إصابات كورونا في مصر أكثر من المعلن.. فما السبب؟

تحفظت مصر على مواجهة وباء كورونا - تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
منصات التواصل بمصر تمتلئ باستغاثات لمرضى كورونا وذويهم بسبب عدم وجود أماكن للرعاية بالمستشفيات (الجزيرة)

في فبراير الماضي، كانت مصر تعلن عن نفسها كأحد البلدان الخالية تماما من فيروس كورونا المستجد وفي الوقت نفسه كانت دول أخرى تؤكد أنها استقبلت حالات مصابة بالوباء قادمة من القاهرة، وهكذا اتسمت بداية تعامل الحكومة المصرية مع الوباء بالضبابية.

ومع ازدياد شراسة الجائحة في البلاد وارتفاع أعداد المصابين لأكثر من 65 ألف حالة واقتراب الوفيات من الـ 3 آلاف، تتحدث دراسات وتؤكد تصريحات لمختصين أن الأعداد الحقيقية أكبر من الأرقام المعلنة رسميا.

تلك الأعداد المرتفعة يمكن التعرف عليها بشكل عملي عبر منصات التواصل التي تمتلئ باستغاثات للمرضى وذويهم بسبب عدم وجود أماكن للرعاية بالمستشفيات، في الوقت الذي تزعم فيه الحكومة وجود أماكن شاغرة.

اعتراف ضمني

ورغم أن الحكومة لديها إصرار على إنكار كثرة الحالات المصابة على أرض الواقع بعيدا عما تعلنه بشكل رسمي، فإن بعض المسؤولين يلوحون بالحقيقة من حين لآخر.

ففي 29 مايو/أيار الماضي، كشف عضو اللجنة العليا للفيروسات التابعة لوزارة التعليم العالي المصرية عادل خطّاب، أن أعداد الإصابات الفعلية بفيروس كورونا بين خمسة وسبعة أضعاف الأعداد المُعلنة من وزارة الصحة، والتي بلغت وقتئذ أكثر من 22 ألف إصابة.

ورغم هذا الفارق بين الرقم الرسمي والواقعي لم يحمّل خطّاب الدولةَ مسؤوليته، فأوضح أن الحكومة لا تُخفي الأرقام الحقيقية للإصابات، مرجعا الفارق إلى عدم ذهاب بعض المصابين -ممن لم تظهر عليهم أعراض الإصابة بالمرض- إلى المستشفيات.

واستطرد المسؤول المصري "فيروس كورونا منتشر في المجتمع المصري بأعداد كبيرة للغاية، والكثير من المواطنين حاملون للعدوى، ولا يعانون أعراضا"، متوقعا أن تصل أعداد الإصابات بالفيروس إلى عشرة أضعاف الأعداد المعلنة.

خمسة أضعاف المعلن
وفي الأول من يونيو/حزيران الماضي، كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خالد عبد الغفار، أن الأرقام المعلنة لإجمالي إصابات كورونا في مصر تساوي خُمس الواقع (20%) في النماذج الافتراضية وتحليل البيانات.

وأوضح عبد الغفار أن عدد الإصابات المعلنة بلغ أكثر من 23 ألف إصابة، وهو ما يعني أن النسبة الافتراضية لعدد الإصابات الواقعية تصل 117 ألفا، متوقعا أن تصل النسبة الافتراضية لعدد وفيات كورونا عشرة أضعاف العدد الرسمي المعلن، أي تتجاوز 9 آلاف وفاة.

كما أكد مستشار منظمة الصحة العالمية للفيروسات جمال عصمت، أن معدل الوفيات جراء فيروس كورونا بالنسبة لعدد الإصابات بات أقل مما كان عليه في بداية تفشي الفيروس في مصر.

ولكنه أوضح في تصريحات صحفية، أن تلك الإحصائية مرتبطة بعدد الحالات التى يتم تشخيصها كل يوم، حيث إنه في حالة زيادة عدد المسحات التى يتم إجراؤها كل يوم، سوف يتم اكتشاف حالات مصابة بهذا الوباء.

وبيّن عصمت أن عدد الحالات التي يتم تسجيلها هي أقل بكثير من الحالات الفعلية المصابة، واصفا الوضع بالخطير الذي يستوجب الانتباه.

