صحيفة إثيوبية: هل هناك احتمال للتوصل لاتفاق بشأن سد النهضة؟

A handout satellite image shows a closeup view of the Grand Ethiopian Renaissance Dam and the Blue Nile River in Ethiopia
إثيوبيا بدأت تشييد السد في 2011 وتعول عليه في تحقيق التنمية الاقتصادية (رويترز)

نشرت صحيفة "أديس ستاندارد" (Addis Standard) مقالا لأكاديمي إثيوبي تناول فيه الإشكاليات التي تحول دون توصل إثيوبيا ومصر والسودان إلى حل يرضي الأطراف الثلاثة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة على نهر النيل الأزرق.

وتعود أسباب الخلاف بين الدول الثلاث -حسب كاتب المقال محمود تيكويا، وهو محاضر سابق بجامعة دير داوا- مباشرة إلى المعاهدات التي أبرمت بخصوص استغلال مياه النيل في حقبة الاستعمار البريطاني.

ففي عام 1902، توصلت بريطانيا وإثيوبيا إلى اتفاق وافقت الأخيرة بموجبه على عدم منع تدفق مياه النيل.

وشهد عام 1929 توقيع المعاهدة الأنجلو مصرية بين بريطانيا (نيابة عن مستعمراتها في السودان وكينيا وتنزانيا ويوغندا) ومصر. ومنعت المعاهدة المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا من استغلال مياه النيل من دون موافقة مصر.

أما الاتفاقية الثالثة فهي معاهدة مياه النيل التي أبرمت عام 1959 بين مصر والسودان، حيث تقاسمت بمقتضاها الدولتان كل كميات المياه المتدفقة من النيل، من دون اعتبار لمصالح دول المنبع، التي رفضت ذلك بشدة، وطالبت بالاستغلال المتساوي لموارد النهر.

وفي عام 2010، توصلت جميع دول حوض النيل إلى ما أُطلق عليها "اتفاقية الإطار التعاوني بين دول حوض النيل"، إلا أن مصر والسودان رفضت التوقيع عليها بحجة أنها لا تعترف بحقوقهما المنصوص عليها في المعاهدات السابقة.

ويرى محمود تيكويا في مقاله أنه إزاء ذلك الإرث من المعاهدات لم تجد إثيوبيا بدًّا من الشروع في بناء سد النهضة العظيم بنفسها، الذي من شأنه أن يحدث تغييرا في الوضع الراهن الذي أفضت إليه تلك الاتفاقيات.

ويزعم الكاتب أن السد سيمنح مصر والسودان منافع جمة؛ إذ سيضمن لهما انسيابا منتظما للمياه، ويمنع الإطماء، ويقلل معدلات التبخر ويوفر طاقة كهربائية زهيدة الثمن.

ووفقا للمقال، فإنه لطالما دعم السودان منذ عام 2012 مشروع قيام السد بسبب تلك الفوائد التي سيجنيها منه. أما مصر فترى أن أي سد يقام في أعالي نهر النيل يهدد تدفق مياهه إليها.

ويستطيع سد النهضة تخزين أكثر من 70 مليار متر مكعب من المياه، ورفضت مصر في بادئ الأمر المشروع جملة وتفصيلا قبل أن تطلب في ما بعد إنقاص حجمه، كما يقول تيكويا.

إعلان المبادئ

غير أن مصر عادت عام 2015 ووقعت إعلان المبادئ؛ ومن ثم وافقت على بناء السد. وهو الإعلان الذي وقعت عليه أيضا كل من إثيوبيا والسودان، حيث يمثل إطارا للمفاوضات حول المرحلة الأولى من ملء السد وآلية تشغيله سنويا.

لكن بعد إقرار إعلان المبادئ، بدا أن مخاوف مصر تغيرت على ما يبدو، حيث أرادت ضمانات على أن السد لن يؤثر على انتفاعها الحالي من نهر النيل. ودعت القاهرة في خطابها الأخير لمجلس الأمن الدولي إلى ضرورة ألا يكون لأي مشاريع جديدة -مثل سد النهضة- أي تأثير على استخداماتها الحالية والقائمة لموارد النهر.

