جامعة بيرزيت.. أربع طالبات في السجن الإسرائيلي
بدل الاحتفال بتخرجها، ينشغل الطبيب الفلسطيني نزار كايد هذه الأيام بتداول رسائل ابنته ليان المعتقلة في سجن الدامون الإسرائيلي بتهمة النشاط في الحركة الطلابية بجامعة بيرزيت وسط الضفة الغربية.
كتبت ليان لعائلتها تصف اقتيادها إلى سجن الدامون في جبل الكرمل شمالي فلسطين المحتلة، "لم أصعد الكرمل لأرى حيفا -كأحمد العربي في قصيدة محمود درويش- إنما لتغيب عني حتى نجومها بينما أنا فيها أغيب عنكم. والكرمل لم يكن سُلّما، إنّما صليب أقتاد إليه في تلك السوداء التي ليست إلا تمثّلا لتابوت متحرك على عجلات، والسجن ليس إقامة وغرفة فقط، إنما الطريق للسجن سجن، وخلاله سجن للحاضر ومحاولة لسجن مستقبلنا".
الفتاة ذات الرسائل البليغة كانت قد وضعت على رأس صفحتها في فيسبوك قبل اعتقالها شعرا فلسطينيا خالدا "إنّ الليل زائل.. لا غرفة التحقيق باقية ولا زرد السلاسل".
واعتقلت ليان كايد يوم 8 يونيو/حزيران الماضي على حاجز إسرائيلي أثناء توجهها من قريتها سبسطية قرب نابلس إلى جامعة بيرزيت لإنهاء معاملات تخرجها واستلام شهادتها في تخصص علم الاجتماع.
يقول والدها إنها احتجزت في ظروف سيئة بسجن هشارون الإسرائيلي حيث خضعت لتحقيق قاسٍ لكنها نفت كل التهم الموجهة إليها.
ووجّه الاحتلال تُهم المشاركة في مسيرة طلابية، والتحريض على رشق الاحتلال بالحجارة، والنشاط في "القُطب الطلابي"، أحد الكُتل الطلابية في بيرزيت، و"المشاركة في إعداد أكلة شعبية هي الفلافل وتقديمها في نشاط معاد لإسرائيل"، والمشاركة في ندوة سياسية ضمن معرض للكتاب في الجامعة.
تمديد المحاكمة
واعتبرت نيابة الاحتلال "القطب الطلابي" جهة ممثلة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأن ليان كايد أحد نشطائه في جامعة بيرزيت، فرفضت المحكمة الإفراج عنها، ومددت محاكمتها حتى 5 أغسطس/آب المقبل.
وحسب والدها، فقط احتجزت ليان في زنزانة بكاميرات مراقبة، وتعرضت لشتائم متواصلة من محتجزين جنائيين في الزنازين المقابلة، ولكن نقلها المتكرر من سجن هشارون في شمالي فلسطين المحتلة إلى عوفر غرب رام الله بالضفة الغربية لاستكمال التحقيق، كان وسيلة أخرى للضغط عليها وإرهاقها.
وليان كايد واحدة من 41 أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهن أربع طالبات من جامعة بيرزيت يعتقلهن الاحتلال بتهم النشاط في الحركة الطلابية.
وأقدم هؤلاء الطالبة بكلية الإعلام ميس أبو غوش من مخيم قلنديا للاجئين شمال القدس، والتي تقضي حكما بالسجن لمدة 16 شهرا، منذ اعتقالها بنهاية أغسطس/آب 2019.
ومرّت أبو غوش بتجربة قاسية من التعذيب الجسدي العنيف لأكثر من 30 يوما تعرضت خلاله للشبح لفترات طويلة ومُنعت من لقاء محاميها طيلة هذه المدة.
وقالت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان إن المحاكم العسكرية الإسرائيلية كانت على علم كامل بتعذيب الطالبة أبو غوش وعدد من المعتقلين المتهمين بالانتماء للجبهة الشعبية، الذين اعتقلوا في أعقاب عملية تفجير عبوة ناسفة استهدفت مستوطنين قرب عين بوبين غرب رام الله في أغسطس/آب 2019، وأدت العملية إلى مقتل مستوطنة وإصابة اثنين من عائلتها.
