حصّنهم السيسي ثم أبعدهم واحدا تلو الآخر.. أين المتهمون في جريمة رابعة؟

بعد شهور من مذبحتي رابعة العدوية والنهضة اللتين وقعتا في 14 أغسطس/آب 2013، وراح ضحيتهما مئات من القتلى والمصابين، تسربت تسجيلات مصورة لقائد الجيش وقتها عبد الفتاح السيسي، يطمئن فيها ضباط الجيش والداخلية إلى أنه لن تتم محاسبة أي ضابط تورط في قتل أو إصابة المتظاهرين.
وبالفعل لم تجرِ محاسبة أيٍّ من قتلة المعتصمين السلميين في ميداني رابعة والنهضة بشرقي القاهرة وغربها، ولم يجر أي تحقيق مستقل بشأنهم، بل إن ما جرى كان على العكس حيث تمت محاكمة وإدانة المعتصمين ومنظمي الاعتصام، فيما عرف إعلاميا بقضايا رابعة.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد وجهت اتهامات لمسؤولين مصريين كبار بارتكابهم بشكل مرجح “جرائم ضد الإنسانية” أثناء فض الاعتصامات التي نفذها مؤيدو الرئيس الراحل محمد مرسي تمسكا بشرعيته واعتراضا على الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير دفاعه آنذاك عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، علما بأن الأخير أصبح لاحقا وحتى الآن رئيسا لمصر.
وجاء في تقرير أطلقته المنظمة حمل عنوان "مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر" أن أكثر من 10 من كبار القادة المصريين ينبغي التحقيق معهم لدورهم في أعمال القتل، وبينهم السيسي، ووزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، وقائد القوات الخاصة مدحت المنشاوي، ومدير المخابرات الأسبق محمد فريد التهامي، وقائد الجيش السابق صدقي صبحي، ورئيس الأركان السابق محمود حجازي.
حصانة واستبعاد
والمفارقة أنه رغم الحماية والحصانة التي أسبغها الانقلاب العسكري على المشاركين والمنفذين، فإن أحدا منهم لم يحظ بمكافآت ومناصب دائمة، بل إن من حصل منهم على ترقية أو انتقال طبيعي في مسيرته الوظيفية، جرى استبعاده لاحقا، وطواه النسيان، باستثناء شخصين فقط أولهما السيسي بالطبع والثاني هو قائد جيشه الحالي الفريق محمد زكي.
وكان محمد زكي قائدا للحرس الجمهوري عندما اعتقل الرئيس الراحل محمد مرسي، كما أنه نفذ مذبحة صغيرة عند مقر الحرس الجمهوري سبقت مجزرة رابعة بأسابيع سميت بمذبحة الساجدين.
وجرت ترقية زكي إلى رتبة فريق، ثم أسند إليه منصب وزير الدفاع خلفا للفريق صدقي صبحي، رئيس الأركان وقت تنفيذ المذبحة، ثم أصبح وزيرا للدفاع خلفا للسيسي منذ عام 2014 وحتى عام 2018 حينما جرت إقالته بطريقة مفاجئة، وهو المصير نفسه لمحمود حجازي رئيس الأركان وصهر السيسي الذي كان مديرا للمخابرات الحربية وقت المذبحة.
وحمت الحصانة الدولية رئيس الوزراء وقت المذبحة حازم الببلاوي من التوقيف في واشنطن، بعد نجاح الناشط الأميركي من أصول مصرية محمد سلطان في ملاحقته قضائيا بسبب مسؤوليته عن تعذيبه أثناء الاعتقال عقب فض رابعة.
وعقب مغادرته رئاسة الوزراء عمل الببلاوي مديرا تنفيذيا بصندوق النقد الدولي. ومهدت لإقالة الببلاوي من رئاسة الوزراء موجة هجوم بوسائل الإعلام المحلية، حمّلته أسباب تردي الخدمات المقدمة للمواطنين، كما هاجمت بضراوة كل الوزراء المحسوبين على "الجناح الديمقراطي" في السلطة وقتها.
