بذكرى تيران وصنافير.. سد النهضة يجدد السؤال عن تفريط السيسي بحقوق مصر

مقطع السيسي من نشرتكم
هل ورط السيسي مصر في اتفاقية سد النهضة، كما ورطها بالتصديق على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير؟ (الجزيرة)

مع تصاعد أزمة سد النهضة الإثيوبي وفشل المفاوضات، يتخوف مصريون من المخاطر المائية المحتملة، محمّلين رئيسهم عبد الفتاح السيسي المسؤولية، خاصة مع تأكيد أديس أبابا أن اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي أقر بحقها في بناء السد وملء الخزان.

وعقب الإعلان عن وفاة المسار التفاوضي بشأن سد النهضة؛ لجأت وزارة الخارجية المصرية إلى مجلس الأمن، وقال وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندارغاشيو إن تعبئة سد النهضة المقررة في يوليو/تموز المقبل تمثل مرحلة تم الاتفاق عليها بين مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015.

سد النهضة وما يحمله من مخاوف شعبية يجدد التساؤل عن تنازل السيسي عن المقدرات المصرية، كما حدث في قضية غاز شرق المتوسط التي تقول المعارضة المصرية ونشطاء إن السيسي فرط في حقوق مصر هناك، وتنازل لإسرائيل وقبرص عن حقول ضخمة للغاز الطبيعي، بينما تقول الحكومة المصرية إن ترسيم الحدود البحرية الشمالية أتاح لمصر الاستفادة من ثروات الطاقة هناك.

وبرأي العديد من المصريين فإن القضية الأكثر وضوحا بشأن تنازل السيسي عن مقدرات الشعب المصري، هي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية إثر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي تحل غدا الأربعاء الذكرى الثالثة لتصديق السيسي عليها، وبالتالي نقل السيادة على الجزيرتين إلى الرياض.

تيران وصنافير

ففي يوم السبت الموافق 24 يونيو/حزيران 2017 صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي أبرمتها القاهرة يوم 8 أبريل/نيسان 2016، ويجري بموجبها نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى الرياض.

تصديق السيسي جاء بعد موافقة البرلمان المصري على الاتفاقية في 14 يونيو/حزيران من العام نفسه، وذلك رغم الرفض الشعبي الواسع الذي تمثل في غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن احتجاجات ومظاهرات قمعها الأمن، وهي المظاهرات المعروفة باسم "جمعة الأرض" في 25 أبريل/نيسان 2016.

ورغم تأكيد السيسي وأذرعه الإعلامية أن الاتفاقية توافق القانون والدستور المصري، وتكراره لاحترامه لمؤسسات الدولة المصرية؛ فإنه ضرب بعرض الحائط حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية، وهي المحكمة المختصة بالفصل في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها.

ونص الحكم الصادر في 21 يونيو/حزيران 2016 على أن تستمر السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، وبعدما طعنت الحكومة على الحكم وفقا لحقها القانوني، أكدت المحكمة الإدارية العليا في 16 يناير/كانون الثاني 2017 أن "سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها".

لكن السيسي اتجه إلى المحكمة الدستورية العليا التي قضت في 3 مارس/آذار 2018 أن الاتفاقية من أعمال السيادة التي تختص بها السلطة التنفيذية وتخضع لرقابة السلطة التشريعية، ولا يحق للقضاء التدخل فيها.

وللجزيرتين أهمية إستراتيجية كبيرة لدورهما في التأمين الدفاعي الإستراتيجي للجزء الجنوبي لشبه جزيرة سيناء والمياه الإقليمية المصرية في البحر الأحمر، وتمكينهما لمصر من إغلاق خليج العقبة بالكامل في حال اندلاع أي حرب مع إسرائيل.

اللافت أن الكاتب الصحفي المقرب من النظام المصري مكرم محمد أحمد، أكد في مقابلة تلفزيونية ارتباط التنازل عن الجزيرتين برضا السعودية عن النظام المصري، حيث أرجأت الرياض إرسال شحنات نفط إلى القاهرة ثلاث مرات في غضون ثمانية أشهر فقط، وأن السعوديين أصروا على إنهاء التنازل المصري عن السيادة على الجزيرتين، قبل هبوط طائرة الملك سلمان في مصر.