تجاهل السلطة

من جهته، أرجع أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق أحمد رامي الحوفي، التفاوت بين الأرقام الحقيقية والرسمية لأعداد المصابين والمتوفين جراء الوباء إلى عدة عوامل، منها تجاهل السلطة للجائحة منذ بداية ظهورها.

وأضاف الحوفي للجزيرة نت أن السلطة كانت ستستمر في تجاهلها للوباء، ظنا منها أن الوضع يمكن إخفاؤه لتقليل الخسائر الاقتصادية، لولا ضغط المنظمات الدولية الذي أدى إلى إعلان ظهور حالات على أراضيها.

أيضا فمن ضمن عوامل التفاوت -حسب الحوفي- الترويج للوباء باعتباره وصمة، ما جعل المواطنين يميلون لعدم الإفصاح عن إصابتهم او إصابة أحد من ذويهم، وهو ما لقي تشجيعا من قبل السلطة التي لم تبذل جهدا لتصحيح هذا الفهم المغلوط.

وتحدث الإعلام المصري في الأسابيع الماضية عن حالات وشواهد تؤكد أن كثيرا من المصريين يفضلون عدم الإعلان عن الإصابة بفيروس كورونا حتى لو كان ذلك يمثل خطرا عليهم، وكان السبب وراء ذلك، إما عدم الثقة في النظام الصحي واهتمام الدولة، أو الرغبة في تجنب ما يعتبرونه نوعا من العار الاجتماعي.

كما أوضح الحوفي أن قلة الإمكانيات الطبية اللازمة للكشف المبكر عن المرض أدت لانخفاض حالات التشخيص، حتى أن أخذ مسحات لتحليلها كان يتم بشكل مركزي وكان ظهور النتائج يتأخر لأيام، ما أدى لتدهور حالات كثير وموتها قبل أن تسجل كإصابات بالفيروس.

ولا يجد الحوفي مبررا للسلطة بالنسبة لقلة الإمكانيات الطبية، لافتا إلى قيام الحكومة المصرية بإرسال مساعدات ضخمة لدول عدة مثل إيطاليا والولايات المتحدة للمساعدة في تخطي الجائحة على مدار الأشهر الماضية.

وأشار إلى لجوء الحكومة إلى توجيه المواطنين للعزل المنزلي بعد امتلاء المستشفيات بالحالات المصابة، وهو ما أدى لوفاة الناس في بيوتهم من غير رصد رسمي.

وبحسب الحوفي سيؤدي هذا الوضع إلى كارثة حقيقية، مع زيادة التداعيات السلبية على القطاعين الصحي والاقتصادي.

فقدان الثقة

وحول تأثير التباين في أرقام الإصابات والوفيات الرسمية والواقعية على الرأي العام، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، مصطفى خضري، إن ذلك أدى إلى زيادة التباعد بين المواطن ومفهوم الدولة بمعناها الحقيقي.

وأوضح للجزيرة نت أن المواطن فقد ثقته بمنظومة الدولة، وأصبح يتعامل مع أزماته بالاكتفاء الذاتي.

وأضاف أن النظام مع بداية الجائحة لم يكن لديه تصور لكيفية التعامل معها، وبدا متخبطا بين الإقرار بوجود المرض وإنكاره، ثم حاول الاستفادة من الوباء بمنطق التاجر الجشع.

وتابع الخبير في شؤون الرأي العام "سعى شركاء النظام وداعموه لصناعة فوضى معقدة يختلط فيها الحقيقي بالمزيف، فمن الناحية الرسمية يتنصل النظام من التزاماته بمواجهة الفيروس، ويلقي بالمسؤولية على المواطن، ليتخلى عن دعم محدودي الدخل المتأثرين بقراراته، ويترك المجتمع فريسة للمرض دون أي خطة طبية حقيقية".

واستخدم النظام الإعلام لإشاعة الرعب في المجتمع وكغطاء لعمليات استيلاء ممنهج على مليارات الدولارات، من الاحتياطي النقدي، وقروض البنك الدولي، والسندات الدولية، بالإضافة إلى التغطية على الكوارث السياسية التي صنعها في الملفات الثلاثة، ليبيا، والسد الإثيوبي، فضلا عن سيناء، حسب قول خضري.

واختتم حديثه بأن "كل ما صنعه النظام أخيرا انهمرت أخباره على المواطن وهو غير قادر على أن ينبس ببنت شفة، فستارة الرعب كانت كافية لتمرير المخططات دون أن يثور الشارع!".

المصدر : الجزيرة