لماذا يستنسخ السيسي تجارب "الصحوات" و"المواطنين الشرفاء" في ليبيا؟

blogs بن زايد و حفتر و السيسي
هزائم حفتر أقلقت حلفاءه الإقليميين وعلى رأسهم مصر والإمارات (رويترز)

مستحضرا استنساخ الجيش المصري لتجربة "الصحوات" شمالي سيناء، أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي استعداد بلاده لتدريب وتسليح القبائل الليبية من أنصار اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وظهر مصطلح الصحوات في مصر مع اشتداد المعارك شمالي سيناء، حيث جنّدت السلطة عددا من شباب القبائل الموالية للجيش، وقامت بتسليحهم وتزويدهم بملابس عسكرية، بهدف محاربة مسلحي "ولاية سيناء" (فرع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر)، وذلك في استنساخ لتجربة "صحوات العراق" التي أنشأها الاحتلال الأميركي.

دعوة السيسي لتسليح القبائل الليبية جاءت أثناء تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية المحاذية للحدود الليبية، في 20 يونيو/حزيران الماضي، وفي الكلمة نفسها استدعى السيسي أيضا مصطلح "التفويض" القبلي للتدخل في ليبيا، مثل واقعة التفويض الشهيرة في مصر عقب انقلابه العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وما تلاها من مجازر ضد المعارضين، حيث طلب السيسي من المصريين الخروج في مظاهرات لتفويضه بمحاربة ما سماه "العنف والإرهاب المحتمل".

يتزامن استدعاء السيسي إحياء الصحوات والتفويض في ليبيا، مع مرور نحو 7 سنوات على تحالف الجيش المصري مع قبائل مناصرة له، والذي عاد بنتائج سلبية على مدن وقرى شمالي سيناء وأهلها، حيث تعرضوا للتهجير والقتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري لمئات منهم، حسب ما وثقته تقارير حقوقية محلية ودولية.

كما يجدد الحديث عما وقع في مصر عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 من أحداث ظهر فيها ما يعرف محليا بظاهرة "المواطنين الشرفاء" أو "البلطجية"، حيث تبين أنهم كانوا أداة تم تحريكها قبيل انقلاب يوليو/تموز 2013، وفي السنوات اللاحقة، خاصة ضد المظاهرات المناوئة للسلطة، وفق تقارير صحفية.

وفي حديثين منفصلين للجزيرة نت، اعتبر خبيران سياسيان أن استدعاء السيسي تجربة الصحوات و"التفويض القبلي" للتدخل العسكري في ليبيا، يتناقض مع فكرة الدولة المركزية التي طالما تغنى بها الرئيس المصري ونظامه، وتأتي في إطار مقاومة النموذج الديمقراطي، حتى لو على حساب تقسيم الشعب الليبي.

وأشار الخبيران إلى أن السيسي فشل في تطبيق بديهيات التجربة في سيناء، حيث جرى استخدام القبائل ضد بعضها البعض، إضافة إلى تغييب التنمية، ضمن أسلوب أقرب للسياسات الاستعمارية أكثر من كونه مكافحة للتمرد.

سياسة استعمارية
الباحث والمتخصص في شؤون الجماعات المسلحة حسن أبو هنية اعتبر أن نموذج الصحوات لا يناقض الدولة المركزية من حيث المبدأ إذا كان ضمن إستراتيجية مكافحة التمرد، غير أنه اعتبر أن السيسي فشل في تطبيق بديهيات التجربة في سيناء.

وأوضح أن إحياء الصحوات مبني على شقين: أحدهما عسكري، والآخر يقوم على كسب القلوب والعقول، وتترافق معها عمليات تنمية بشكل متكامل في مناطق التمرد، إضافة إلى أن نجاحها مرهون بعمل استخباراتي كبير، وأن تكون مساندة للجيوش خلال الحروب الهجينة، أو حروب العصابات، وليست الكلاسيكية.

وقال أبو هنية إن الجيش المصري في سيناء سعى إلى استخدام مجموعات قبلية ضد أخرى، وبالتالي كان هناك استخدام بالغ السوء للعمل الاستخباري، حيث تكون عادة تلك العمليات انتقامية غير دقيقة.

