أقالت وزارة الداخلية العراقية مسؤول رفيع في شرطة بغداد على خلفية اغتيال مسلحين مجهولين للمحلل البارز هشام الهاشمي أمام منزله ببغداد، بينما دعت الأمم المتحدة وبريطانيا وأميركا لسرعة محاسبة القتلة.
أحمد الدباغ – الجزيرة نت
هو مشهد دموي ليس غريبا على الشارع العراقي، ففي مساء الاثنين الماضي أقدم مسلحون مجهولون على اغتيال الخبير الأمني البارز هشام الهاشمي بأسلحة كاتمة للصوت قرب منزله في منطقة زيونة ببغداد، في مشهد ينذر بتفعيل مشهد الاغتيال السياسي في البلاد.
الهاشمي -الذي كان مختصا في دراسة وتحليل شؤون تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة في العراق- عكف منذ سنوات على تقديم الدراسات والمقالات عن مجمل الوضع الأمني في البلاد، إلا أن الأيام الأخيرة في حياته كانت حافلة بسلسلة تغريدات ومداخلات عن الوضع الأمني، والحادثة الأخيرة في منطقة الدورة ببغداد، عندما أقدمت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب الحكومية على اعتقال مجموعة من فصيل كتائب حزب الله التابع للحشد الشعبي للاشتباه في ضلوعه في إطلاق قذائف تستهدف السفارة الأميركية في بغداد.
Video of a gunman assassinating prominent Iraqi security analyst Husham Al Hashimi.
Many in #Iraq & across the region are holding the regime in #Iran & the Revolutionary Guards (IRGC) responsible for this assassination.pic.twitter.com/qkxD03RUql
— Heshmat Alavi (@HeshmatAlavi) July 6, 2020
اغتيال الكلمة
ويقول الخبير الأمني أحمد الأبيض إن الاغتيال السياسي في البلاد مر في الفترة الأخيرة بمرحلة سبات نتيجة المواقف الدولية والمحلية في البلاد، التي لم تكن تسمح "للجهات الإجرامية" بالدخول في فوضى الاغتيالات، خاصة بعد اغتيال أميركي بقصف من الجو لأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد مطلع العام الجاري، واغتيال أكثر من 35 ناشطا وإعلاميا بشكل مباشر عقب بدء الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعن اغتيال الهاشمي، يرى الأبيض في حديثه للجزيرة نت أن ما وصفه بمرحلة كسر العظم بدأت باغتيال الهاشمي، على اعتبار أنه كان مقربا من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ويعلق الأبيض بالقول إن "الرسالة كانت واضحة للكاظمي في قدرة المليشيات المتطرفة والعصابات الإجرامية على إيقاف مساعيه، خاصة أن الشهرين الأخيرين كان فيهما الهاشمي واضحا في وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالسلاح المنفلت في البلاد".
ويختتم الأبيض بأن خلق الفوضى وخلط الأوراق كان واضحا في رسالة اغتيال الهاشمي من أجل إسكات الناشطين والإعلاميين وتكميم الأفواه، لافتا إلى أن حكومة الكاظمي أمام امتحان صعب.
أما الباحث السياسي غانم العابد فيرى أن هناك إستراتيجية واضحة في إسكات جميع الأصوات المعارضة التي تستخدمها ما سمّاها "الدولة العميقة أو المليشيات"، خاصة أن الاحتجاجات الشعبية الأخيرة شهدت تصفية العشرات من الناشطين والإعلاميين المناهضين لدور إيران في البلاد.
وينوه العابد في حديثه للجزيرة نت إلى أن العملية الحكومية الأخيرة ضد ما تعرف "بخلية الكاتيوشا" في منطقة الدورة ببغداد نهاية الشهر الماضي ضد عناصر من الفصائل المسلحة، جعلها تتحرك ضد كل من يتحدث عن وجوب سيطرة الحكومة العراقية على المنافذ الحدودية، خاصة أن الدعم الإيراني المالي تراجع كثيرا خلال الأشهر الأخيرة.
ويتخوف العابد من أن الفصائل المسلحة تحاول إرباك حكومة الكاظمي من خلال افتعال العديد من المشكلات الأمنية وغيرها في سبيل عرقلة مساعي الحكومة الإصلاحية وإيجاد مبرر لتواصل نفوذها في البلاد.
