بين الدبلوماسية الناعمة والخشنة.. أين يتجه التصعيد الأميركي الصيني؟

U.S. President Donald Trump meets with China's President Xi Jinping at the start of their bilateral meeting at the G20 leaders summit in Osaka, Japan, June 29, 2019. REUTERS/Kevin Lamarque TPX IMAGES OF THE DAY
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (يسار) ونظيره الصيني شي جين بينغ في اجتماع سابق لقمة العشرين (رويترز)

أخذت مظاهر التوتر في علاقات الولايات المتحدة بالصين منحى جديدا يرتبط بالأدوات الدبلوماسية سواء في صورتها الناعمة الهادئة أو تلك العقابية الخشنة.

ولم يتوقف التصعيد الإعلامي والسياسي أو العسكري بين الدولتين خلال الأسابيع الأخيرة، والتي كان من أوضح مظاهرها هجوم منسق من قيادات إدارة الرئيس دونالد ترامب على الصين.

تزامن ذلك مع إرسال المزيد من القطع البحرية العسكرية الأميركية لبحر جنوب الصين، قبل أن تعلن واشنطن عدم شرعية ما تقوم به الصين من تمدد وتوسع في مناطق بحرية محل نزاع مع جيرانها الإقليميين.

إغلاق بعثات دبلوماسية

ولم يستبعد ترامب إقدام بلاده على إغلاق المزيد من البعثات الدبلوماسية الصينية في الولايات المتحدة. وكانت واشنطن قد صعدت من درجة التوتر بإعلان وزارة الخارجية الأميركية إغلاقها القنصلية الصينية في هيوستن، أكبر مدن ولاية تكساس وخامس أكبر مدينة أميركية، بهدف "حماية الملكية الثقافية الأميركية ومعلومات الأميركيين الخاصة".

وربطت تقارير صحفية بين إغلاق القنصلية وتوجيه وزارة العدل الأميركية أمس تهما بالتجسس لقراصنة إنترنت تقول إنهم على صلة بالاستخبارات الصينية سعوا لسرقة أسرار تجارب جارية بخصوص لقاح ومصل فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في عدد من المعامل الأميركية.

وذكر بيان لوزارة الخارجية أن "اتفاقية فيينا تنص على احترام دبلوماسيي الدول قوانين ونظم البلد المضيف، ومن واجبهم عدم التدخل في الشؤون الداخلية لذلك البلد".

كما أشارت تقارير إخبارية إلى لجوء باحثة صينية -ادعت أنها طالبة- للانضمام لبرنامج بحثي متطور في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، على الرغم من كونها باحثة تعمل لحساب الجيش الصيني في مجال الأبحاث الطبية.

وتم التحقيق معها بشأن قيامها بأعمال تجسس تحت غطاء إجراء أبحاث علمية، وتعتقد السلطات الأميركية أن الحكومة الصينية توفر "مأوى آمنا" لعملائها في الولايات المتحدة، وتحاول منع مقاضاتهم أمام المحاكم.

وكانت واشنطن استحدثت منذ مايو/أيار السابق قواعد جديدة تقيد منح تأشيرات دراسية لطلبة الدراسات العليا الصينيين الذين تعتقد أن لهم صلات بالمؤسسة العسكرية الصينية.

رسالة حازمة للأميركيين

في الوقت ذاته، أصبح الإعلام ساحة مواجهة صينية أميركية، بادرت واشنطن بمعاملة وسائل إعلام رسمية صينية معاملة السفارات الأجنبية، وخفضت عدد الصحفيين المسموح لهم بالعمل داخل الولايات المتحدة إلى 100 صحفي من 160 صحفيا. وردا على ذلك طردت الصين حوالي 10 من صحفيي وسائل إعلام أميركية.

وظهر السفير الصيني لدى واشنطن تسوي تيان كاي على شاشة "سي إن إن" (CNN) قبل أيام ليؤكد أنه "على أميركا أن تتخذ خيارا أساسيا حول ما إذا كان يمكن أن تعيش بسلام مع الصين الحديثة والقوية والمزدهرة"، ومثلت تلك العبارة خلاصة حديث السفير مع فريدي زكريا المذيع اللامع بسي إن إن، ورأى الكثير من الخبراء أن الرسالة الصينية غير دبلوماسية في جوهرها.

