الرفحاويون في العراق.. من هم ولماذا يتظاهرون الآن؟

وقفة احتجاجية في النجف قبل أيام ضد إيقاف مستحقات الرفحاويين (الجزيرة)

أحمد الدباغ – الجزيرة نت

بدأت قصة محتجزي رفحاء عام 1991. إذ عقب انتهاء حرب الخليج الثانية، شهد العراق انتفاضة شعبية في مدن وسط وجنوب البلاد ضد نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وبعد أشهر من بدء الانتفاضة، استعاد النظام السيطرة على هذه المدن، إلا أن من خرجوا عليه آنذاك اعتُقلوا أو قُتلوا أو هربوا إلى خارج البلاد، وتحديدا إلى مدينة رفحاء السعودية الحدودية.

ويعرّف القانون العراقي محتجزي رفحاء بأنهم "مجاهدو الانتفاضة الشعبانية عام 1991 الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة مغادرة العراق إلى السعودية، وعوائلهم ممن غادروا معهم والذين ولدوا داخل مخيمات الاحتجاز وفقا للسجلات والبيانات الرسمية الموثقة دوليا".

العميدي (يسار) أثناء مشاركته في وقفة احتجاجية في النجف قبل أيام ضد إيقاف مستحقات الرفحاويين (الجزيرة نت)

تظاهرات رفحاء

عقب الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد العراقي مؤخرا مع انهيار أسعار النفط وتسجيل الحكومة عجزا ماليا كبيرا، عمدت لإيقاف صرف رواتب "محتجزي رفحاء" والسجناء السياسيين، فضلا عن إيقاف مبدأ الجمع بين راتبين حكوميين وامتيازات أخرى نص عليها قانون السجناء السياسيين.

وبعيد قرار الحكومة، خرج مئات المتظاهرين من السجناء السياسيين وذوي رفحاء في محافظات وسط وجنوب البلاد، منددين بقرار الحكومة القاضي بإيقاف رواتبهم التقاعدية.

من جانبه، اعتبر السجين السياسي السابق وأحد محتجزي رفحاء لطيف العميدي أن الإجراءات الأخيرة بحقه وبحق غيره من "الرفحاويين"، بوقف مستحقاتهم من قبل حكومة مصطفى الكاظمي، هي إجراءات "غير قانونية"، مما دفعهم للتظاهر للمطالبة بحقوقهم.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت من محافظة النجف (جنوبي البلاد) أن ما يؤخذ على الحكومة أنها عطلت رواتبهم المنصوص عليها بقانون، إذ لا يحق لها ذلك إلا بتعديل أو إلغاء القانون من مجلس النواب.

وأضاف أن الحكومة مستمرة في صرف رواتب الكيانات المنحلة للنظام السابق (أجهزة الدولة الأمنية والإعلامية) دون إيقافها أو الاستقطاع منها، إضافة إلى رواتب بقية المتضررين من النظام السابق كمتضرري عملية الأنفال (عمليات عسكرية ضد الأكراد عام 1988) ومجزرة حلبجة (مدينة كردية تعرضت لقصف بالأسلحة الكيميائية في نهاية الحرب العراقية الإيرانية).

ويختتم العميدي بأن المظاهرات تهدف لاستعادة الحقوق، مشيرا إلى أن أعداد محتجزي رفحاء لا تتجاوز 29 ألف شخص.

حرب: أعداد الرفحاويين بالأصل 3500، إلا أن الفساد والمحسوبية وراء تضخمها (الجزيرة نت)

قانون مثير للجدل

وكان البرلمان العراقي قد سنَّ عام 2006 قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) المعدل، والذي يشمل السجناء السياسيين ومحتجزي رفحاء. وفي 2013 عدّل البرلمان القانون ليشمل مواد عديدة من ضمنها المادتان السابعة والتاسعة اللتان تحددان ما يتقاضاه المنتفعون كراتب تقاعدي، وفقا لمدة احتجازهم في المخيم، مع أحقية الجمع بين الراتب التقاعدي وراتب الوظيفة الحكومية التي يشغلها.

وذلك إضافة إلى منحهم قطعة أرض سكنية واستثناء للقبول في الدراسات العليا وتوفير العلاج داخل البلاد وخارجها على نفقة الدولة، مع صرف أجور السفر السنوي خارج البلاد لكل عائلة مشمولة بالقانون.

وتعليقا على القانون، يقول الخبير القانوني طارق حرب -في حديثه للجزيرة نت- إن الدستور العراقي المقر عام 2005 أقر بصرف تعويضات للسجناء السياسيين ومحتجزي رفحاء، وليس بدفع رواتب تقاعدية لهم مدى الحياة.

