منصة سفراء الإعلام الجديد.. هل يسعى السيسي لتجنيد شباب التواصل الاجتماعي؟

تحت دعوى تعزيز الهوية، أطلقت وزارة الإعلام المصرية مؤخرا منصة "سفراء الإعلام الحديث" بهدف جمع أكبر عدد من الشباب المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي "تحت مظلة الوزارة" على أن يتم اختيار الأفكار والكوادر الأكثر تأثيرا لمنحهم لقب "سفراء الإعلام الحديث".
ووفق استمارة التقديم لمنصة الإعلام الحديث، فالمبادرة تنطلق في ضوء "رؤية مصر 2030" لدعم صورة البلاد بالإعلام الحديث في شتى المجالات، من خلال دمج المؤثرين من الشباب لتطوير منظومة التواصل الحديث وتقليص الفجوة بينها والإعلام التقليدي، إلى جانب اعتبار المنصة حلقة وصل بين الشباب والدولة، حيث سيمثل السفراء صوت الأجيال الجديدة داخل المؤسسات الرسمية.
وهكذا تبدو أهداف المنصة فضفاضة، خاصة مع عدم إعلان الحكومة عن آليات العمل أو اختيار السفراء، إذ اختصرت شروط الالتحاق بألا يتجاوز سن الشاب 35 عاما، وأن يكون من المؤثرين على مواقع التواصل، وقدم محتوى هادفا، ولديه فكرة تعكس صورة إيجابية عن مصر.
وتأتي الخطوة الحكومية -التي تم الإعلان عنها- بالتزامن مع يوم الشباب العالمي، وبعد سلسلة طويلة من ممارسات التضييق على وسائل الإعلام التقليدية سواء باعتقال صحفيين أو حجب مواقع إلكترونية أو سن تشريعات تعرض العاملين بالمجال لطائلة القانون، بعد الانقلاب العسكري صيف 2013.
صداع في رأس النظام
اتجاه النظام المصري لاستخدام الفاعلين على المنصات الاجتماعية لتحسين صورة البلاد، يبدو غير متوافق مع طريقة تعاطيه مع الإعلام الجديد منذ تولي عبد الفتاح السيسي حكم مصر قبل نحو 7 سنوات، والذي مثل له صداعا مزمنا دون علاج حتى الآن على ما يبدو.
فقد دأب النظام الحالي على استهداف أي معارضة نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما تُوج بسن تشريع في أغسطس/آب 2018، يسمح للدولة بالإشراف على مستخدمي تلك المواقع، حيث يعتبر التشريع الجديد أي حساب شخصي أو مدونة أو موقع على الإنترنت، يتابعه أكثر من 5 آلاف شخص، منفذا إعلاميا يخضع لإشراف المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وأعطى القانون لهذا المجلس الحكومي سلطة إغلاق المواقع على الإنترنت، ورفع شكاوى جنائية على المنابر والمواطنين الذين يتهمون بجرائم، مثل تحريض الناس على انتهاك القوانين، والتشهير بالأشخاص والأديان.
بالتوازي مع الملاحقة القانونية، تضمنت كثير من التصريحات الرسمية انتقادا مباشرا للإعلام الجديد باعتباره يحاول تشويه الإنجازات التي لا ينفك النظام عن تحقيقها.
ارحل يا سيسي
ولم يترفع السيسي نفسه عن الانشغال بما يحدث على المنصات الاجتماعية، حيث ألمح أكثر من مرة إلى متابعته لما يتم تداوله عبرها، بل إنه أبدى غضبا شديدا في يوليو/تموز 2018 بسبب وسم حمل عنوان "ارحل ياسيسي".
وسبق ذلك تهديد صريح منه بتكميم صوت الإعلام الجديد، فقال في أبريل/نسان 2016 "أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دايرة مقفولة، وأخلي الإعلاميين ياخدوا منها أخبار وشغل".
إلى ذلك تكررت المناسبات التي اتهم فيها نشطاء وسياسيون وإعلاميون، بتسيير النظام كتائب إلكترونية للترويج له والهجوم على المعارضة، حيث كشف الإعلامي إبراهيم عيسى عن إنفاق الدولة ملايين، وربما مليارات الجنيهات، على اللجان الإلكترونية من أجل الكذب، ورأي عام مصطنع لا علاقة له بالواقع.
كما اتهم حازم عبد العظيم المسؤول السابق عن لجنة الشباب في حملة السيسي الانتخابية، والناشط السياسي المحسوب على النظام إبراهيم الجارحي، بمهاجمة معارضين عبر مواقع التواصل وفق توجيهات أجهزة أمنية.
