أثيوبيا تتحدى.. والسيسي يهرب من سد النهضة إلى حرب "هوليودية" في ليبيا

سد النهضة الإثيوبي في مراحله الأخيرة استعدادا لبدء تخزين المياه في يوليو/تموز المقبل

في عام 1997 أنتجت السينما الأميركية فيلم "ذيل الكلب"، الذي يصور محاولة رئيس أميركي الهروب من أزماته الداخلية وفضائحه الجنسية، عبر إشعال حرب وهمية، استعان خلالها بمنتج هوليودي ومدير علاقات عامة.

الفيلم الذي قام ببطولته روبرت دي نيرو وداستن هوفمان، يعتبره البعض نموذجا لما يعرف في السياسة بالهروب إلى الحرب، التي تكون في الغالب حربا حقيقية وليست هوليودية (نسبة إلى هوليود مدينة صناعة السينما في الولايات المتحدة)، ويستخدمها السياسيون للهروب من أزماتهم الداخلية، وإسكات المعارضة والأصوات الناقدة، وتوحيد الشعب تحت راية وطنية ومشاعر فياضة.

سياسة الهروب إلى الحرب بالطريقة الهوليودية ربما تكون أقرب مثال لما يحدث في مصر حاليا، حيث تتسابق اللجان الإلكترونية الداعمة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي للترويج لاستعدادات مصر للحرب في ليبيا، وذلك رغم تصاعد الخطر على شريان الحياة المصري المتمثل في نهر النيل، حيث أعلنت إثيوبيا التحدي وبدء ملء سد النهضة، وسط تساؤلات النشطاء عن أيهما أخطر على مستقبل مصر وأمنها القومي، وأولى بالتدخل العسكري.

إثيوبيا تتحدى
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد أكد اليوم أن قرار تعبئة سد النهضة لا رجعة فيه، وأن أديس أبابا لا تسعى لإلحاق الأذى بالآخرين، مشيرا إلى أن بلاده تقيم السد من أجل نمو إثيوبيا.

وخلال الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية لمجلس النواب الإثيوبي، أوضح أحمد أن مشروع سد النهضة يتقدم وفق الجدول المحدد له، حسب ما نقلته صحف مصرية.

ورفض أحمد تحمل مسؤولية تأخر دخول السد حيز التشغيل، مؤكدا أن بلاده خسرت ستة مليارات دولار، بمعدل مليار كل عام، نتيجة التراخي في تنفيذ المشروع.

كما كشف ديميك ميكونين نائب رئيس الوزراء عن أن بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير يجري على قدم وساق، في محاولة لبدء ملء بحيرته بالمياه في الإطار الزمني المحدد.

وخلال زيارته موقع السد، أكد نائب رئيس الوزراء أن البناء يمضي بشكل جيد، ووصل إلى مرحلة متقدمة، وذلك بدعم شعبي قوي ورقابة حكومية وثيقة، مضيفا "نحن الآن على وشك أن نشهد المرحلة الأولى من الأخبار السارة للمشروع".

وفي وقت سابق، نشر وزير الري الإثيوبي صورة حديثة لسد النهضة، تظهر التقدم في إنشاءات السد، استعدادا لبدء ملء الخزان مع موسم الفيضان القادم.

السيسي منشغل بليبيا
وفي مقابل تصاعد لهجة التحدي الإثيوبي؛ غلب الصمت على الموقف الرسمي المصري وتبعته وسائل الإعلام، رغم دعوات وزيرة الخارجية السودانية لضرورة تبني مصر والسودان "موقفا قويا" إزاء المرحلة الأولى من ملء خزان سد النهضة.

وقالت الوزيرة السودانية أسماء محمد عبد الله إن "إثيوبيا إذا واجهت موقفا قويا من بلادي ومصر، بألا يتم ملء سد النهضة قبل الوصول إلى اتفاق؛ ستفكر في الأمر مرتين". مشيرة إلى أن مفاوضات سد النهضة أنجزت أكثر من 90% من ملفاتها.

