بعد صدمة "أنا مش كافر"..الانتحار أحدث صور الاحتجاج بلبنان

لبنانية ترفع لافتة تتهم فيه السياسيين اللبنانيين بدفع مواطنيهم للانتحار على وقع أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة (الجزيرة)

كسر صوت رصاصة الهدوء الذي كان يسعى له رواد أحد المقاهي في شارع الحمرا الشهير (وسط بيروت) صباح الجمعة الماضي.

الرصاصة صدرت من مسدس كان يحمله المواطن اللبناني "علي"، الذي اختار إطلاق النار على نفسه بعد أن ترك وراءه 3 رسائل واضحة؛ الأولى علم لبناني، والثانية إفادة رسمية تفيد بخلو سجله العدلي من أي جرائم، والثالثة عبارة "أنا لست كافر"، التي دونها على العلم والإفادة لتأكيد الرسالة السياسية من وراء قرار انتحاره.

وهزت حادثة انتحار "علي" المجتمع اللبناني، كونها واحدة من 4 حالات انتحار عرفها لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، لكن حادثة "علي" كانت الأكثر وقعا، حيث تفاعل معها محتجون في الشارع، كما تفاعل نشطاء وسياسيون ومشاهير عبر منصات التواصل، وردوا على وسم #أنا_مش_كافر بعبارات عديدة منها: "الجوع كافر"، و"السياسي قاتل".

لا أحد يموت من الجوع

كما سخر آخرون من عبارات رددها سياسيون لبنانيون مؤخرا، ومن بينها عبارة للرئيس اللبناني ميشال عون مفادها أنه "لا أحد يموت من الجوع".

ويرى خبراء أن حالات الانتحار التي سجلت مؤخرا في لبنان أعطت مؤشرا على أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد تجاوزت الخطوط الحمراء بالنسبة لكثير من اللبنانيين، الذين باتوا يرزحون تحت وطأة الغلاء والفقر والبطالة، في وقت يرى فيه هؤلاء أن هناك انسدادا في الأفق على أي حلول ممكنة، أقله في الوقت الراهن.

وسجلت الأيام القليلة الماضية عدة حالات انتحار، ذُكر أنها مرتبطة بالضائقة الاجتماعية والمعيشية التي تعيشها البلاد.

اكتئاب اجتماعي يقود للانتحار

وتعليقا على تصاعد هذه الظاهرة، تقول المستشارة والمعالجة النفسية ميسون حمزة إن الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها أفراد في المجتمع قد تكون عبارة عن تراكمات تزيد منسوب الاكتئاب؛ وبالتالي قد تصل إلى الانتحار.

وأوضحت ميسون حمزة للجزيرة نت أنه ليس كل شخص يعاني من التشاؤم أو الضائقة قد يقدم على الانتحار، مشيرة الى أن هذا الفعل يكون لدى الأشخاص الذين سُدت في وجوههم السبل، ويحاولون البحث عن حل آخر يتمثل في إشباع الأنا لديهم عبر اللجوء للانتحار.

وتابعت أن المنتحرين لا يقدمون على فعلتهم فجأة، بل تسبق ذلك إشارات وأفكار سوداوية متراكمة، ويتخللها ضغط أو ضائقة معينة تجعل الفرد عاجزا عن تفسير ما يحدث نتيجة المسؤوليات المختلفة الملقاة عليه.

ورأت أن الضائقة الاقتصادية تدخل ببعدها النفسي بما تعرف بمنظومة الأمان لدى الفرد، مشيرة إلى أن تهديد هذه المنظومة يزيد الاكتئاب، ويصل بالإنسان إلى اليأس.

كارثة اجتماعية
وفي هذا السياق، يرى الخبير في التنمية أديب نعمة أن وقوع حالات انتحار نتيجة التأزم الاجتماعي والأوضاع الصعبة يشكل مؤشرا خطيرا جدا.

واعتبر أن حالات الانتحار تشكل رأس جبل الجليد، مؤكدا أن خطأ السلطة هو التركيز على الوضعين المالي والاقتصادي، وإهمال الآثار الاجتماعية لهذه الأزمة.

وقال نعمة للجزيرة نت إن الأزمة الاجتماعية معقدة، مما ينذر بانفجار ظهرت بعض علاماته عبر الاحتجاجات الشعبية والغضب وحالات الانتحار وغيرها من الظواهر.

ولفت إلى أن الخطة الحكومية المقترحة للإصلاح لا تتناول معالجة الأوضاع الاجتماعية بشكل جدي، معتبرا أن الإجراءات الاقتصادية المطروحة تزيد تأزم الواقع الاجتماعي.

معدلات الفقر في ارتفاع
وحسب رأي نعمة، فإن تضخم سعر الصرف يعني ضرب مداخيل المواطنين، كما أن ما يُحكى عن اتجاه إلى تقليص أعداد موظفي القطاع العام وخفض الرواتب ومعاشات التقاعد؛ يضرب الفئات الفقيرة والمتوسطة، وقال "هناك كارثة اجتماعية، مؤكدا أن السياسات الحكومية ستوسع عمليات الإفقار".

ورأى نعمة أن الانهيار الاقتصادي سيحصل عندما تسود الخلافات على طريقة المعالجة داخل المنظومة السياسية الحاكمة، مما يعرقل إيجاد الحلول، ويؤثر على المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات.

ويقدر البنك الدولي زيادةَ معدلات الفقر في لبنان بـ50% بحلول نهاية العام الجاري، في وقت تشهد فيه بعض المناطق احتجاجات شعبية تنديدا بتردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، واستشراء الغلاء.

وعلى وقع الأزمات المتراكمة التي بات يعانيها لبنان، تتراكم معها الهموم المعيشية لدى كثير من العائلات اللبنانية نتيجة الأزمة التي يعانيها بلدهم، في حين لم تنجح الحلول التي تطرحها الحكومة لوقف التدهور المستمر للأوضاع.