فورين بوليسي: واشنطن والخرطوم تمهدان الطريق لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب

أوردت مجلة فورين بوليسي نقلا عن مسؤولين حكوميين وموظفين بالكونغرس الأميركي، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب توصلت إلى اتفاق من حيث المبدأ مع الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان يقضي بتسوية جملة من مطالبات قديمة لعائلات ضحايا عمليات "إرهابية" أميركيين.
وذكرت تلك المصادر أن من شأن الاتفاق أن يمهد الطريق أمام رفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية "للإرهاب".
وبحسب المجلة، ينص الاتفاق -الذي لم يُستكمل بعد- على أن تقوم الحكومة السودانية الجديدة بإيداع مبلغ 335 مليون دولار في حساب ضمان لصالح أسر ضحايا هجمات "إرهابية" كان للنظام السوداني البائد يد فيها قبل عقدين من الزمان.
ويتعلق الاتفاق بالتفجيرات التي طالت سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا عام 1998، وكذا الهجوم على المدمرة الأميركية "يو إس إس كول" أثناء تزودها بالوقود في ميناء عدن بجنوبي اليمن عام 2000، مما أسفر عن مقتل 17 من بحارة السفينة وإصابة ما لا يقل عن 40 شخصا.
هل هناك احتمال لمطالبات جديدة؟
وتقول فورين بوليسي إن الاتفاق لا يتطرق لمطالبات أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على واشنطن ونيويورك.
وفي حال إنجاز الاتفاق، فإنه يساعد في استعادة السودان مكانته في المجتمع الدولي، ويتيح له جذب استثمارات ومعونات أجنبية لدعم اقتصاده المتعثر. كما يمهد الطريق لمزيد من تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما يعتبر نصرا سياسيا لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي تواجه حكومته الانتقالية "الهشة" ضغوطا متعاظمة منذ ثورة 2019 الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير.
وأشارت المجلة في التقرير الذي أعده اثنان من صحفييها، إلى المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو -أثناء زيارته أمس الثلاثاء الخرطوم- مع حمدوك، وبحثا خلالها التحول الديمقراطي والمساعي الرامية لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية "للإرهاب".
ضغط بهدوء
ونقل التقرير عن عدد من المسؤولين الأميركيين القول إن إدارة ترامب ظلت تضغط بهدوء على السودان لتطبيع علاقته مع دولة إسرائيل، لكن مكتب حمدوك أعلن في بيان الثلاثاء أن حكومته الانتقالية لا تملك سلطة اتخاذ قرار في هذا الشأن.
ويرى أولئك المسؤولون أن من شأن التطبيع مع إسرائيل أن يساعد في الإسراع في إزالة صفة "الإرهاب" عن السودان لما تتمتع به إدارة ترامب من علاقة وثيقة مع إسرائيل.
غير أن مسؤولين في واشنطن يحذرون من أنه لا تزال هناك عقبات كبيرة أخرى تحول دون إنجاز الاتفاق، منها أن اقتراح التسوية والتوجيه برفع صفة "الإرهاب" عن السودان لا بد أن يوافق عليه بومبيو ثم الرئيس ترامب قبل تحويله إلى الكونغرس لمراجعته.

الحصانة السيادية
ويتعين على أعضاء الكونغرس الموافقة رسميا على إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية "للإرهاب" وسن تشريع يقضي باستعادة السودان الحصانة السيادية أمام المحاكم الأميركية. والحصانة السيادية من أهم مبادئ القانون الدولي العام الذي لا يجيز خضوع دولة ما بغير إرادتها لقضاء دولة أخرى.
وهناك نقطة شائكة -طبقا للمجلة- تتمثل في الكيفية التي سيتم بها تعويض المواطنين الأميركيين ورعايا الدول الأجنبية من قبل الحكومة السودانية. ذلك أن عددا من الضحايا غير الأميركيين قد حصلوا خلال العقدين الماضيين على جنسية الولايات المتحدة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي تعويضهم بناءً على جنسياتهم الحالية أو السابقة.
ويلزم الاتفاق المذكور -وفقا للمسؤولين الحكوميين وموظفي الكونغرس- السودان بدفع ما يصل إلى 10 ملايين دولار لكل مسؤول حكومي أميركي قُتل في تفجير السفارتين في كينيا وتنزانيا، و800 ألف دولار لغير الأميركيين الذين كانوا يعملون في السفارتين ولقوا مصرعهم فيهما.
أما الجرحى فسيحصل الأميركيون منهم على مبلغ يتراوح ما بين 3 و10 ملايين دولار، في حين قد يصل نصيب الأجانب منهم إلى 400 ألف دولار كتعويضات.
انتقادات لتحديد الأنصبة
على أن هذا التوزيع أثار بالفعل انتقادات بعض أسر الضحايا غير الأميركيين الذين رأوا أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تحدد قيمة للضحايا استنادا إلى مواطنهم الأصلية.
وكانت عائلات ضحايا أخرى -من بينهم أميركيون وتنزانيون- طلبوا من الكونغرس تأييد الاتفاق مع السودان، ذلك أنه في حالة الفشل في تمريره فإنه يهدر فرصة حقيقية لإقرار العدالة قد يفقدها ربما للأبد في حال انهيار محتمل للصفقة بين السودان والولايات المتحدة.
وتعود المجلة لتؤكد أن شطب صفة "الإرهاب" عن السودان سيتيح له تعزيز علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، وسيفتح المجال لاستقطاب استثمارات خاصة والاستفادة من برامج المساعدات التي يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى.
ويبقى من غير الواضح كيف سيتسنى للسودان تمويل التسوية التي ينص عليها الاتفاق في ظل الضائقة المالية الشديدة التي يعيشها حاليا.
وتروج في الخرطوم شائعات مفادها أن دولا خليجية ثرية ستدعم السودان، أو ربما تلجأ الخرطوم إلى بيع احتياطياتها من الذهب لجمع المال اللازم لدفع التعويضات. ومع ذلك، فإن مسؤولين على دراية بالمفاوضات الجارية يقولون إن أيا من الخيارين مستبعد، على حد تعبير مجلة فورين بوليسي.