تصريحات الوزيرة السودانية خرجت السبت الماضي، لكنها لم تجد آذانا مصغية في القاهرة، حيث كان الرئيس عبد الفتاح السيسي مشغولا وقتها بالأزمة الليبية، وذلك في اجتماع مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، لبحث سبل وقف هزائم قوات حفتر، مقابل الانتصارات المتتالية لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج.

انشغال السيسي بالأزمة الليبية أسفر عن "إعلان القاهرة" المطالب بوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات وإحياء العملية السياسية، وهو ما رفضته حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

من جهته، قال رئيس البرلمان المصري علي عبد العال إن مصر لن تسمح بتهديد حدودها، ولن تقف مكتوفة الأيدي للدفاع عن مصالحها ومصالح أشقائها من الشعب الليبي.

وخلال اجتماع البرلمان أمس الأحد، قال عبد العال إن "مصر دولة قوية بشعبها وجيشها، وهذا الجيش من أقوى الجيوش في العالم، ولديه عقيدة ثابتة بالدفاع عن الأراضي المصرية بعمقها الإستراتيجي، وإن أي تهديد سيكون الرد عليه قاسيا ورادعا ومؤلما".

ورغم عدم إعلان مصر رسميا المشاركة عسكريا لوقف تقدم قوات حكومة الوفاق؛ فإن أنصار النظام ولجانه الإلكترونية روجوا بكثافة لتصريحات عبد العال، وهو ما اعتبر استعدادات مصرية للتدخل العسكري، والتصدي لـ"الغزو التركي والجماعات الإرهابية"، حسب وصفهم.

وتداول أنصار النظام مقاطع مصورة لأرتال عسكرية تتحرك في ما يبدو على الطريق الساحلي الدولي غرب مصر، مع تأكيدات بأن مصر قد نفد صبرها، وأن على حكومة السراج وحليفتها تركيا تحمل المسؤولية وانتظار الجيش المصري في طرابلس.

ودشن نشطاء وسما بعنوان "الجيش المصري" تداولوا خلاله تصريحات عبد العال ومقاطع الأرتال العسكرية، وشارك بعضهم صورا لتدريبات القوات المصرية، في حين فضل آخرون استغلال الوسم في مهاجمة تركيا وحكومة الوفاق وجماعة الإخوان.

لكن الملفت أن أغلب من شاركوا في تغريدات هذا الوسم كانوا من الإمارات والسعودية، مقابل وجود أقل للمصريين في الوسم الذي يروج لتدخل عسكري مصري في ليبيا.

لكن صفحات متخصصة في الشؤون العسكرية، أوضحت أن صور الأرتال العسكرية قديمة، وتعود للمناورة العسكرية "قادر 2020″، التي قام بها الجيش المصري في المنطقة الغربية أوائل العام الجاري، حيث توجد عدة قواعد عسكرية، على رأسها قاعدة محمد نجيب، التي شهدت توسعة وتطويرا، وافتتحها السيسي قبل عامين.

كما دعا المذيع المقرب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى إلى "عدم ترديد الإشاعات وتداول مقاطع مصورة"، مؤكدا أن الجيش المصري قادر في كل وقت، وأن مصر تعمل ولا تتحدث كثيرا.

أين سد النهضة؟
ترويج التدخل العسكري في ليبيا الذي كثفته اللجان الإلكترونية لنظام السيسي، قابلته سخرية وتساؤلات من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حول حقيقة هذا التدخل، ولماذا تنشغل مصر بأخطار متوهمة، في حين تصمت عن الخطر الحقيقي الذي يطرق أبوابها عبر سد النهضة.

وقال مغردون إذا كان لا بد من استخدام القوة العسكرية لحل أزمات مصر الراهنة، فيجب أن تكون أزمة سد النهضة في سلم أولويات الخيار العسكري.

وحذر آخرون من الانسياق وراء رغبات دولة الإمارات في حرب بالوكالة، يتورط خلالها الجيش المصري كما تورط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الحرب الأهلية اليمنية في ستينيات القرن الماضي.