رغم تصاعد منحنى إصابات كورونا.. خطط لإعادة فتح الاقتصاد في البرازيل

د. صالح: فتح الاقتصاد مع الكثافة السكانية العالية يجعل الوباء ينتشر أقوى من أي وقت مضى (الجزيرة نت)

على الرغم من كافة المعطيات والتصاعد الحاد في منحنى الإصابات والوفيات اليومي في البرازيل، وفي ظل عدم الوضوح حول ذروة الوباء والإجماع على عدم تخطيها بعد، أعلنت عدد من الولايات بدء تنفيذ خطط لإعادة فتح الاقتصاد وتخفيف القيود على عدة مراحل.

فقد تجاوز نصف المليون العدد المعلن للمصابين بفيروس كورونا المستجد في بلد يُعتبر أكبر دول أميركا اللاتينية، لتصبح الدولة الثانية في العالم من حيث الإصابات كما تخطى عدد الوفيات 30 ألفا على الأقل، حسب إحصاءات وزارة الصحة التي تشير إلى وجود أكثر من 4000 وفاة إضافية يتم التحقق من إصابتها بالفيروس أيضا.

طابور أمام أحد البنوك (الجزيرة نت)

 

تشكيك بالأعداد وتخوف من الأسوأ
وأدى عدم إجراء عدد كاف من الفحوصات، واكتفاء المراكز الصحية الحكومية بإجراء الفحص لمن يصنف الطبيب المختص حالته بأنها صعبة للغاية وارتفاع تكلفتها في المراكز الخاصة، إلى تشكيك بشدة من الأخصائيين المتابعين لواقع انتشار الفيروس، في الأعداد المعلنة، والتحذير من احتمال وجود أضعاف العدد الرسمي.

وقال "دومينغو ألفيش" عضو هيئة "كوفيد-19" المشكلة من عدد من أساتذة كليات الطب بالجامعات وعلماء الأوبئة، وهو المشرف على مختبر العلوم في كلية الصحة بجامعة ساوباولو، في ملخص لدراسة أعدتها الهيئة، إنه من الممكن أن يكون عدد الإصابات 14 ضعفا للعدد المعلن حاليا، وإن العدد الحقيقي يجعل الموقف أخطر من الموجود الآن، مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات الإغلاق الكامل لتلافي ملء أسرّة المستشفيات الدائمة أو الميدانية.

وبينما البعض يرى أن هذه التوقعات مبالغ فيها، يؤكد د. أحمد يوسف صالح استشاري جراحة القلب، وأحد أبرز الأطباء العرب في مكافحة فيروس كورونا بالبرازيل، في مقابلة مع الجزيرة نت، أن عدد الوفيات والإصابات بالفيروس بالتأكيد أكبر بكثير من المعلن، وأن أعدادا كثيرة من المصابين لا يتم تسجيلهم في سجلات الوزارة لأسباب كثيرة، بالإضافة لصعوبة الفحوصات، حيث لم يجر فحص العامة حتى اللحظة، وهو ما ينذر بالأسوأ.

المواطنون يعيشون في حيرة أمام التضارب في القرارات وعدم وضوح المعلومات (الجزيرة نت)

 

تخفيف الإجراءات وتصاعد المنحنى
ويحذر د. صالح من نتائج عدم الفحص العام مؤكدا أن على الجميع توقع ارتفاع الأعداد بشكل كبير الأيام القادمة سواء من حيث عدد الإصابات أو الوفيات، نتيجة لعدم التزام المواطنين بالإجراءات، والخلافات السياسية الكبيرة حول إدارة الوباء داخل مؤسسات الحكم، وفوق كل ذلك اتخاذ قرار بإعادة فتح الأعمال، مضيفا بأن عودة المواطنين للعمل والتحرك في الشوارع والتجمع، في ظل الكثافة السكانية العالية (أكثر من 200 مليون نسمة) ستجعل الوباء ينتشر أقوى من أي وقت.

المواطنون حائرون
ويعيش البرازيليون حاليا في حيرة من أمرهم بسبب الصراع السياسي بين الرئيس جايير بولسونارو الرافض منذ اليوم الأول لأي شكل من أشكال الإغلاق، والمشارك بشكل شبه يومي في تجمعات وحشود لمناصريه أو في زيارات للمناطق والمحال التجارية، وبين حكام الولايات الذين يتخذون قرارات مخالفة ومرتبكة بتشديد القيود لثلاثة شهور قبل البدء بتخفيفها الآن دون الاستناد إلى أي حقائق علمية، بالإضافة للوضع الاقتصادي الخانق والضاغط على البرازيليين.

الوضع الاقتصادي خانق وضاغط على البرازيليين (الجزيرة نت)

 

ففي جولة بشوارع ساوباولو يستطيع الناظر ملاحظة حركة كثيفة للمارة الذين يرتدون الأقنعة الواقية بعد فرضها من قبل الحكومة المحلية، إلا أنهم يقفون في طوابير أمام فروع البنوك والمحال المسموح بفتحها، مما يرفع من خطر انتشار العدوى، حيث لا تستطيع الكمامة وحدها منع العدوى كما يقول الخبراء.

جوليو سيزار أحد المنتظرين في طابور طويل على أبواب أحد فروع البنوك لاستلام المعونة الحكومية، قال للجزيرة نت "أقف هنا وأرتدي الكمامة، لكني أشعر بعدم الأمان الصحي والنفسي، نحن حائرون حقا، لا نعلم إن كان علينا الخروج من المنزل واستكمال حياتنا، أو البقاء فيه رغم كل الصعوبات الاقتصادية، حين أخرج أخاف أن أعود بالفيروس إلى أولادي وأسرتي، وفي الوقت الذي نراقب فيه الأعداد الهائلة للإصابات نرى أن الحكومة المحلية ستعيد فتح المحال التجارية، لم نعد نفهم شيئا".

شعور بعدم الأمان
صورة أخرى من صور التيه تعكسها للجزيرة نت ماريليني رودريغيز صاحبة أحد الأكشاك المسموح لها بالعمل "لا يوجد ما هو واضح لدينا حول واقع انتشار كورونا، البعض يقول إن الأرقام المنشورة أكبر من الحقيقة، وأن هناك تضخيما للإصابات والوفيات. استمعت لقصص هنا لأشخاص أصيبوا بأمراض أخرى وتم تسجيلهم كمرضى بكوفيد، بينما استمعت أيضا لقصص أشخاص أثبتت فحوصاتهم الإصابة بالفيروس لكنهم لم يُسجلوا بشكل رسمي. إحدى معارفي أجبرها مديرها للعودة إلى العمل رغم علمه بإصابتها، وهي لا تعلم إن كانت قد نقلت العدوى أم لا، لأن هناك من يعتبر الأمر خدعة فقط، ونستمع كل يوم لخطابات متناقضة من حكامنا، لمن نستمع وماذا نصدق؟ أصبحنا نعيش بلا أمان فعلا".

ويزيد من صعوبة الموقف انشغال الطبقة الحاكمة بمختلف فئاتها بخلافات سياسية واتهامات متبادلة بالفساد، وعدم تعيين وزير جديد للصحة، في وقت يسيّر أمور الوزارة جنرال عسكري بصفة وزير مؤقت، كان أول قراراته السماح باستخدام عقار هيدروكسي كلوروكين الذي يطالب به الرئيس لعلاج مرضى الفيروس بكل مستويات الإصابة، على الرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية من خطر استخدامه وإزالته من قائمة العلاجات المقترحة ووقف التجارب السريرية المتعلقة به.