طيارون برخص مزيفة.. عرض باكستاني لفيلم هندي

A Pakistan International Airlines (PIA) passenger plane arrives at the Benazir International airport in Islamabad, Pakistan
فضيحة الطيارين الباكستانيين تعد ضربة قوية لصناعة الطيران في باكستان (رويترز)

 

تفوقت باكستان على الهند في عدد الطيارين المدنيين الذين يقودون طائرات ركاب برخص طيران مزيفة. هذا الأمر الذي بدا حالات فردية شاذة في دول مثل جنوب أفريقيا والسويد، أخذ شكل "ظاهرة" في الهند تفجرت قبل 9 سنوات، لتتكرر هذه الأيام وبصورة أوسع في باكستان التي أعلنت -أمس الجمعة- فصل 262 طيارا تشتبه في أن شهاداتهم مزورة، من بين 860 طيارا مدنيا باكستانيا عاملا.

والمتبع عالميا السماح للأشخاص بقيادة طائرات تجارية فقط بعد إتمام 200 ساعة من الطيران في التدريب، يحصل بعدها المتدرب على رخصة طيار تجاري من هيئة الطيران؛ لكن الطيارين المزيفين لم يتحقق فيهم هذا الشرط، ولم يطيروا عدد الساعات المطلوب، وحصلوا على شهادات مزورة من إحدى مدارس الطيران في ولاية راجستان شمالي الهند.

زيادة مضطردة

وترتبط "ظاهرة" الطيارين من حاملي الرخص المزورة بالنمو السريع في قطاع الطيران في كل من الهند وباكستان خلال العقدين الماضيين، مما أدى إلى زيادة الطلب على الطيارين، وهو ما رافقه تعدد مدارس الطيران التي تجاوزت 40 مدرسة في الهند مقابل 6 مدارس أو نوادي طيران في باكستان، هذا إلى جانب معاهد طيران خارجية أجنبية يقصدها الراغبون  في الحصول على رخص للطيران.

هذه الزيادة المضطردة صاحبتها مشاكل عدة، تتعلق بالمخالفات التي ترتبط بالتراخيص وحتى مدارس الطيران نفسها. ففي مارس/آذار 2011 ألغت الهند تراخيص 14 طيارا اتهمتهم الشرطة بتزوير وثائق الطيران الخاصة بهم، وذلك في إطار حملة فحص دقيقة لرخص طياري شركات الخطوط الجوية في البلاد، بعد أن تبين أن بعض الطيارين حصلوا عليها من خلال وثائق مزيفة، ومن ثم اتسعت حملة التدقيق لتشمل  نحو 4 آلاف رخصة طيار أصدرت عام 2010.

الإجراء الهندي قبل 9 سنوات جاء عقب تحطم  طائرة أثناء الهبوط، كما أن الإجراء الباكستاني هذه الأيام يأتي أيضا على خلفية التقرير الصادر بشأن كارثة طائرة الركاب الباكستانية التي سقطت في كراتشي في 22 مايو/أيار مما أودى بحياة 97 شخصا، وجاء في تقرير الكارثة أن الطيارَين كانا منشغلين بالحديث عن جائحة فيروس كورونا أثناء استعدادهما لمحاولة هبوط أولية فاشلة.

Pakistan: Passenger plane with 107 onboard crashes
التحقيقات الباكستانية في تراخيص الطيران المزيفة تأتي بعد كارثة الطائرة المدنية التي سقطت في كراتشي (الأناضول)

أرقام صادمة

وقال وزير الطيران الباكستاني غلام ساروار خان -أمس الجمعة- "إن التحقيقات بشأن 28 طيارا يحلقون بتراخيص مزورة انتهت، واعترف 9 منهم بأن لديهم أوراق اعتماد وهمية. وفي جميع الحالات، تم الانتهاء من الإجراءات الشكلية، بما في ذلك إصدار إشعارات وسبب العرض وأوراق الاتهام، وعقد جلسات استماع شخصية بطريقة شفافة، وستنهى تصاريح الطيران الخاصة بهم بعد الحصول على موافقة من مجلس الوزراء الاتحادي في الاجتماع المقبل، ويتم استشارة خبراء قانونيين لبدء إجراءات جنائية ضد الطيارين أصحاب الرخص الوهمية".

وبحسب تصريحات الوزير، بلغ عدد الطيارين قيد البحث 262 طيارا، منهم 141 في الخطوط الجوية الباكستانية (بي آي أي)، والباقي في شركات خاصة منهم 9 في شركة "إيربلو"، و10 في شركة "سيرين إير"، و17 في شركة "شاهين"، مضيفا أن من بين الطيارين المشبوهين الذين يحملون رخصا مزيفة، كان هناك نحو 121 يحملون شهادة واحدة زائفة، و39 يحملون شهادتين مزيفتين، و21 يحملون 3 شهادات زائفة، و15 يحملون 4 شهادات زائفة، و11 يحملون 5 أوراق زائفة، و11 يحملون 6 أوراق زائفة، و10 يحملون 7 ورقات وهمية، و34 جميع أوراقهم (8) وهمية.

