إنجاز تاريخي أم كارثة كبرى.. قروض جديدة بسبب كورونا تثير الجدل في مصر

"نجحت وزارة المالية في العودة إلى سوق السندات الدولية وبقوة، بأكبر طرح، وذلك على الرغم من الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم وأسواق المال مؤخرا بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)"، هكذا احتفل الإعلام الرسمي في مصر على مدى أيام، ببيعها سندات دولية بقيمة خمسة مليارات دولار.
ووفقا للحكومة ووسائل الإعلام المقربة منها، فقد نجحت وزارة المالية في تنفيذ أكبر إصدار دولي للسندات الدولية تقوم به جمهورية مصر العربية، بقيمة 5 مليارات دولار على ثلاث شرائح (4 و12 و30 سنة)، وبقيم مصدرة تبلغ 1.25 مليار دولار، و1.7 مليار دولار، و2 مليار دولار على التوالي، وبأسعار عائد جيدة جدا في ضوء التقلبات التي تشهدها أسواق المال العالمية مؤخرا وارتفاع درجة المخاطر وعدم اليقين من قبل المستثمرين.
واستشهدت الحكومة على ما تقول إن الطرح شهد منذ بدايته تزايدا مستمرا وقويا لطلبات الشراء من قبل المستثمرين الأجانب من جميع المناطق والدول، حيث وصل حجم طلبات الاكتتاب من قبل المستثمرين الأجانب إلى أكثر من 9 مليارات دولار بعد 2.5 ساعة فقط من بدء الاكتتاب والإعلان عن الطرح من القاهرة، ثم وصل إلى أكثر من 22 مليار دولار في المراحل النهائية للطرح وقبل الإغلاق.
لكن الصورة ليست وردية لدى الجميع في مصر، فكثير من خبراء الاقتصاد وأحزاب المعارضة ترى أن ما جرى ما هو إلا استمرار لسياسة الاقتراض التي ينتهجها النظام المصري منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013، والتي تسببت في ارتفاع الدين العام الخارجي المصري إلى 112 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الثاني 2019، وفقا لبيانات البنك الدولي.
ويرى الرافضون لسياسة الاقتراض أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن أغلب أموال القروض لا توجه إلى مشروعات إنتاجية تدر أرباحا لخزينة الدولة وتعود بالنفع على شعبها، ولكنها توجه إلى دفع أقساط وفوائد الديون السابقة التي لم ير منها الشعب أي فائدة، إضافة إلى أن قيمة الفائدة مرتفعة جدا في هذه السندات، وهو ما يشكل أعباء إضافية على الدولة.
وتطور الدين الخارجي المصري خلال السنوات الأخيرة، ففي عام 2016 قفزت الديون الخارجية لمصر بشكل كبير لتسجل نحو 55.8 مليار دولار، وفي عام 2017 بلغت 82.8 مليار دولار، وبنهاية عام 2018 بلغت 96.57 مليار دولار، أما في نهاية عام 2019 فقد وصلت إلى 112.67 مليار دولار.
وتستحوذ خدمة الدين على غالبية الإيرادات العامة للدولة، فأرقام البيان التمهيدي لموازنة 2020-2021، تبين أن إجمالي الإيرادات العامة نحو 1.28 تريليون جنيه، بينما أقساط الدين العام كما توقع البيان بحدود 555 مليار جنيه، وفوائد الدين العام 566 مليار جنيه، أي أن خدمة الدين العام تمثل 1.12 تريليون جنيه، وهو ما يعادل 87% من إجمالي الإيرادات العامة.
قروض جديدة
وما يزيد من قلق المعارضين أن بيع السندات الدولية جاء بعد أيام قليلة من إعلان الحكومة المصرية عن موافقة صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا طارئا بقيمة 2.77 مليار دولار من المساعدات الطارئة، لمساعدة البلاد على التعامل مع تأثير وباء كورونا.
كما تسعى مصر للحصول على قروض إضافية من مؤسسات دولية بما يزيد على 9 مليارات دولار أخرى.
ووفقا لما نقلته وكالة "بلومبيرغ" عن مسؤول مصري طلب عدم ذكر اسمه، فإن مصر تستهدف الحصول على أكثر من 5 مليارات إضافية من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى 4 مليارات دولار من مؤسسات دولية أخرى.
ووفقا للمسؤول ذاته، فإن مصر تستهدف أن يكون إجمالي ما حصلت عليه من الصندوق 8.5 مليارات دولار في إطار مواجهتها لتداعيات فيروس كورونا.
ويتعرض اقتصاد مصر لضغوط من جائحة فيروس كورونا المستجد، التي أوقفت قطاع السياحة، وهو مصدر رئيسي للإيرادات بالعملة الصعبة.
وفقدت مصر 8.5 مليارات دولار تقريبا من احتياطي العملات الأجنبية المتوافرة لدى البنك المركزي خلال شهرين، حيث بلغ في نهاية أبريل/نيسان الماضي 37.037 مليار دولار، هبوطا من 45.5 مليار دولار في نهاية فبراير/شباط الماضي.