وأكد أن حكومة الكاظمي أمام امتحان صعب للكشف عن قتلة الهاشمي ومن سبقه من ناشطين وتقديمهم للقضاء، وبغير ذلك فإن الاغتيال سيستهدف كثيرا من الشخصيات السياسية والإعلامية والمجتمعية.
اتهام تنظيم الدولة
رغم الاتهامات الموجهة للفصائل المسلحة باغتيال الهاشمي، فإن هناك من يرى أن تنظيم الدولة له المصلحة الأولى في ذلك، ومنهم النائب نعيم العبودي المتحدث باسم كتلة "صادقون" النيابية (الذراع السياسية لعصائب أهل الحق)، الذي يؤكد أن الهاشمي كان له دور كبير في تقديم المشورات الأمنية للقوات العراقية في حربها ضد تنظيم الدولة.
ويؤكد العبودي أن الهاشمي قدم عشرات الدراسات عن الجماعات المتطرفة وتنظيم الدولة، وأسهم في تقديم المشورة لجهاز مكافحة الإرهاب والجيش العراقي والحشد الشعبي؛ كل ذلك جعله هدفا للتنظيم الذي هدده أكثر من مرة.
وعن الاغتيال، يرى العبودي في حديثه للجزيرة نت أن العراق خسر شخصية سياسية وفكرية وأمنية، وأن البلاد حزينة لفقدانه، لافتا إلى أن هناك محاولة لإحداث فتنة وفوضى في العراق من خلال الاتهامات التي سيقت ضد جهات معينة في اللحظات الأولى لاغتياله، وبالتالي هناك الكثير من علامات الاستفهام حول من أطلق الاتهامات بكل اتجاه.
ويذهب في هذا الاتجاه أيضا الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف، الذي أكد أن هناك العديد من الجهات التي استفادت من اغتيال الهاشمي، إذ إن تنظيم الدولة يعد من أولى الجهات التي يهمها تصفيته وإسكات صوته، بعد أن مارس حربا نفسية كبيرة ضد التنظيم طيلة السنوات السابقة.
ويضيف أبو رغيف أن هناك بعض الجهات التي لا تعرف على وجه الدقة (لم يسمها) كان من مصلحتها استهداف الهاشمي، الذي كان ذا فكر تنويري إصلاحي، لافتا إلى أن الهاشمي كان يشكل ضررا كبيرا على التنظيمات المتطرفة بغض النظر عن انتمائها العقائدي، إذ كان يضع دائما النقاط على الحروف، ويمتاز عن بقية المحللين بجرأة واضحة.
وعن دور حكومة الكاظمي ومسؤولياتها، يؤكد أبو رغيف أن الكاظمي يواجه العديد من التحديات المتمثلة في الملف الاقتصادي، وعسكرة بعض الكتل السياسية، فضلا عن التحديات البرلمانية والإقليمية.
قبل قليل ابناء ساحة التحرير يقفون امام منزل الشهيد هشام الهاشمي ويعزون عائلته وابنائه pic.twitter.com/P1958i6EP2
— حسن رحم (@Hassan_raham2) July 7, 2020
ويذهب الصحفي رائد جميل إلى أن الهدف الأساسي من اغتيال الهاشمي هو إسكات صوته العالي، لا سيما أنه بدأ في الآونة الأخيرة الكشف عن الكثير من الحقائق التي تتعلق بالدولة العميقة، التي تحاول زعزعة الوضع الأمني في البلاد، وتستخدم الأرض العراقية مسرحا للصدام مع القوات الأميركية بالإنابة عن إيران، وبالتالي كان لا بد من منع إيصال هذه المعلومات للرأي العام.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار جميل إلى أن عملية الاغتيال كانت رسالة مبطنة لحكومة الكاظمي، إذ إن المعلومات تشير إلى أن الهاشمي كان قد اختير للعمل ضمن الفريق الاستشاري للكاظمي، وكلف بالبحث في تشكيلات الفصائل المسلحة والإستراتيجية التي تعتمدها، وأوجه الخلاف بين تلك الفصائل.
وتبقى الاتهامات هنا وهناك، بين اتهام تنظيم الدولة بالمسؤولية عن الاغتيال، واتهام الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لكن يبدو أن الحقيقة الواضحة للعراقيين باتت أن الكلمة ثمنها رصاصة.