وبعد انتهاء التحقيق معها، حوكمت أبو غوش بتهمة النشاط في الحركة الطلابية في بيرزيت. وفي مايو/أيار الماضي أرسلت لعائلتها قائلة "أعاني من أوجاع في العمود الفقري واليدين والرأس.. أشعر أحيانا بالكهرباء تجتاح الجهة اليسرى من رأسي"، وتحدثت عن حاجتها للنقل إلى المستشفى بأقرب وقت.
استمرار التحقيق
إلى جانب ليان وميس، لا تزال آخر المعتقلات الطالبة ربى العاصي (21 عاما) تتنقل بين سجني هشارون وعوفر الإسرائيليين مع استمرار التحقيق معها وتأجيل محاكمتها للمرة الثالثة منذ اعتقالها في التاسع من الشهر الجاري من بلدة بيتونيا غرب رام الله.
تدرس عاصي العلوم الاجتماعية في سنتها الثالثة، ويقول والدها فهمي العاصي إن الاحتلال سمح لها بالاتصال لدقائق محدودة لتخبر عائلتها أنها لا تزال في التحقيق.
أما رابعتهن إيلياء أبو حجلة، فقد تصادف الأربعاء انعقاد جلسة أخرى لمحاكمتها. وكانت قد اعتقلت في الأول من يوليو/تموز الجاري من منزلها بضاحية الطيرة في مدينة رام الله، بعد أيام من حصولها على المرتبة الأولى على مستوى الجامعات العربية، والمرتبة الثامنة على مستوى العالم في مسابقة المحاكمة الصورية ضمن فريق طلبة الحقوق في جامعة بيرزيت.
وفي الشهرين الأخيرين أفرج الاحتلال عن الطالبتين سماح جرادات وشذى حسن، التي أبقى على اعتقال شقيقها محمد حسن الطالب في بيرزيت أيضا، واتّهمت الفتاتان كذلك بالنشاط في الحركة الطلابية.
تقول جرادات التي قضت حكما بالسجن لتسعة شهور، إنها تعرضت لتحقيقٍ قاسٍ استمر ثلاثة أسابيع وعانت خلاله من الشبح على كرسي لأيام، كما مُنعت من النوم واستخدام الحمام ومن لقاء محاميها.
استهداف الجامعة وطلبتها
وتُعد الطالبات المعتقلات جزءا من حملة إسرائيلية واسعة على طلبة جامعة بيرزيت طالت منذ سبتمبر/أيلول الماضي عشرات الطلبة إلى جانب أساتذة وإداريين.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، واجهت جامعة بيرزيت تحريضا من الجيش الإسرائيلي بعد حملات اعتقال مكثفة لطلبتها. ونشر جيش الاحتلال فيديو لأنشطة طلابية مؤيدة للمقاومة الفلسطينية في حرمها، واتهم الجامعة بإتاحة تنظيم "أنشطة إرهابية".
وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي استدعت المخابرات الإسرائيلية العشرات من طلبة بيرزيت للتحقيق، ورفض غالبيتهم الاستجابة لذلك.
70 معتقلا في شهور
حسب "حملة الحق في التعليم" الناشطة في جامعة بيرزيت، فقد تعرض أكثر من 70 طالبا للاعتقال منذ يوليو/تموز 2019 وحتى مطلع الشهر الجاري إلى جانب أستاذة الإعلام فيها وداد البرغوثي.
ولا يزال 30 طالبا قيد المحاكمة، في حين حوّل الاحتلال ستة طلبة للاعتقال الإداري المتجدد (اعتقال من دون تهمة).
تقول جامعة بيرزيت إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل "عدوانها الممنهج الواسع النطاق الذي يستهدف ويعرقل عملها ويحرم طلبتها من حقهم في التعليم والحرية الأكاديمية".
ورغم تعليق الدوام والأنشطة الطلابية منذ بدء جائحة كورونا في الضفة الغربية في مارس/آذار الماضي، فقد اعتقل الاحتلال 21 من طلاب بيرزيت وكذلك عضو هيئة إدارية وباحثا مساعدا فيها من منزله.
وحسب الجامعة، فقد أٌبلِغت من مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان عن تزايد عدد حالات التعذيب البدني الشديد أثناء التحقيق مع الطلبة، وافتقد هؤلاء مع كافة الأسرى المستلزمات والإجراءات الوقائية اللازمة لتفادي الإصابة بفيروس كورونا.