ويضيف أن قانون السجناء السياسيين يعدّ مخالفة للعديد من القوانين الأخرى، وخاصة قانون التقاعد الذي ينص على صرف الراتب التقاعدي لكل من خدم في وظيفة حكومية في الدولة العراقية لمدة معينة، وبالتالي يعد الراتب التقاعدي حقا للموظف الذي استقطع مبلغ تقاعده خلال مدة خدمته الدولة، وهذا ما لا يتوفر لذوي رفحاء.

كما يعلق حرب على أن الأمم المتحدة عرّفت الرفحاويين بأنهم لاجؤون وليسوا محتجزين، وبالتالي فالقانون يناقض تعريف الأمم المتحدة لهم، مؤكدا على أن قرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي صحيح من ناحية إيقاف الرواتب المزدوجة لذوي رفحاء ومن يقطنون خارج العراق وهم الأغلبية، بحسبه.

وعن أعدادهم، يؤكد حرب أن هناك 30 ألفا و975 شخصا من رفحاء تصرف لهم رواتب، في الوقت الذي كانت فيه أعدادهم الحقيقية بين عامي 1991 و2003 لا تتجاوز 3500 شخصا فقط، لافتا إلى أن الفساد والمحسوبية وراء تضخم الأعداد.

رشيد اعتبر أن حكومة الكاظمي أوقفت صرف الرواتب المتعددة للشخص الواحد (الجزيرة نت)

بدوره، يعلق عضو اللجنة المالية البرلمانية أحمد حمه رشيد على أن أعداد محتجزي رفحاء يصل إلى 30 ألفا وبإضافة عائلاتهم يصل العدد الكلي إلى 40 ألفا، مؤكدا على أنهم خلال فترة احتجازهم خيرتهم الأمم المتحدة بين اللجوء إلى الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي أو أستراليا أو إيران.

وعن إيقاف الحكومة رواتبهم، يضيف رشيد للجزيرة نت أن حكومة الكاظمي أوقفت صرف الرواتب المتعددة للشخص الواحد، مع حصر الراتب لربّ أسرة المحتجز في رفحاء فقط دون أسرته.

رشيد أشار في حديثه أيضا إلى أن الاقتصاد العراقي بات ضحية للقوانين غير المدروسة، فالضحايا في جميع أنحاء العالم تصرف لهم تعويضات فقط لا رواتب تقاعدية مدى الحياة، على اعتبار أن شروط الراتب التقاعدي غائبة في قانون السجناء السياسيين، وأن اللجنة المالية البرلمانية متجهة نحو تعديل القانون.

المشهداني اعتبر أن ما يصرف من رواتب وتعويضات للسجناء السياسيين السابقين وذوي رفحاء مبالغ به كثيرا (الجزيرة)

هدر للمليارات

تشكو الدولة العراقية من عجز مالي كبير، إذ يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني إن إجراءات الحكومة الأخيرة تمثلت في إيقاف الرواتب -لا إلغائها- لحين اكتمال تدقيق وزارة المالية.

ويشير المشهداني للجزيرة نت إلى أن الإجراءات الأخيرة كانت مقترحة من قبل صندوق النقد الدولي، بإيقاف رواتب ما يقرب من 250 ألف عراقي يتقاضون أكثر من ثلاثة رواتب في آن معا، إلا أن الحكومات السابقة لم تنفذ هذه التوصيات.

ويقدر المشهداني أن رواتب السجناء السياسيين السابقين وذوي رفحاء تبلغ 18 مليار دولار صرفت لهم خلال السنوات الماضية، وأن أعداد من يتلقى رواتب متعددة مبالغ فيه، وأن الطريقة التي أضيفوا بها إلى مؤسسة السجناء المسؤولة عنهم قانونا تمت من خلال التزكيات التي قدمتها الأحزاب خلال السنوات السابقة.

أما مدير هيئة التقاعد العامة في العراق أحمد عبد الجليل، فيؤكد للجزيرة نت أن هيئة التقاعد أوقفت صرف رواتب محتجزي رفحاء والسجناء السياسيين لحين إكمال عملية التدقيق، وأخذ تعهدات بعدم الجمع بين راتبين حكوميين أو أكثر.

ورجح أن تكتمل عملية التدقيق قريبا، حيث سيتم الكشف عن أعداد هؤلاء المعنيين ومن هم داخل العراق أو خارجه، إذ سيعاد صرف رواتب المستحقين وفق الآلية السابقة ذاتها.

المصدر : الجزيرة