بعض أفراد ما يعرف بفرقة الموت 103 التي تم تشكيلها بإيعاز من الجيش المصري بشمال سيناء
بعض أفراد ما تعرف بفرقة الموت 103 التي شُكلت بإيعاز من الجيش المصري شمال سيناء (الجزيرة)

وأشار إلى أن "جميع التقارير الاستخبارية ومراكز الدراسات العالمية تشير دائما إلى فشل تكتيكات الجيش المصري في كل عملياته في سيناء، حيث هناك أقل من 700 مقاتل، ويبدو الجيش عاجزا أمامهم، بسبب أساليبه التقليدية والبدائية في تطبيق سياسة الأرض المحروقة.

وعن استحضار السيسي تجربة تسليح القبائل في ليبيا، تساءل أبو هنية: "أين السيسي من القدرة الاستخبارية في مساحات شاسعة، مقارنة بسيناء ذات المنطقة المحدودة والمحاصرة تماما".

وأضاف أن تكتيكات السيسي بشأن قبائل ليبيا المناصرة لحفتر "لا تمتلك -بمفهوم حرب العصابات- الحاضنة الكبيرة"، مشيرا إلى "انهيار كل الجيوش في ليبيا بمجرد دخول مجموعة من الخبراء الأتراك، وطائرات الدرونز التركية".


مقاومة النموذج الديمقراطي
بدوره، اعتبر الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي دعوة السيسي بشأن إحياء الصحوات في ليبيا، وحديثه عن تفويض قبلي للتدخل لصالح حفتر؛ أنها تأتي في سياق تصريحاته المتناقضة عن ثوابت الأمن القومي.

وأشار الزواوي إلى تصريحات سابقة للسيسي، تحدث فيها عن عدم وقوف الجيش مع فصيل ضد آخر، وعدم استخدام القوة مع أهالي سيناء لعدم خلق عدو، وعدم استدعاء الجيش في الصراع السياسي، ونصْحه المواطنين بالوقوف أمام صناديق الانتخابات بدل نزول الجيش للشوارع باعتباره أداة قتل.

وشدد الباحث المصري على أن السيسي "في ظل أطماعه الشخصية الواضحة بالانفراد بالسلطة، ضرب بكل تلك الثوابت عرض الحائط، وتبنى عكسها تماما"، مضيفا "ومن ثم إذا كانت مقاومة النموذج الديمقراطي في ليبيا تتطلب منه العمل على تقسيم الشعب الليبي ووقوف بعضه ضد بعض، فإنه لن يتوانى عن ذلك".

وأكد أن نموذجا ديمقراطيا ناجحا في ليبيا سيمثل خطرا كبيرا على النموذج العسكري الديكتاتوري الذي يتبناه السيسي، موضحا أن ليبيا دولة كبيرة المساحة قليلة السكان غنية بموارد الطاقة، وليست بها مشكلات عرقية ولا مذهبية ولا دينية، ومن ثم، فإن استدعاء الصراع القبلي هو السبيل الوحيد لتفرقة الشعب، وإفساد جهود إنشاء نموذج ديمقراطي في الجوار المصري.

وتابع أن "مجيء رئيس ديمقراطي -لا سيما إذا كان بتوجه إسلامي- سيمثل انتصارا لمحور الثورات في المنطقة، ومن ثم سيمثل إضافة للمحور المناوئ للسلطوية في العالم العربي.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، خضع الغرب الليبي بأكمله لحكومة الوفاق الوطني (المعترف بها دوليا)، التي انفتحت شهيتها للسيطرة على الشرق، بعد خسائر متلاحقة وانتكاسات عسكرية مُنيت بها قوات حفتر، الذي كان قد بدأ هجوما على العاصمة طرابلس منذ أبريل/نيسان 2019، لكنه فشل في السيطرة عليها.

وأقلقت هزائم حفتر حلفاءه الإقليميين، وعلى رأسهم مصر، حيث حذَّر السيسي -المدفوع من الإمارات لوقف هزائم الجنرال المتقاعد- من أن بلاده "قد تتدخل عسكريًا في ليبيا" إذا تقدمت القوات الحكومية المدعومة من تركيا نحو مدينة سرت، ذات الأهمية الإستراتيجية.

المصدر : الجزيرة