زيارة سعيّد لفرنسا.. غاب "الاعتذار" وحضرت "الشرعية الليبية المؤقتة"

French President Emmanuel Macron and Tunisian President Kais Saied arrive for a joint news conference after their meeting at the Elysee Palace in Paris
ماكرون (يمين) مستقبلا نظيره التونسي بالإليزيه (رويترز)

خلفت أول زيارة رسمية يؤديها الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى فرنسا سجالا سياسيا داخليا في علاقة بالملفات التي طرحها وصمت عنها سعيد مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي مقدمتها الأزمة الليبية ومستقبل العلاقات المشتركة، ومسألة "الاعتذار الفرنسي" عن حقبة الاستعمار.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك، تحدث الرئيسان بإسهاب عن "الصداقة الأزلية" التي تربط بين الشعبين، كما أشاد ماكرون بنجاح التجربة التونسية في مقاومة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) معلنا تقديم بلاده قرضا بقيمة 350 مليون يورو لدعم قطاعات تنموية في تونس.

وعلى خلاف توقعات البعض، غابت قضية "الاعتذار الفرنسي" عن المحادثات، بعد أن شغلت الرأي العام المحلي إثر سقوط مشروع لائحة برلمانية تقدمت بها كتلة "ائتلاف الكرامة" تطالب الدولة الفرنسية بالاعتذار عن الجرائم المرتكبة خلال حقبة الاستعمار.

ووصف النائب عن "ائتلاف الكرامة" عبد اللطيف العلوي صمت الرئيس عن قضية الاعتذار، أمام نظيره الفرنسي، بالأمر "المخزي والمخجل".

وفي حديثه للجزيرة نت، انتقد العلوي تصدير الرئيس خلافاته الشخصية مع البرلمان للخارج، حين خاطب ماكرون بالقول إن "مصير تونس وفرنسا مشترك ومن يريدون الرجوع إلى الوراء لن يفلحوا ولن يتقدموا" مشيرا إلى أن الهدف من الزيارة هو "الاعتذار عن لائحة الاعتذار".

وسبق أن طالب نواب في البرلمان الرئيس بتدارك ما وصفوه بـ "فضيحة" سقوط لائحة الاعتذار في البرلمان، والتي غلبت عليها الحسابات السياسية، حيث دعت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو الرئيس لإنقاذ الموقف التونسي وكرامة التونسيين خلال لقائه بممثلي الدولة الفرنسية.

وفي السياق، رأى الإعلامي والأكاديمي محمد الفهري شلبي أن الرئيس وجه صفعة للبرلمان حين تبرأ في خطابه ممن عرضوا لائحة الاعتذار الفرنسي.

وأشار شلبي -في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك- إلى أن سعيد فتح آفاقا أرحب بأفكار جديدة مع نظيره الفرنسي ليطوي بذلك صفحة الماضي القريب والبعيد.

شرعية مؤقتة
من جانب آخر، كان الملف الليبي الحاضر الأبرز خلال الندوة الصحفية المشتركة بين الرئيس التونسي والفرنسي، والتي حرص خلالها سعيد على الحديث بالعربية، مما أثار موجة إعجاب وتقدير بين الأوساط السياسية والشعبية في تونس.

ورأى مراقبون أن الرئيس الفرنسي الذي لم يتوان في مهاجمة التدخل التركي في ليبيا، فشل في انتزاع موقف مماثل من الرئيس التونسي، حيث شدد سعيّد في كلمته على ضرورة أن يكون الحل في ليبيا "ليبيّا ليبيّا" مجددا رفض تونس تقسيم البلد الجار.

واعتبر سعيد أن "السلطة القائمة في ليبيا تقوم على الشرعية الدولية" لكنه أردف بالمقابل بالقول إن "هذه الشرعية لا يمكن أن تستمر لأنها شرعية مؤقتة ويجب أن تحل محلها شرعية جديدة تنبع من إرادة الشعب الليبي".

وتطرق سعيّد إلى المبادرة التي قادها شخصيا بجمعه أكثر من 35 من زعماء القبائل الليبية في قصر قرطاج، ودعوته لهم لوضع دستور شبيه بالدستور الأفغاني يكون بمثابة "محطة انتقالية" يقررها الليبيون، بدون تدخل جهة خارجية.

حديث الرئيس عن الشرعية والمشروعية في ليبيا، اعتبره الناشط السياسي بشير النفزي نوعا من المراوغة التي حاول خلالها سعيّد أن رفع الحرج عن نفسه أمام نظيره الفرنسي، من خلال تجنب إعطاء موقف يتماهى مع الرئيس الفرنسي.

وأشار النفزي في تدوينة له إلى أن هذا الأسلوب الذي اعتمده سعيد لن يكون مجديا في اجتماع الجامعة العربية الذي سيعقد خلال الأيام القادمة لمناقشة المبادرة المصرية، حيث ستطالب تونس رسميا بتوضيح موقفها دون مراوغة أو حياد.

ويرى القيادي بالنهضة وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام أن سعيّد لم يوفق في توصيف شرعية حكومة الوفاق بالمؤقتة، مشددا في تصريح للجزيرة نت على أن موقف الرئيس لم يعبر بدقة عن الموقف الرسمي وعن مصالح تونس.

وأقر عبد السلام بموقف تونس الداعم للشرعية في ليبيا والتي تمثلها حكومة السراج "والتي جاءت نتيجة توافق سياسي وتمثل ليبيا في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومختلف المنظمات والمنابر الدولية".

وانتقد وزير الخارجية السابق المبادرة التي قدمها سعيّد لحل الأزمة الليبية، مشددا على أن المعطى القبلي ليس هو المحدد في الأزمة، وأن إسقاط التجربة الأفغانية على الليبيين لا يستقيم.

ودعا في المقابل إلى دعم الحكومة المركزية في طرابلس، مع الدعوة للتخلي عن الحل العسكري، وأن تبسط الحكومة الشرعية نفوذها على كامل التراب الليبي.

في المقابل، أثنى الوزير السابق حاتم العشي على خطاب سعيد خلال الندوة الصحفية المشتركة مع نظيره الفرنسي، بالقول في تدوينة له إن الرئيس "أبدع في طريقة الإجابة بلا سفسطة ولا شعبوية".

ولفت إلى أن وصف سعيّد حكومة الوفاق بالمؤقتة رسالة ضمنية على رفضه التدخل التركي في ليبيا، وأن موقفه يمثل الموقف العام لكل التونسيين، وفق تعبيره.

وفي سياق متصل، قال عدنان منصر رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي أن تونس أضاعت فرصة تاريخية لتمسك بزمام المبادرة في علاقة بالملف الليبي مع جيرانها في الجزائر والمغرب، منتقدا الحضور الباهت لتونس في عضوية مجلس الأمن.

وانتقد منصر غياب الرؤية الإستراتيجية والفهم الصحيح للقضية الليبية، في علاقة بالسياسة الخارجية التونسية، مشددا على أن بقاء تونس على الحياد أصبح أمرا غير مقبول.

يذكر أن لقاء جمع أمس بين وزير الدفاع عماد الحزقي وقائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) بحضور سفيري واشنطن في تونس وليبيا، أكد خلاله الحزقي على ثوابت الموقف التونسي القائم على دعم الشرعية بليبيا وعلى وجوب التسوية السياسية.

المصدر : الجزيرة