من الإرهاب المحتمل إلى ليبيا.. التفويض سلاح السيسي الدائم

قبل 7 سنوات، وبينما كان المشهد السياسي محتقنا بعوامل إفساد المستقبل، وقف الفريق أول عبد الفتاح السيسي أمام حشد من أنصاره مرتديا بزته العسكرية ونظارته الشمسية السوداء، ليطالب المصريين بالنزول إلى الميادين من أجل منحه تفويضا لمواجهة ما سماه "الإرهاب المحتمل" من قبل أنصار الرئيس محمد مرسي، والذي تم عزله إثر الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في 3 يوليو/تموز 2013.
صفق الحشد يومئذ لمطلب التفويض، وفي اليوم التالي (25 يوليو/تموز 2013)، نقل التلفزيون الرسمي مشاهد لمتظاهرين يرفعون علم مصر وصورة السيسي الذي كان آنذاك وزيرا للدفاع، وسيصبح بعد أقل من عام رئيسا للبلاد.
وليس صعبا تتبع ما جرى بعد مظاهرة التفويض التي يبدو أن السلطة العسكرية اعتبرتها إذنا مفتوحا لمعاقبة كل معارضيها، ووسيلة ممتدة لضمان البقاء في حكم البلاد، فالسيسي يحارب الإرهاب كما يقول، والإرهاب لا ينتهي.
وعلى ذلك تجسد أول إرهاصات التفويض في مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، ثم توالت بعد ذلك العمليات العسكرية في سيناء لمواجهة الجماعات المسلحة، بالتوازي مع إماتة الحياة السياسية في البلاد عبر وسائل عدة على رأسها اعتقال المعارضين، بل تصفيتهم في بعض الأحيان.
تفويض جديد
ويبدو أن السيسي لم يرضَ بعد 7 سنوات عجاف من محاربة "الإرهاب المحتمل" إلا أن يحيي الذكرى بإعادة استخدم وسيلة التفويض، لكن هذه المرة ليبرر خروجه بالجيش خارج الحدود إلى الصراع الدائر في ليبيا.
فاستقبل الرجل وفدا من القبائل الليبية الخميس الماضي، ليؤكد أن مصر قادرة على تغيير المشهد العسكري بشكل سريع وحاسم حال تدخلت في ليبيا، معلنا تدخل القاهرة لمنع تحوّل الأراضي الليبية إلى بؤرة للإرهاب، مؤكدا أنها لن تقبل بزعزعة أمن واستقرار المنطقة الشرقية وتهديد الأمن القومي للبلاد.
لكن الرئيس الذي صعد إلى كرسي الرئاسة على أكتاف المفوضين له قبل سنوات، يحتاج إلى مفوضين جدد يمنحونه غطاء دعائيا لدخول أراضي الجارة الغربية أو حتى التهديد بذلك، لذا كان طلبه مباشرا خلال لقائه بالقبائل الليبية، فقال "لن ندخل ليبيا إلا بطلب من شعبها وسنخرج منها بأمر منه".
ويبدو أن المشهد تم التجهيز له مسبقا في الكواليس، ففور طلب الرجل التفويض أبدى ممثلو القبائل الليبية تأييدهم المطلق له وإعلان تفويضهم بشكل مباشر، لينطلق التصفيق الحار من حاضري اللقاء.
وفي كلمته، قال الشيخ الطيب الشريف خير الله شيخ قبيلة العبيدات -بحسب تعريف مقدم الحفل- إن تدخل مصر في ليبيا يأتي لحمايتها مما أسماه المستعمر التركي، في إشارة إلى مساندة تركيا لحكومة الوفاق -المعترف بها دوليا- في العاصمة الليبية طرابلس.
واستطرد بأن "قبائل ليبيا يناشدون جيش مصر ورئيسها وشعبها لتنظيف ليبيا من الغزاة الأتراك، ومن يساندهم ممن يريدون تفريق شملها وتسليمها للإرهابيين والمرتزقة، من أجل تهديد أمن مصر والمنطقة"، معلنا تفويض السيسي لدخول بلده.
وفي وقت سابق، رفض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تسليح القبائل الليبية، قائلا "سمعت خلال الـ24 ساعة الماضية حديثا عن تسليح القبائل الليبية للدفاع عن النفس، وهذا خطير جدا، وسنكون أمام صومال جديد ينعدم معه أي حل".
