السيسي وجيوب المصريين.. رحلة لا تنتهي من الوعود والاستنزاف

Supporters of President Abdel Fattah Al Sisi chant slogans in Cairo, Egypt September 27, 2019.    REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
المصريون يتذكرون وعود السيسي بالإصلاح، لكنها تحولت إلى سياسة استنزاف الجيوب (رويترز)

عندما قاد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي انقلابا عسكريا في 3 يوليو/تموز 2013 أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، كان ركوب مترو القاهرة يكلف المصري جنيها واحدا، بينما كان وزن رغيف الخبز المدعم 130 غراما.

وبعد سبع سنوات من الانقلاب وست سنوات من تربع السيسي على حكم مصر، وصل سعر تذكرة المترو إلى 12 جنيها، بينما اختارت سلطة السيسي طريقا ملتويا لزيادة سعر الرغيف، عبر تخفيض وزنه إلى 110 غرامات ثم إلى 90 غراما.

في الحقيقة، لا يبدو في التاريخ الحديث لمصر، أن هناك رحلة أطول من رحلة استنزاف جيوب المصريين على مدى سبع سنوات منذ الانقلاب العسكري، بدعوى الإصلاح الاقتصادي، والانتشال من حالة العوز والفقر، مع وعود متكررة بالفرج القريب.

لا يستذكر المصريون وعدا واحدا ولا اثنين ولا ثلاثة، بل عشرات الوعود صوتا وصورة، ولكنها وعود ذهبت أدراج الرياح، ليحل محلها سياسة طويلة من استنزاف جيوب المصريين بالتبرعات تارة وبالضرائب تارة أخرى، مع ارتفاع الأسعار في كل وقت.

ففي أبريل/ نيسان 2016، تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم زيادة الأسعار مهما ارتفع الدولار، قائلا "لن يحدث تصعيد في الأسعار للسلع الأساسية مهما حصل للدولار"، لكن الأسعار انفجرت بعد قرار تحرير سعر الصرف "التعويم".

غير أن أول وعد يتذكره المصريون للسيسي قطعه على نفسه، وربما صدقه فيه الملايين، هو ما قاله أثناء ترشحه للرئاسة عام 2014، حيث نفى رفع الدعم عن السلع والخدمات الرئيسية قبل رفع مستوى المعيشة، قائلا وهو يشير بيديه على زيادة المال "يجب أن أُغني الناس أولا، بدل ما ياخدوا ألف يبقى ألف ونص أو ألفين".

ارتفاع الأسعار

لكن بعد شهرين فقط من تلك التصريحات، وأقل من شهر على تولي السيسي السلطة، صُدم ملايين المصريين، عندما استيقظوا صباح السبت الموافق 4 يوليو/تموز 2014، على ارتفاع أسعار الوقود ما بين 78% و175% دفعة واحدة.

لم تمضِ أيام قلائل، ولم يهدأ روع المصريين حتى أعلنت الحكومة المصرية رفع أسعار الكهرباء للمنازل بين 18.2% و42.1% وللاستخدام التجاري بين 29% و46% بداية من أول أغسطس/آب 2014.

وبعد شهور قليلة من الصدمات المتتالية، وارتفاع الأسعار عقب رفع أسعار الوقود والكهرباء، وحدوث طفرات سعرية ضخمة، وزيادة التضخم إلى خانة العشرات، عاد السيسي إلى اللعب على وتر الوعود، فقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 "إياكم أن تتصوروا أن ارتفاع الأسعار غائب عن بالي، فأنا واحد منكم".

ووعد في كلمة له عبر التلفزيون المصري، بأن "تنتهي الدولة من تدخلها لتقليل الأسعار بشكل مناسب"، وسط تصفيق حار وطويل من الحضور، مضيفا أن "هذا الدور ستقوم به الدولة والجيش"، وتستمر موجة التصفيق، ولكن دون جدوى على أرض الواقع.

ومنذ ذلك الحين، والأسعار تشهد قفزات كبرى، والأجور على حالها تقريبا منذ 2014 في الكثير من مؤسسات وقطاعات الدولة، ولكن السيسي لم يكف عن طلب المهلة تلو الأخرى من عام لآخر، ليتنقل المصريون بين الوعود كما يتنقل القلق بين ردهات المكان على أحر من الجمر.

هذه الوعود المتكررة انتبه لها البعض، وطالبوا مبكرا برحيل السيسي، متوقعين أن تمضي الأمور للأسوأ وسط تساؤلات بشأن ما قدمه الرجل حتى الآن.

استنزاف الجيوب

بالتوازي مع الوعود المتكررة، كان المصريون على موعد مع بداية مرحلة استنزاف جيوبهم، والتي أخذت أشكالا متعددة كطلب تبرعات شعبية وصلت إلى حُلي النساء، والتبرع بجنيه يوميا عبر مقولة السيسي الشهيرة "صبّح على مصر بجنيه".

وطالب السيسي الجمعيات الخيرية القائمة على تبرعات الناس والمؤسسات والشركات، بالتبرع هي الأخرى للدولة وليس للفقراء والمعوزين.

ثم طلب التبرع بالكسور العشرية في المعاملات البنكية والحكومية والتسوق، وهو ما عبر السيسي عنه بالقول "أنا عاوز الفكة دي".

وبعد طلب التبرعات والفكة، ظهرت لهجة مختلفة بين ثنايا الطلبات، عندما وجه السيسى حديثه للمصريين مازحا "هتدفعوا يعني هتدفعوا".

ووصلت رحلة الاستنزاف حاليا بفرض ضريبة على إجبارية 1% من قيمة راتب الموظف اعتبارا من أول يوليو/تموز 2020، وكذلك 0.5% بدعوى دعم الدولة في مواجهة جائحة كورونا.

إفقار الشعب

في هذا السياق، يرى حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبريدج، أن ما جرى طوال السنوات الماضية "هو حصيلة انتهاج النظام في مصر إستراتيجية الاقتصاد المسموم الذي تسبب في إفقار الجزء الأكبر من الشعب المصري، كنتيجة حتمية لسياسات اقتصادية غير مدروسة".

وأوضح الشاذلي في حديثه للجزيرة نت أن ما يقصده بالاقتصاد المسموم هو الذي تقدمه الحكومة للناس على ورق مثل البيانات والمعلومات المغلوطة، التي تعطي مؤشرات خادعة عن تقدم وتحسن الاقتصاد، في حين أنه يحمل الموت للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.

ورهن الشاذلي أي رخاء اقتصادي في مصر بحدوث استقرار سياسي وأمني، مشيرا إلى أن الوضع الراهن منذ سنوات قائم على اقتصاد الطبقة الحاكمة فقط الذي يحتكره الجيش ومن يعمل تحت عباءته، وترحيل المديونيات للأجيال المقبلة، بتحويلها ديون طويلة الأجل بدلا من قصيرة الأجل.

نظام إقطاعي

المستشار الاقتصادي أحمد خزيم، استبعد أن تغير الحكومة المصرية سياساتها الاقتصادية رغم الآثار السلبية على المواطنين، لأن مفهومها للاقتصاد "قائم على نظرية الاقتصاد الريعي، كالنظام الإقطاعي منذ قرون، وتجاهل مدرسة القيمة المضافة".

وأكد خزيم في حديثه للجزيرة نت أن في هذا النظام يزداد الغني غنى والفقير فقرا، ونرى تفاوتا كبيرا في الطبقات، محذرا من أن اندثار الطبقة المتوسطة ينذر بحدوث خلل اجتماعي واقتصادي كبير، لأنها إحدى ركائز أي اقتصاد حقيقي في العالم.

المصدر : الجزيرة