التدريب

ويتمتع الطيارون العسكريون الباكستانيون بسمعة طيبة، فالجيش الباكستاني الذي يأتي ترتيبه 23 بين جيوش العالم، لديه أفضل طيارين حربيين في العالم. ويعد الطيار المقاتل محمد محمود عالم أحد أشهر الطيارين الباكستانيين، إذ أسقط 5 طائرات في طلعة جوية واحدة في اليوم الأول من الحرب الباكستانية الهندية عام 1965، وهو رقم قياسي حتى اليوم، ولذلك لقب عالم بـ"التنين الصغير"، وأطلق اسمه على 5 شوارع رئيسية في باكستان.

وانطلاقا من تلك السمعة، يأتي الإقبال على العمل في مجال الطيران بشقيه العسكري والمدني. لما يتمتع به الطيارون من مزايا، ومن ثم تعددت نوادي تدريب الطيران الرسمية في باكستان: نادي مطار بيشاور، ونادي مطار إسلام آباد، ونادي مطار لاهور، ونادي مطار ملتان، ونادي مطار كراتشي، ونادي مطار مدينة كويتا؛ هذه النوادي رسمية ومسجلة لدى الحكومة الباكستانية ويدرب فيها طيارون سابقون في سلاح الجو الباكستاني وطيارون مدنيون من هيئة الطيران المدني الباكستانية.

وإلى جانب خريجي هذه المدارس، هناك طيارون تدربوا في نوادي طيران تجاري في الخارج، لا تعرف الحكومة الباكستانية عنها الكثير، وحين يراد تصديق الشهادة الصادرة من الجهات الأجنبية ترسل هيئة التعليم العالي للنادي الذي أصدر شهادة التدريب التجاري للطيار للاستفسار عنه وعن الشهادة، وأحيانا يكون هناك اتفاق بين النادي والطلبة الذين درسوا عنده بأن يرد إيجابا على هيئة التعليم العالي للمصادقة على الشهادات، لحماية نفسه من القول إن النادي غير معتمد أو غير ذلك.

المرحلة الأولى لتدريب الطيارين هي اجتياز 200 ساعة من التدريب على الطيارات الصغيرة، وتسمى "سيسنا"، وهو ما يؤهله لأن يصبح مساعد طيار لطائرة صغيرة. وبعد سنوات من العمل وإجراء اختبار له يمكن أن يصبح طيارا لطائرة ركاب تجارية صغيرة، وهذه المرحلة قد يتم التلاعب بها مقابل رشوة المدربين ليشهدوا للطيار الجديد بأنه اجتاز امتحان الكفاءة.

ويشير أحد المعنيين في مجال الطيران بباكستان إلى أن رواتب الطيارين حين يعينون "تكون عالية، وله امتيازات في السفر والإقامة في الخارج. كما أن بعضهم يعمل أيضا في تهريب الخمور وغيرها إلى باكستان في كل رحلة يعود بها. وهذا يدفع كبار الطيارين والمشرفين على التدريب -أحيانا- إلى طلب الرشوة ومبلغ كبير من الطيارين الجديد ليتمكنوا من الوصول إلى رتبة مساعد طيار في الطائرات الكبيرة، وبعدها من مساعد طيار إلى طيار له حق قيادة الطائرة مباشر".

فتش عن الفساد

وزير الطيران غلام ساروار خان أرجع الظاهرة الخطيرة التي تهدد صناعة الطيران ومستقبلها في البلاد إلى فساد الحكومات السابقة، قائلا "كل هذه القمامة من الحكومات السابقة، بدءا من عام 2010 إلى حكومة تصريف الأعمال عام 2018، حين حصل الطيارون أصحاب التراخيص المزيفة على رخصهم"، مشددا على أن حكومة "تحريك إنصاف" التي يترأسها عمران خان "لم تقم بتعيين أي موظف، لا في الخطوط الجوية الباكستانية الدولية (بي آي أي) ولا في قسم الطيران".

فضيحة التراخيص المزيفة تعد ضربة قوية للناقل الوطني الباكستاني المأزوم بالفعل، كما لها تداعيات سلبية على البلاد التي تعاني أزمات اقتصادية معقدة. لذا يقول وزير الطيران الباكستاني "لإنقاذ حياة المريض، كان عليه أن يخضع لعملية جراحية كبيرة، ولذلك بدأنا عملية إصلاح في الخطوط الجوية الباكستانية  لتجاوز الأزمات وإصلاح الأخطاء التي ورثناها من الحكومات السابقة".

المصدر : الجزيرة