استغلال الشباب
وأعرب أيمن الدهشان رئيس لجنة التدريب بالمجلس الوطني للتدريب والتعليم عن سعادته بمنصة سفراء الإعلام الجديد، معتبرا إياها مبادرة جديدة من نوعها لاستغلال "السوشيال ميديا" ذات التأثير الكبير على الجماهير.
وخلال استضافته بالتلفزيون الرسمي، أضاف الدهشان أن هناك ملايين الشباب الذين يمتلكون أفكارا نابغة لتحسين صورة مصر، وهو ما ستعمل المبادرة على استغلاله في إطار رؤى يمكن من خلالها تحقيق الهدف.
حديث الدهشان عن استغلال المؤثرين في مواقع التواصل، يتفق مع دعوة سابقة أطلقها الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز تحت عنوان "السوشيال ميديا.. صانعة سياسات" أوضح خلالها أنه لا يمكن فصل الأثر الذي يحدثه الإعلام التقليدي عن ذلك الذي يصنعه الإعلام الجديد.
وفي مايو/أيار الماضي قال عبد العزيز في مقال بصحيفة "المصري اليوم" إنه بسبب تعاظم الأدوات، وتراجع المحددات والقيود التي تؤطر عمل "السوشيال ميديا" فإن الإعلام الجديد "بات يحظى بأثر أكبر وأكثر قدرة على الحسم من نظيره التقليدي".
وأضاف الخبير الإعلامي أن هذا الدور المتصاعد بات حقيقة من الحقائق الثابتة، لذلك دعا إلى "التفكير في كيفية عقلنة تلك التفاعلات وترشيدها، بما يعزز أثرها الإيجابي المستند إلى أدلة، والداعم للمصلحة العامة، ويحتوي أثرها الضار المُصطنع والمشبوه".
لجوء اضطراري
من جهته يرى مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام أن النظام الحالي سعى، منذ استيلائه على الحكم بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، إلى محاولة استيلاد التنظيم الطليعي الذي أوجده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من أجل الدعاية له والسيطرة على البلاد.
وأضاف خضري للجزيرة نت أن السيسي معجب بهذا التنظيم، ولم يخف حسده لعبد الناصر على امتلاكه هذه المنظومة، التي سيطرت على الحياة السياسية لعقود عدة، مشيرا إلى إنشاء أكاديمية متخصصة لذلك وتدشين العديد من المؤتمرات لتدريبهم وتلميعهم.
مساعي الجنرال العسكري لصنع منظومة قادرة على تثبيت أركان حكمه باءت بالفشل، وفق تأكيد خضري، فلجأ إلى مشاهير الإعلام الجديد ربما يكونون النواة الأساسية الناجحة لتدشين هذا التنظيم الطليعي الجديد.
وبالنسبة لمدى قدرة النظام على السيطرة على الإعلام الجديد، أوضح الباحث في الرأي العام أن هذا الإعلام عالمي وليس محليا، وهو إحدى أدوات الهيمنة الغربية على العالم، ولذلك لن يمنح الغرب فرصة لأي نظام محلي -مهما كانت صلته بالغرب أو عمله لصالحهم- بأن يسيطر على أي جزء منه.
واستطرد "خاصة وأن الأمر قد خرج عن السيطرة وأصبح إعلاما شعبويا وليس نخبويا وبات الشباب خبراء في ذلك الإعلام أكثر من النظام وخبرائه".
شراء العبد
وعما إذا كانت مساعي النظام إلى منصات التواصل الاجتماعي تعد اعترافا بالفشل مع الإعلام التقليدي في تحقيق أهدافه، أوضح خضري أن إعلام النظام فشل على مدار 7 سنوات في إعادة توجيه الرأي العام لصالحه.
وتابع "مع تغير المزاج الشعبي من الإعلام التقليدي إلى السوشيال ميديا، اضطر النظام إلى مواكبة هذا المزاج، ولكنه تعلم الدرس، فبدلا من صناعة كوادر إعلامية جديدة اتبع إستراتيجية شراء العبد بدلا من تربيته".
وعبر هذه الإستراتيجية رأى الباحث الإعلامي أنه تم استقطاب بعض الشباب الذين حازوا شهرة في الفضاء الإلكتروني بمسميات تشريفية وهمية كسفراء وخبراء ومستشارين، مخاطبا بداخلهم الأنا الأعلى كي يعملوا لصالح النظام بأقل تكلفة ممكنة.