وردا على سؤال حول مزاعم البعض في الغرب بأن الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ أصبحت أكثر قمعا وأكثر رغبة في التوسع، رد تسوي بالقول "على الناس أن يدركوا تماما حقائق عالم اليوم"، وأضاف السفير "إننا بالتأكيد لنا حق مشروع في بناء بلادنا لتصبح دولة حديثة وقوية ومزدهرة مثل دول أخرى في العالم".

وأضاف "أعتقد أن المسألة الأساسية للولايات المتحدة بسيطة جدا" وهي "هل الولايات المتحدة مستعدة للعيش مع دولة أخرى ذات ثقافة مختلفة جدا وذات نظام سياسي واقتصادي مختلف تماما.. في سلام من أجل تعاون في الكثير من التحديات العالمية التي تواجهنا جميعا؟".

دبلوماسية ناعمة

وتمتلك الصين السفارة الأكبر في الولايات المتحدة. وقبل أعوام عدة دشنت سفارة جديدة لها في قلب واشنطن لتصبح أكبر سفارة في العاصمة الأميركية.

وقال مصدر دبلوماسي للجزيرة نت "لقد أحضرت الصين كل مواد البناء، حتى الرمال والإسمنت، من الصين، كما أن كل عمال ومهندسي البناء قدموا من الصين لغرض بناء السفارة"، وذلك خشية أن يتم تسريب وتركيب أجهزة تنصت لو تركت عملية البناء لشركة غير صينية.

وتعكس ضخامة السفارة قوة الصين الصاعدة، إذ لم تعد السفارة الروسية الأكبر في العاصمة الأميركية ولا الأكثر أهمية.

وتحاول الصين نشر نفوذها أيضا في العاصمة الأميركية عبر أدوات دبلوماسية ناعمة وهادئة، ومن تلك الأدوات صحيفة "تشينا ديلي" التي تعد بمثابة المتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي الصيني في الولايات المتحدة.

وتنتشر الصحيفة باللغة الإنجليزية في أماكن بيع الصحف في معظم المدن الأميركية، وعقدت الصحيفة عدة شراكات تدفع بمقتضاها مئات الآلاف من الدولارات مع صحف واشنطن بوست ووول ستريت جورنال ونيويورك تايمز مقابل توزيعها مجانا مرة أو مرتين في الشهر مع تلك الصحف. كما تنتشر صناديق بيعها في الكثير من ميادين وشوارع العاصمة واشنطن.

وتوزع صحيفة تشينا ديلي مجانا على مكاتب أعضاء الكونغرس الـ535، وتترك عشرات النسخ في مكتب كل عضو للتوزيع على مساعديه ومستشاريه.

وحسب مراقبين، يقرأ الأميركيون على صفحات هذه الصحيفة دعاية (بروبوغاندا) ذات صبغة سياسية عن التقدم التكنولوجي وحقوق الصين الشرعية في هونغ كونغ وتايوان، ولا تتحدث الصحيفة عن مشكلة أزمة مسلمي الإيغور في أقصى غربي الصين، بل ترى أن الإقليم متجانس مع بقية الصين ولا يعرف أي مشاكل خاصة به.

 توعد بالمزيد

وكان مدير مكتب التحقيقات الفدرالي إف بي آي (FBI) كريستوفر راي قد وجه اتهامات غير مسبوقة للصين في صورة علنية خلال كلمة له أمام معهد هادسون بواشنطن في السابع من الشهر الجاري.

وعرض راي صورة قاتمة لتدخل الصين من خلال عملائها في حملة واسعة من التجسس الاقتصادي وسرقة معلومات وبيانات وأبحاث شركات أميركية، إضافة إلى القيام بأنشطة سياسية غير قانونية، واستخدام أساليب الرشوة والابتزاز للتأثير على رجال أعمال أميركيين لتحيق أهداف سياسية صينية.

وقال راي "بلغنا الحد الذي أصبح فيه مكتب التحقيقات الفدرالي يفتح كل 10 ساعات قضية جديدة لمكافحة التجسس تتعلق بالصين. فمن بين ما يقرب من 5 آلاف حالة مكافحة تجسس يجري العمل عليها حاليا في أنحاء البلاد، هناك ما يقرب من نصفها يتعلق بالصين".

وفي ضوء ما سبق لا يتوقع الكثير من الخبراء أن تتيع الصين وأميركا خطوات تهدئة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية التي أصبح العداء ومواجه الصين أحد أهم قضايا السياسة الخارجية الانتخابية.

المصدر : الجزيرة