واتخذت الحكومة خطوات لاحتواء التفشي بما في ذلك فرض حظر تجول ليلي وإغلاق المقاهي والمساجد، لكنها أحجمت عن فرض إجراءات عزل عام كاملة مع سعيها لإبقاء الاقتصاد مفتوحا.

إنجاز كبير
ورغم كل الانتقادات تصر الحكومة المصرية على أنها حققت إنجازا كبيرا بالعودة إلى سوق السندات الدولية، ويرى وزير المالية محمد معيط أن هذا الانجاز يعكس ثقة المستثمرين وأسواق المال الدولية المتزايدة والقوية في قدرة وإمكانات وأداء الاقتصاد المصري، بسبب تحسن جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية لمصر.
وأضاف الوزير في تصريحات لصحف محلية أن العودة للأسواق الدولية مكّنت الاقتصاد المصري من الصمود والتعامل مع الصدمات الخارجية.
وأكد أن الإقبال الكبير والمتزايد على السندات الدولية المصرية والذي وصل قبل نهاية الطرح إلى نحو 22 مليار دولار، يمثل نسبة تغطية تتعدى 4 مرات قيمة الطرح والذي بلغ نحو 5 مليارات دولار، وهو معدل تغطية كبير ويزيد عل نسب التغطية التي شهدتها الإصدارات الدولية للعديد من الدول الناشئة خلال الشهور الماضية، وبما يعكس أيضا ثقة المجتمع الدولي في جهود ونتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي نفذته الحكومة المصرية والمدعوم بشكل كامل من القيادة السياسية.
بدوره شدد أحمد كجوك نائب وزير المالية للسياسات المالية على أن هذا الإصدار سيساهم في توفير مصادر تمويل إضافية للموازنة خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى إطالة عمر محفظة السندات المصرية ومتوسط عمر الدين المصري، وهي كلها أمور ستساهم في تحسين مؤشرات المديونية وخدمة الدين.
ومضى قائلا "إن طلبات الشراء جاءت من قبل مستثمرين من جميع المناطق الجغرافية بالعالم بما فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول الآسيوية ودول الشرق الأوسط وأفريقيا، مما أتاح حجم طلبات قويا ومتنوعا، وهو ما ساعد وزارة المالية على خفض سعر الفائدة على السندات المطروحة بنحو 50 نقطة أساس مقارنة بالأسعار الافتتاحية المعلن عنها عند بداية عملية الطرح".
كارثة كبرى
وفي ظل تمسك الحكومة برواية الإنجاز الكبير، يصر خبراء اقتصاد مستقلون ومعارضون على وصف ما جرى بالكارثة الكبرى على الاقتصاد المصري، ومنهم الأكاديمي الدكتور نائل الشافعي الذي قال في تدوينة على حسابه بموقع فيسبوك إن مصر باعت سندات باليورو بقيمة 5 مليارات دولار، رغم أن التقييم الائتماني لمصر أقل من مستوى الاستثمار الآمن بأربع درجات أو أكثر، بحسب وكالة بلومبيرغ.
وحذر من أن السندات السيادية التي تطرح في البورصة الأوروبية يورونكست -والتي تضم باريس وبروكسل وأمستردام وأوسلو ودبلن ولشبونة- تخضع لقوانين الدولة التي تقع فيها بورصة طرح السندات.
وأضاف أنه في حالة عجز الدولة عن سداد كوبونات السند، يصبح من حق حامل السند مقاضاة الدولة المصرية في محكمة أوروبية، مشيرا إلى أن الأرجنتين حاولت في 2013 استبدال سعر فائدة 9% بفائدة أقل، فأصدرت محكمتا لندن ونيويورك في 2014، حكمان بإفلاس حكومة الأرجنتين وبجواز حجز أي من ممتلكاتها.
بدوره تساءل الناشط عادل فوزي ألم يأت الأوان لتفكر الدولة قليلا في سياسة الاقتراض، قائلا "في 2013 حلت الحكومة أزمة السيولة بقروض كبيرة ضاعفت الدين الخارجي أكثر من مرة، والآن تقترض مرة أخرى وبعد عدة سنوات ستقترض مرة أخرى، وفي كل مرة تزيد الفاتورة".
وأضاف في تدوينة على فيسبوك: متى ستفهم الحكومة أن إقامة الكباري (الجسور) ومشروعات المقاولات لا تعد مشروعات تنمية مستدامة أو إنجازات اقتصادية من الأساس، داعيا الحكومة لأن تفكر في إنشاء اقتصاد حقيقي قائم على الإنتاج والتصدير، بعيدا عن فرض الرسوم والجبايات على الطرق وبيع الطاقة للمواطنين بإضعاف تكلفتها والاقتراض لتشغيل "المحاسيب" في شركات المقاولات.
طيب مش ان الاوان الدولة تفكر شويه ؟.. انت حليت ازمة السيوله فى ٢٠١٣ بقروض كبيره .. ضاعفت الدين الخارجى اكتر من مرة …..
تم النشر بواسطة Adel Fawzy في السبت، ١٦ مايو ٢٠٢٠