ولما كانت مصر -في رأي كاتب المقال- تنتفع حاليا بنحو 61 مليار متر مكعب من مياه النيل، أي أكثر من حصتها منه البالغة 55.5 مليار متر مكعب، فإن السودان بدوره يعتبر مطلب القاهرة بضرورة الحفاظ على حصتها "الحالية والقائمة" خرقا لمعاهدة مياه النيل المبرمة عام 1959.

وأشارت صحيفة "أديس ستاندارد" في مقال الأستاذ الجامعي السابق إلى أن السودان لا ينتفع إلا بنحو 12 مليار متر مكعب من إجمالي حصته البالغة 18.5 مليارا المنصوص عليها في معاهدة 1959.

وتطرق تيكويا إلى المنافع التي تعود على السودان من سد النهضة، إذ يرى أنه سيزيد قدرة السودان على ري أراضيه الزراعية، بل سيتيح له استغلال مزيد من المياه بأكثر من حصته المقدرة بنحو 18.5 مليار متر مكعب.

وتابع الكاتب القول إن سد النهضة يحظى بالقبول على نطاق واسع من السلطات السودانية الحالية، رغم التوتر القائم بين شقيها المدني والعسكري، نظرا لأهميته بالنسبة للسودان تماما مثل أهمية السد العالي في أسوان لمصر.

ويمضي المقال إلى التنويه بأن إثيوبيا ليست طرفا في معاهدة مياه النيل لعام 1959، ومن ثم فهي لا تعترف بتوزيع حصص المياه بين دولتي المصب (السودان ومصر).

ولما كان النيل نهرا يتعرض للاستغلال المفرط -وفق تعبير محمود تيكويا- فإن مراعاة الاستخدامات الراهنة تعني أن إثيوبيا رغم أنها تسهم بما يزيد على 85% من تدفقات المياه فإنها لا تحظى بأي حصة من النيل.

ومع ذلك، فإن القانون الدولي ينص على أن كل دول حوض النيل لها حقوق متساوية، ومن ثم يحق لإثيوبيا الانتفاع المتساوي والمعقول من مياه نهر النيل.

وعليه، كما يقول الكاتب؛ فإن من المستحيل على أديس أبابا الموافقة على أي معاهدة تنطوي على تلميح يضفي مشروعية على الاستغلال القائم للمياه أو على الحصص الواردة بمعاهدة مياه النيل عام 1959.

خياران

وظلت إثيوبيا والسودان ومصر مستغرقة طيلة السنوات الخمس الماضية في مفاوضات بخصوص ملء وتشغيل سد النهضة، لكنها لم تستطع عقد صفقة فيما بينها، بل لم تتمكن بعد من حل القضايا العالقة بشأن تخفيف حدة الجفاف وآليات حل النزاعات المستقبلية.

ويرجح الكاتب أن الدول الثلاث لن تتفق على كيفية تخفيف حدة ظاهرة الجفاف في المستقبل؛ نظرا لاعتراض أديس أبابا على التدابير المقترحة لذلك.

وبما أنه من غير المرجح أن تتمكن الدول الثلاث من حل تلك المعضلة العالقة، فإن ثمة خيارين -رغم ضآلة فرص تحققهما- للتوصل إلى اتفاق:

الأول أن على الدول الثلاث إبرام اتفاق مؤقت يحكم المرحلة الأولى لملء السد على مدار عامين، وهو ما من شأنه بناء الثقة بينها، ووضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بتخفيف حدة الجفاف وحل النزاعات.

أما الخيار الثاني فهو أن تقتصر المعاهدة المقبلة على آليات ملء سد النهضة وتشغيله سنويا، على أن تترك مسألة تقاسم المياه وقت الجفاف وما إلى ذلك من الأمور العالقة لمرحلة لاحقة.

المصدر : الصحافة الإثيوبية