"خمر وبانغو".. روايات متناقضة تثير سخرية النشطاء عن نهاية شابين مصريين

عبد الله حامد-القاهرة
استدعى بيان النيابة العامة الصادر بشأن وفاة المعتقل السياسي الشاب المخرج شادي حبش (24 عاما) للأذهان تفاصيل بيان النيابة قبل عشر سنوات بشأن مصرع الشاب خالد سعيد الذي فجرت صفحة باسمه ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وقارن نشطاء وحقوقيون بين الروايتين الرسميتين اللتين حملتا الضحيتين (حبش وسعيد) مسؤولية وفاتهما، فشادي حبش خلط الكحول المطهر بمياه غازية ليحوله إلى شراب مسكر فمات به، وهو موقف مشابه لاتهام الشاب خالد سعيد بأنه ابتلع لفافة بانغو المخدرة فمات بها.
والفارق بين الحالتين أن الأول كان محظوظا بالتقاط صور له بعد تحطيم رأسه على يد عناصر للشرطة، كدليل يهدم الرواية الرسمية، بينما مات الثاني في السجن ولم يتسن لأحد تصوير نهايته، باستثناء شهود عيان.
وبحسب نشطاء وحقوقيين، فقد انطوى بيان النيابة العامة بشأن وفاة الفنان شادي حبش في محبسه بسجن طرة على تناقضات شتى حاولت "عبثا" تبرئة إدارة السجن من المسؤولية عن قتله.
واعتقل شادي مع ستة آخرين بتهمة تأليف وإخراج ونشر أغنية ساخرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقالت النيابة العامة المصرية إنها سألت ثلاثة من مرافقي المتوفى بالغرفة التي كان محبوسا فيها، فجاءت إفاداتهم متطابقة وتؤكد تناوله مشروبا خليطا من المياه الغازية والكحول المطهر، ودخوله في نوبات متوالية من المتاعب وتلقيه علاجا على يد أطباء السجن حتى وافته المنية.
وأمر النائب العام باستكمال التحقيقات، وانتداب أحد الأطباء الشرعيين لتشريح جثمان المتوفى لبيان السبب المباشر الذي أدى إلى وفاته، وإذا ما كان بجثمانه أي إصابات وسبب وكيفية وتاريخ حدوثها إن وجدت، وأخذ عينة حشوية منه لبيان مدى احتوائها على أي مواد مخدرة أو مسكرة أو سامة أو كحولية من عدمه، وفي حالة وجودها بيان مدى تسببها في وفاته، ومدى جواز حدوث الواقعة وفق التصوير الذي أسفرت عنه التحقيقات حتى تاريخه، وكذلك بيان مدى صحة الإجراءات الطبية التي اتخذها الطبيبان اللذان وقعا الكشف عليه.
وانتقد نشطاء ما ورد في البيان، مؤكدين أنه يدين منظومة السجن.
وقال حقوقيون إن بيان النيابة العامة عن وفاة شادي حبش يطرح جملة تساؤلات، منها أن استمرار متاعبه لفترة طويلة يؤكد وجود إهمال طبي، فضلا عن تناقض روايات الشهود، مع عدم الإشارة إلى تجاوز مدة احتجازه فترة السنتين كما يقول القانون.
وقال بيان وقعت عليه تسع منظمات حقوقية مصرية إن طريقة وفاة المخرج الشاب شادي حبش في محبسه بسجن طرة في القاهرة في الثاني من الشهر الجاري دليل إدانة إضافي على مدى استهتار المسؤولين عن إنفاذ القانون في مصر بحياة المواطنين وبسيادة القانون، وتفشي نزعات الانتقام من كافة منتقدي النظام الحالي من مختلف الفئات والأعمار.
كما تقدم ملابسات الوفاة برهانا جديدا على مدى تردي أوضاع السجون المصرية ونقص الرعاية الصحية فيها، ولا سيما في ظل ما ورد من شهادات تفيد باستمرار استغاثتهم لنجدة زميلهم ساعات طويلة دون جدوى.
وتابع البيان أن واقعة وفاة شادي حبش هي الثالثة في عنبر 4 بسجن طرة بين سجناء رأي من الشباب في أقل من 10 أشهر، مما يعني أنها لا تشكل استثناء، بل تجسد نمطا سائدا في معظم السجون المصرية، بل وفي إدارة ملف العدالة في مصر بشكل عام خلال السنوات السبع الأخيرة.
وطالبت المنظمات الموقعة على البيان بفتح تحقيق جاد ومستقل بشأن أسباب الوفاة ومسؤولية النيابة العامة عن استمرار حبس شادي وآخرين أكثر من 26 شهرا احتياطيا دون محاكمة بالمخالفة للقانون.
وجددت المنظمات مطلبها بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون المصرية والوقوف على أوضاعها بعد التزايد المخيف في حالات الوفاة المقترنة بالإهمال الطبي فيها، وتشكيل آلية وطنية من منظمات حقوقية مستقلة تتولى تنظيم زيارات غير معلنة للسجون، والتأكد من تطبيقها كافة إجراءات التباعد والنظافة والوقاية المطلوبة، ولا سيما في ظل تفشي وباء كوفيد-19 القاتل.
كما طالبت أيضا بسرعة الإفراج عن جميع المحبوسين احتياطيا تخفيفا للتكدس في السجون في ظل تفشي وباء كورونا، خاصة المحتجزين على خلفية اتهامات تتعلق بحرية الرأي والإبداع أو المحتجزين على خلفية قضايا سياسية.
وأعربت المنظمات عن قلقها البالغ بشأن السلامة النفسية والجسدية لبقية المحتجزين في عنبر 4 بسجن طرة بعدما شهدوا على أكثر من نزيل بينهم دون أن يكترث أحد، مشيرة إلى تجاوز بعضهم المدد القانونية للحبس الاحتياطي، مما يحتم الإفراج عنهم فورا.
وأكد البيان أن واقعة وفاة شادي حبش لن تكون الأخيرة طالما أصرت السلطات المصرية على تجاهل الدعوات الحقوقية الوطنية والدولية والأممية بالإفراج عن بعض السجناء تخفيفا لتكدس السجون، خاصة المحبوسين احتياطيا والمهددين بالإهمال الطبي.
وبحسب تقرير حقوقي مشترك نشر نهاية العام الماضي، توفي 449 سجينا في أماكن الاحتجاز خلال الفترة بين منتصف 2014 وحتى نهاية 2018، وقد ارتفع هذا العدد ليصل 917 سجينا في الفترة بين منتصف 2013 وحتى نهاية 2019، بزيادة مفرطة خلال عام 2019، بحسب آخر تحديث حقوقي، بينهم 677 نتيجة الإهمال الطبي.