في حوار مع الجزيرة نت.. مستشار للحكومة البريطانية: هكذا استغل اليمين المتطرف كورونا لنشر الإسلاموفوبيا

الإمام كاري عاصم: بريطانيا تتميز بنموذج تسامح مميز (مواقع التواصل)

في حوار خص به الجزيرة نت يقدم مستشار الحكومة البريطانية لتعريف الإسلاموفوبيا الإمام كاري عاصم صورة عن وضع العنصرية ضد المسلمين في المملكة المتحدة، وكيف استغل اليمين المتطرف الوباء الذي سببه فيروس كورونا (كوفيد-19) للتحريض ضد المسلمين.

وفيما يلي نص الحوار:

كيف يمكن الوصول لتعريف شامل للإسلاموفوبيا؟

هناك من يدعي أنه لا وجود لشيء اسمه الإسلاموفوبيا، ويقولون إن هذا التعبير هو مجرد "أسطورة"، في حين أن أرقام وإحصائيات الشرطة البريطانية ومؤسسة "تيل ماما" بشأن جرائم الكراهية ضد المسلمين تظهر أن مثل هذه الإسلاموفوبيا هي ظاهرة موجودة، ونكرانها ليس له أي أسس واقعية، وهناك آخرون يقولون إن الإسلاموفوبيا ليست متفشية بالدرجة التي تجعل منها تستحق التعريف.

ويمكن القول إن مفهوم "الإسلاموفوبيا" ما زال مفهوما جديدا واقتحم المجال المفاهيمي والسياسي خلال العقدين الماضيين فقط، وتعريفه يضم كل الصور النمطي والاستغلال والاعتداء الجسدي والتمييز والعنصرية ضد المسلمين.

وفي اعتقادي نحن بحاجة إلى تعريف عملي ليس معقدا جدا ولا أكاديميا بشكل مفرط، ويحظى بإجماع واسع من المسلمين والمجتمع بصفة عامة.

أنا واعٍ جدا أن أي اقتراح لتعريف موحد للإسلاموفوبيا يحب ألا يؤثر بالضرورة على حرية التعبير أو القوانين التي تحميها، ولهذا فانتقاد الإسلام كديانة لا يمكن أن يدخل في خانة الإسلاموفوبيا، ولكن التركيز يجب أن يكون على مواجهة التحريض ضد المسلمين، وأيضا الوقوف ضد السب والقذف وتزييف الحقائق.

وأنا أؤكد أن أي تعريف شامل للإسلاموفوبيا لن يكون أبدا مع تقييد حرية التعبير، ولكن الهدف من هذا التعريف سيكون ضد خطاب الكراهية، وأنا مع احترام انتقاد الأفكار السياسية والثيولوجية للدين، ولكن يجب التمييز بين حرية التعبير وبين التحريض ضد المسلم فقط لأنه يعتنق الديانة الإسلامية.

هل تقوم الحكومة البريطانية بجهود كافية لمحاربة الإسلاموفوبيا؟

بريطانيا تتميز بنموذج تسامح مميز، ولهذا فمن يسعون للقضاء على هذه القيمة المهمة يجب أن تتم محاسبتهم، وتلتزم الحكومة البريطانية بمواجهة الكراهية ضد جميع أفراد المجتمع، ولديها خطة عمل ضد العنصرية، كما أن الحكومة قد عينتني مستشارا لتعريف الإسلاموفوبيا.

ومع ذلك، فإن نسبة مهمة من الأقلية المسلمة تشعر أن الحكومة لا تقوم بالجهود الكافية لمحاربة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وتعتبر هذه الفئة أن الحكومة ليست صارمة بما فيه الكفاية ضد السياسيين وبعض وسائل الإعلام عندما يستخدمون خطابا منحطا ضد المسلمين، إضافة إلى عدم تخصيص الحكومة الموارد المالية الكافية لمكافحة شعور الكراهية ضد المسلمين.

الإمام كاري عاصم: الحكومة لا تقوم بالجهود الكافية لمحاربة الكراهية (مواقع التواصل)

ولهذا، فإن التلطيخ المستمر لصورة الإسلام والمسلمين من طرف الإعلام وبعض كبار المسؤولين وأيضا الخلط المتعمد بين الجريمة والإسلام يجب أن يتوقفا فورا.

وبغض النظر عن الأهداف المحفزة للعنصريين فإن نتيجة الاعتداءات والعنف ضد المسلمين تجعلهم غير قادرين على لعب دورهم بالكامل داخل المجتمع.

هل للخطاب الإعلامي في بعض المنابر البريطانية دور في نشر الكراهية ضد المسلمين؟

لقد لعب جزء من الإعلام دورا مهما في شيطنة المسلمين، وتتم تغذية الصور النمطية بمشاعر الخوف، كالترويج مثلا أن مسلمين يتمتعون بوظائف الأصل أنها للبريطانيين، ويأخذون منازلهم وأيضا بلدهم، وهو ما يؤدي لحالة استقطاب حادة داخل المجتمع، وتزيد حالة التخويف من المسلمين عندما يكون هناك ربط متعمد بين الإرهاب والإسلام.

