، خاصة أن الأحزاب وعلى مدى السنوات الماضية طوعت الكثير من الشباب في الجيش، وبالتالي فالتجنيد الإلزامي سيتسبب بترهل المؤسسة العسكرية، مما يستوجب حل هذه المعضلة من خلال تطرق القانون لهذه الحيثية، مستبعدا إقراره في الدورة البرلمانية الحالية.

تأييد من كتل سياسية وتحفظ من أخرى، وإيجابيات ومعرقلات تكتنف إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي في العراق، لتبقى مسودة مشروع قانون التجنيد محل نقاش الكتل السياسية وعنوانا للخلاف.

المصدر : الجزيرة

إعلان