فزاعة الإرهاب
ومع حلول الذكرى السابعة للتفويض، لا يجد البرلماني السابق عز الدين الكومي أي تغيير حاصل في المشهد الذي طلب السيسي التفويض من أجل تغييره.
وأضاف الكومي -للجزيرة نت- أن السيسي لم يكن بحاجة إلى تفويض لمحاربة ما سمّاه الإرهاب المحتمل، لكنه قصد توريط الشعب في حرب أهلية واستخدام فزاعة العنف، للحصول على موافقة الغرب على بقائه في الحكم، وللتنكيل بالمعارضين له.
وأوضح الكومي أن السيسي يبرر إخفاقه في إدارة كثير من الملفات بمحاربة الإرهاب، مشيرا إلى الوضع المأساوي في سيناء من تفريغ المنطقة من أهلها وعمليات القتل خارج إطار القانون.
وقال إن الإرهاب الذي كان محتملا قبل 7 سنوات صار حقيقيا الآن، "لكنه إرهاب السلطة للشعب".
أما عن تفويض السيسي من القبائل الموالية للجنرال الليبي خليفة حفتر من أجل التدخل العسكري في ليبيا، فيراه الكومي تغطية واضحة على فشل رأس النظام المصري الحالي في ملفي سد النهضة وجائحة كورنا، مرجحا ألا يكون لذلك التفويض تأثير على مجريات الأوضاع في ليبيا، في ظل وجود لاعبين كبار من أمثال تركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية.
واعتبر الكومي حديث السيسي عن ليبيا نوعا من البروباغندا، متوقعا حال دخوله حدود الجارة الغربية أن يكون المسمار الأخير في نعش نهاية حكمه، في ظل التفوق العسكري التركي وتقلص الدعم المالي الخليجي للسيسي، بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا فقط.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذرت منظمة العفو الدولية من أن حكومة السيسي تنظر إلى جميع منتقدي الحكومة على أنهم إرهابيون محتملون.
وقالت المنظمة في تقريرها الصادر بعنوان "حالة الاستثناء الدائمة"، إن هناك ارتفاعا حادا في القضايا التي نظرت فيها محكمة أمن الدولة العليا، من 529 حالة عام 2013 إلى 1739 عام 2018.
وفي سياق التحذير نفسه، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن المصرية ومسلحي تنظيم ولاية سيناء ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق المدنيين من سكان شمال سيناء، ترتقي إلى "جرائم الحرب".
واتهمت المنظمة -في تقرير صادر في مايو/أيار من العام الماضي- قوات الأمن المصرية بالقيام باعتقالات تعسفية واسعة النطاق، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والعقاب الجماعي، والإخلاء القسري، وذلك أثناء معركتها مع "الإرهاب" في سيناء.
مفهوم جديد للتفويض
أما الصحفي المؤيد للسلطة محمد أمين، فطرح رؤية مختلفة للتفويض الأول والثاني في مقال له تحت عنوان "تفويض السيسي"، معتبرا التفويض الذي منحه المصريون لرئيسهم قبل سنوات ما زال قائما لاتخاذ كل الإجراءات التي تحافظ على أمن مصر القومي.
أما تفويض القبائل الليبية، فاعتبره أمين التفويض الثاني شعبيا للرئيس، موضحا أن السيسي لم يشعر بالنشوة بقدر ما شعر بالمسؤولية، "فالكلام عن التفويض لا هو دعوة إلى الحرب.. ولا الكلام عن قدرة الجيش المصري أيضا دعوة إلى الحرب، لأنه جيش رشيد"، بحسب قوله.
واستطرد الكاتب الصحفي "قدم الرئيس مفهوما جديدا للتفويض.. كما قدم مفهومه الخاص لحقوق الإنسان من قبل.. فالتفويض ليس إعلان حرب، ولكنه دعوة إلى السلام، في ظل الإحساس بمفهوم الردع".
واختتم مقاله بالتأكيد على أن السيسي لا يحتاج إلى تفويض مصري في ليبيا أو إثيوبيا، وقال: "نحن ندعمه ونؤيده، والتفويض قائم بالتأكيد".