أعادتهم إلى عصر المقايضة.. قسوة الأزمة المعيشية تطحن اللبنانيين
لا يفارق القلق بال اللبناني خضر حيدر الرجل الخمسيني العامل في منجرة للأخشاب في منطقة خلدة جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت، فلقد تراجع دخل خضر الشهري أكثر من النصف تقريبا بسبب تأثر مؤسسته سلبا بالأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد.
وترافق تراجع الدخل الشهري مع ارتفاع كبير بأسعار السلع نتيجة تدني قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، ويؤكد خضر -وهو أب لـ4 أولاد- للجزيرة نت أن مشترياته باتت تقتصر منذ أشهر على بعض الحاجيات الضرورية فقط كالغذاء والدواء، مشيرا إلى أنه بدأ بيع أو مقايضة بعض أثاث منزله ومقتنيات خاصة أخرى بهدف توفير الطعام لعائلته.
ولم يكن أكثر المتشائمين بتردي الأوضاع الاقتصادية يتوقعون انحدار الواقع المعيشي للبنانيين بهذه السرعة، وقد أذهلت الكثيرين الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لمواطنين يعرضون ملابسهم وألعاب أطفالهم ومقتنيات بسيطة أخرى للمقايضة بحليب الأطفال والخبز وغيرها من الضروريات، هذا في وقت وزع البعض صورا لثلاجات منازلهم فارغة من المأكولات.
العالم بلّشت تبيع عراض بيتها.
فوتو عغروب فايسبوك اسمه لبنان يقايض و شوفوا المصايب.
السياسيين بيعرفوا عن هيدي الأزمة من ٤ سنين. الخبراء حكيوا عنها بالجرايد، بس كان آخر همهم. انتو آخر همهم.
بعرف كتار ما زالوا بدافعوا عن زعيمهم، بحب قلكم انتو جزء من المشكلة و سبب تعجرف الزعماء pic.twitter.com/BsAFImuq0G— Alien 👽فضائي (@The_Engineer961) June 27, 2020
وفي هذا السياق، تقول ماغي عون -التي أسست جمعية "كلنا لبعض"- إن عمق معاناة المواطنين المعيشية أصبح أكبر من التحمل، مشيرة إلى أن "هناك عائلات بأكملها أضحت من دون عمل، فيما بات البعض ينامون بالسيارات بعد فقدانهم القدرة على تسديد إيجارات منازلهم".
وتضيف عون للجزيرة نت أن حاجة الناس الأساسية اليوم ترتكز على الغذاء، وأنها تتلقى طلبات يومية لمقايضة بعض الأصناف بحصص غذائية، كالحبوب والأجبان وغيرها، مؤكدة أن "قدرة الجمعيات الإنسانية والخيرية تراجعت بفعل الظروف".
بدوره، يصف رئيس جمعية آفاق الخير يوسف عيتاني المرحلة التي نشهدها حاليا بالأصعب، وأن هناك مواطنين يتقدمون للمرة الأولى بطلبات للحصول على مساعدات، لافتا إلى أن معظم المتبرعين توقفوا عن المساهمة بسبب الأوضاع الراهنة.
ويشير عيتاني في حديثه للجزيرة نت إلى أن "طلبات الحصول على مساعدات تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، والمساعدات كانت توزع سابقا على العاطلين عن العمل وذوي الإعاقة، فيما توسعت اليوم لتشمل حتى الموظفين، بعد تأكل القيمة الشرائية للرواتب".
غياب المعالجات
لم تنفع كل القرارات التي اتخذتها السلطات السياسية والمالية في تخفيف معاناة اللبنانيين، لا بل يجمع الخبراء على أن الأمور تتجه نحو الأسوأ.
ويقول المستشار بشؤون التنمية أديب نعمة إن الوضع الاجتماعي أصبح صعبا للغاية، معتبرا أن تركيز المسؤولين والخبراء والمصرفيين ينصب على الوضع المالي أكثر منه على الواقع المعيشي والاجتماعي.
وقال نعمة للجزيرة نت إن ما يطرحه المسؤولون هو تكليف من البنك الدولي، والذي يقضي بتوسيع رقعة المساعدة الاجتماعية للأسر الأكثر فقرا، مضيفا أن "خطورة ظاهرة مقايضة بعض السلع بمواد غذائية وأساسية هي الاعتياد على الأزمة والتكيف معها".
ويرى أن صور المقايضة تظهر فقدان الكثير من الأسر كامل مواردها واحتياطاتها، مشيرا إلى أن "هذه الفئة تتوسع بشكل كبير، فحوالي 55% من القوى العاملة في لبنان غير محمية، والفقر بات يطال نصف الشعب اللبناني على الأقل".
وبشأن قيام السلطات الاقتصادية بدعم بعض الأصناف الغذائية والأساسية لخفض أسعارها، يقول نعمة "إن هذه الخطوة لا يمكن أن تستمر طويلا كون الدولة لا تملك المال الكافي للاستيراد، وهذا الإجراء هو جزء من عملية تضليل، كما أنه يسهم بدعم كبار التجار أكثر من دعم المواطنين المحتاجين".
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يظهر واضحا ارتفاع عدد اللبنانيين المحتاجين إلى شتى أنواع المساعدة، هذا في وقت يرى خبراء أن المعالجات الحكومية لا تزال قاصرة عن مواكبة المشكلات.