وتجب الإشارة إلى أن اتهام المسلمين بأشياء باطلة والتخويف منهم ليس حكرا فقط على حركة اليمين المتطرف والقادة السياسيين الشعبويين، ولكن حتى على بعض الصحفيين العاديين، ذلك أن الكثير من الدراسات أظهرت أن التقارير الإعلامية السائدة عن المجتمعات المسلمة تساهم في خلق جو من العداء المتزايد تجاه مسلمي بريطاني، وذلك من خلال العناوين المثيرة التي تكون أحيانا بعيدة عن الواقع، مثل "إجبار طفل مسيحي على دخول حضانة إسلامية"، أو مقالات تصور ظاهرة "استغلال الأطفال جنسيا" وكأنها مشكلة إسلامية، وذلك من خلال الخلط بين حادثة منعزلة وبين ديانة الجاني، ثم تقوم جماعات اليمين المتطرف باستغلال هذه الأخبار المحرفة كمبرر للتخويف من المسلمين.

ومن المؤسف جدا أن النساء المسلمات يتعرضن لأبشع صور التمييز والعنصرية، وهن الضحية الكبرى للإسلاموفوبيا، وهناك الكثير من القصص لنساء تم البصق على وجوههن، وأخريات تم انتزاع حجابهن بالقوة، والاعتداء على حقوقهن في التمتع بالحرية.

هل كان لوباء كورونا دور في تزايد مشاعر الكراهية ضد المسلمين؟

هو أمر مؤسف للغاية أن أقول إنه حتى خلال فترة وباء كورونا واصل المنتمون لليمين المتطرف نشر مشاعر الكراهية ضد المسلمين، وقد أعلنت مؤسسة "تيل ماما" في تقرير لها عن ارتفاع عدد الاعتداءات العنصرية في حق المسلمين خلال مارس/آذار، وهو الشهر الذي شكل ذروة انتشار الوباء، وكان هناك تناسل للادعاءات التي لا أساس لها من الصحة والتي تقول إن حالات الإصابة بالفيروس سترتفع بشكل كبير خلال شهر رمضان، ومثل هذه الأفكار العنصرية يجب ألا يكون لها مكان في مجتمعنا.

وكان المسلمون هدفا وضحية لعدد من نظريات المؤامرة التي تتهمهم بأنهم وراء نشر الفيروس وأنهم لا يحترمون إجراءات الحجر الصحي، كما قام عناصر اليمين المتطرف بنشر صور قديمة للادعاء بأن المساجد ما زالت مفتوحة، وكانت هذه الصورة مصحوبة بتعليقات عنصرية تنادي بتدمير المساجد.

الإمام كاري عاصم خلال ندوة سابقة (مواقع التواصل)

ورغم أن المجتمع كان يمر بواحدة من أصعب المحن فإن اليمين المتطرف أبى إلا أن يستغل هذا الوضع للهجوم على الأقلية المسلمة خلال شهر رمضان، ووصلتنا معلومات أنه في مدينة ليدز قامت مجموعة من الأشخاص يدعون أنهم صحفيون بعملية رصد أمام المساجد، وحاولوا الحديث مع الناس ومحاولة استدراجهم لتصويرهم والحصول على لقطات مزيفة تظهر أن المسلمين ما زالوا يتجمعون أمام المساجد، ولهذا فلا غرابة أن المسلمين متخوفون جدا من تبعات هذه الحملة بعد انتهاء إجراءات الحجر الصحي.

وقد دق تقرير لمجموعة العمل المستقلة لمناهضة التحريض ضد المسلمين -التي أنا نائب رئيسها- ناقوس الخطر من احتمال تزايد كبير للاعتداءات ضد المسلمين بمجرد رفع إجراءات الحجر الصحي، بسبب الاستهداف الممنهج من اليمين المتطرف للأقلية المسلمة خصوصا.

هل يقوم المسلمون بما عليهم من أجل تغيير الصور النمطية عن الإسلام؟

يجب علينا كمسلمين أن نكون واعين بأن المتطرفين من تنظيم الدولة مثلا يستخدمون خطابات ومفاهيم دينية ويقومون بتأويلها بشكل خاطئ، للتلاعب بالمظالم الشخصية والاجتماعية والسياسية للشباب لتحويلهم إلى ما يدّعون أنها "شهادة".

إن المتطرفين دائما ما تكون لهم أيديولوجية يستغلونها، وهذه ظاهرة ليست جديدة، وكانت موجودة على مر القرون، حيث كان العديد من المتعصبين يستخدمون هذه الآلية لتجنيد الناس للقتال من أجل مصالح هؤلاء المتطرفين بغض النظر عن مدى سوء تلك الأسباب والمصالح.

كثيرون لديهم صور نمطية عن الإسلام والمسلمين بسبب ضعف معرفتهم عن هذه الديانة، أو بسبب غياب تعاملهم مع المسلمين والتفاعل معهم، ومع ذلك فقد قام المسلمون بمجهود كبير جدا خلال أزمة كورونا للتواصل مع الجميع وتقديم يد العون لكل من يحتاج مهما كانت ديانته.

المصدر : الجزيرة