إقالة التهامي
أما رئيس جهاز المخابرات محمد فريد التهامي فقد أقاله السيسي من منصبه بعد عام ونصف العام من تعيينه رئيسا للجهاز فور وقوع الانقلاب مباشرة، وأثارت الإقالة المفاجئة علامات استفهام كبرى وقتها.
ولقي وزير الداخلية محمد إبراهيم المصير نفسه حيث أقيل بعد أقل من عامين على مرور المذبحة، وأحيل اللواء مدحت المنشاوي قائد العمليات الخاصة للتقاعد فور بلوغه السن القانونية أوائل 2017، بعد شغله منصب مساعد الوزير لقطاع الأمن المركزى، وكذلك اللواء أحمد حلمي مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن وقت الفض، واللواء أشرف عبد الله مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي.
كما أطيح فجأة في مارس/آذار 2015 باللواء خالد ثروت الذي جيء به في عهد الإخوان رئيسا لجهاز الأمن الوطني، وتبعت إقالته حملة صحفية للتشكيك في ولائه.
https://www.youtube.com/watch?v=BqPN9Jlbwo4&feature=share&fbclid=IwAR3HUMyuyR2P8OjMD61WObL2WJ9EHnAz_EldVv4pdhEKzfn7VKZWzRO4JY8
جهود الملاحقة
في هذا السياق، يقول الناشط الحقوقي المقيم في أوروبا ياسر سليم إن هناك تواطؤا دوليا مع النظام العسكري في مصر، رغم ثبوت الاتهامات بمقتل المئات في فض رابعة والنهضة وغيرهما.
سليم معد الكتاب التوثيقي "مجزرة رابعة بين الرواية والتوثيق" يشير إلى دور القانون الذي أصدره السيسي بإسباغ حماية دبلوماسية لضباطه بالخارج.
وفي حديثه للجزيرة نت لفت إلى إقامة عدد من الدعاوى بالخارج ضد السيسي شخصيا، ولكن دون رد فعل حاسم من أي دولة إزاء هذه الدعاوى.
بدوره، يؤكد الحقوقي هيثم أبو خليل أن كثيرا من الشهداء والمصابين كان يمكن استغلال قضاياهم، منتقدا التقصير القانوني من قبل المسؤولين عن هذا الملف في مختلف التيارات.
وفي حديثه للجزيرة نت، أعرب خليل عن اعتقاده بأن لبعض تيارات مناهضة الانقلاب بالخارج حسابات سياسية في عدم التصعيد وملاحقة الجناة، كما انتقد عدم البناء على محاولات ناجحة سابقة لملاحقة الجناة دوليا، مطالبا بتغيير القائمين على هذا الملف.
في المقابل، يقول أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة محمد سودان، إن جهودا بذلت ونجحت في ملاحقة الجناة دوليا رغم عدم اشتراك مصر بالمحكمة الدولية في لاهاي، ومنها ملاحقة رئيس الأركان الأسبق محمود حجازي.
وقال إن محكمة لاهاي قبلت دعوة ضد الحكومة المصرية ثم رفضتها لأسباب غامضة، أما على صعيد مواز فقد نجحت الجهود في استصدار حكم من المحكمة البريطانية العليا بإسقاط حصانة جميع أعضاء الحكومة المصرية وقت المذبحة، باستثناء السيسي الذي صار رئيسا منتخبا له حصانة دولية.
وقال إن المحكمة العليا البريطانية أصدرت قرارات بحق 13 اسما، وذكر سودان في تصريحات متلفزة أنه جرت إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة البريطانية لعدم منح حصانة لحجازي وغيره كما فعلت، مؤكدا أن هناك العديد من القضايا المرفوعة في فرنسا وهولندا وإيطاليا.