وأشار إلى أن إسرائيل هي التي ستتسلم المهام الأمنية التي كانت موكلة لمصر إزاء الجزيرتين.

وفي فبراير 2017 أذاعت قناة مكملين المعارضة تسجيلا صوتيا منسوبا لوزير الخارجية المصري سامح شكري وهو يتحدث هاتفيا مع المستشار القانوني الإسرائيلي إسحاق مولخو بشأن جزيرتي تيران وصنافير.

ووفق التسريب، يقول شكري إن مصر لن توافق على أي تعديل على الاتفاقية دون الموافقة المسبقة لحكومة إسرائيل.

كما يقول شكري إن النظام في مصر سيواصل كافة الإجراءات لتنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود بغض النظر عن قرار القضاء المصري بهذا الشأن.

غاز شرق المتوسط

تنازلات السيسي وفقا للمعارضة المصرية بدأت مباشرة بعد توليه الحكم رسميا، حيث وقعت مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 الاتفاقية الإطارية لترسيم الحدود البحرية المصرية مع كل من قبرص واليونان، رغم رفض الحكومة المصرية توقيعها منذ 2006.

وأسفر الترسيم عن تنازل مصر عن مساحة تعادل ضعف مساحة دلتا النيل في مصر، كما صرح نايل الشافعي المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية وأحد المهتمين بقضايا الغاز.

الشافعي أوضح أن حقول ليفياثان الإسرائيلي وإفروديت القبرصي يقعان ضمن المياه الاقتصادية المصرية الخالصة، وبتوقيع السيسي على الاتفاق مع قبرص يكون قد اعترف بالتنازل عن حقوق مصر في تلك الثروات المليارية.

كما أدى الاتفاق إلى تلاصق الحدود البحرية لكل من إسرائيل وقبرص واليونان، بما يسمح بتمرير أنبوب للغاز الإسرائيلي والقبرصي لأوروبا دون أن تدفع إسرائيل وقبرص أي رسوم لمصر، وهو ما اعتبره البعض طوق النجاة لإسرائيل التي كانت تعاني من أزمة في كيفية تصدير الغاز، خاصة أنها في صراع مع جيرانها بريا وبحريا.

مياه النيل

يتهم نشطاء ومعارضون السيسي بالتفريط في مياه النيل عبر التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ مع السودان وإثيوبيا، حيث اعترفت مصر بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة على مياه نهر النيل الأزرق بشرط عام هو ألا يضر السد بمصالح دول المصب مصر والسودان، لكن الاتفاقية لم تحدد حصة كل دولة من المياه، كما أنها لم تضع أي بنود لكيفية حل النقاط الخلافية والعالقة بين البلدين.

ووفقا للخبير الاقتصادي المصري محمود وهبة، فإن توقيع السيسي على هذه الاتفاقية أبطل اتفاقية مودعة بالأمم المتحدة عام 1993، بين مصر وإثيوبيا تمنع بناء السدود.

وتساءل وهبة في تدوينة على حسابه بموقع فيسبوك، "لماذا يتنازل السيسي عن اتفاقية دولية مودعة بهيئة الأمم المتحدة تحفظ مياه مصر وسيادتها ويوقع بدلا منها اتفاقية الخرطوم عام 2015، ويعطي لإثيوبيا الحق في بناء سد بلا شروط أو مواصفات ويلغي بذلك اتفاقية دولية عام 1993؟".

ومنحت الاتفاقية قبلة الحياة لإثيوبيا كي تمضي نحو استكمال بناء السد وتحصل على تمويلات دولية لتنفيذ المشروع، وذلك وفقا لدراسة نشرت عام 2016 بمجلة السياسة الدولية الحكومية، تحت عنوان "الموقف التفاوضي المصري في أزمة سد النهضة.. التحديات والخيارات".

وفي تلك الدراسة اعتبر الباحث عماد حمدي أن من أهم التحديات التي تواجه المفاوض المصري في أزمة سد النهضة، فقدان مصر النفوذ الذي مارسته لفترة طويلة على القوى المانحة التقليدية، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، لمنع تمويل السد، بعد إعلان المبادئ الذي وقعه السيسي، والذي احتوى على اعتراف ضمني بالسد، حيث قدمت مصر والسودان شهادة الميلاد الحقيقية للسد الإثيوبي، الذي كان يعاني مشكلات الاعتراف والشرعية.

المصدر : الجزيرة