لوموند: استعادة قاعدة الوطية دليل ساطع على أن ميزان القوى بليبيا قد انعكس

قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن خسارة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر أمس الاثنين لقاعدة الوطية العسكرية في غرب ليبيا، تثبت أن الرياح أصبحت تجري ضد الهجوم الذي شنه في أبريل/نيسان 2019 على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وتؤكد الفعالية المتزايدة للدعم الذي تقدمه تركيا لقوات طرابلس.
وأوضحت الصحيفة في مقال بقلم فريديريك بوبين أن هذه الانتكاسة الجديدة تنضاف إلى طرد القوات الموالية لحفتر من المناطق الساحلية في صبراتة وصرمان الواقعة على بعد أقل من 70 كم من العاصمة في منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وبعد أن ضعفت حكومة طرابلس بشدة في نهاية العام الماضي تحت ضربات قوات حفتر المدعومة بنشاط عسكري ومالي من قبل تحالف من الرعاة الأجانب مثل الإمارات والأردن ومصر والسعودية وروسيا -حسب الكاتب- تمكنت حكومة الوفاق بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج من استعادة المبادرة بفضل الدعم التركي غير المسبوق.
وقامت أنقرة -حسب الكاتب- بتثبيت سلسلة من الدفاعات المضادة للطائرات في طرابلس بالتزامن مع تقديم جيل جديد من الطائرات دون طيار، مما سمح للقوات المضادة لحفتر باستعادة السيطرة على السماء، وذلك في أعقاب اتفاق أمني وبحري تم توقيعه في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني بين تركيا وليبيا، في فترة حرجة بدت فيها حكومة السراج المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، عاجزة عن مواجهة ضربات المرتزقة -من حلفاء حفتر كشركة فاغنر- بالعاصمة.
معطيات عسكرية جديدة
وأشار الكاتب إلى أن استعادة قاعدة الوطية دليل ساطع على أن ميزان القوى قد انعكس، حيث قال فايز السراج "بكل فخر وشرف، نعلن تحرير قاعدة الوطية الوطنية من قبضة المليشيات الإجرامية والمرتزقة الإرهابيين".
ورأى بوبين أن استعادة هذه القاعدة لها رمزية من نواح كثيرة، الأولى أنها كانت الجيب العسكري الوحيد لحفتر في المنطقة الغربية قبل شن هجومه على العاصمة في أبريل/نيسان 2019، بعد أن استولى عليها أثناء الحرب الأهلية في صيف 2014 بفضل حلفائه بمدينة الزنتان القوية في هذه المنطقة من جبل نفوسة قرب الحدود التونسية.
والثانية أن ظروف استعادتها توضح المعطيات العسكرية الجديدة في هذه المنطقة من غرب ليبيا، حيث تم تدمير مركبتين كانتا تحملان نظام بانتسير الروسي المضاد للطائرات مباشرة بعد تسليمهما للقاعدة على يد طائرات دون طيار تركية.
والثالثة أن اللعبة القبلية في دائرة الوطية بدأت تتغير، حيث إن القوات المحلية الموالية لحفتر من الزنتان بقيادة إدريس ماضي كانت على اتصال دائم مع قوات أخرى من الزنتان بقيادة أسامة الجويلي مؤيدة للسراج، وهي تؤكد أن الديناميكيات المجتمعية لم تعد تعمل لصالح حفتر كما كانت في صيف 2014.
ضربة قاسية
ونبه الكاتب إلى أن هذه المرحلة سيكون لها تأثير كبير على التوازنات الإستراتيجية في طرابلس وربما خارجها، لأن الخطوة التالية في هجوم حكومة الوفاق المضاد قد تكون ترهونة، وهي بلدة جنوب شرق طرابلس لا تزال في يد حفتر ولكنها تحت الحصار الآن.
ويرى طارق مجريسي، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية أن "خسارة الوطية ضربة قاسية لحفتر لأنها ستجعل بقاءه في طرابلس والدفاع عن ترهونة أمرا عسيرا للغاية، خاصة أنها تسمح للأتراك الذين تقع دفاعاتهم المضادة للطائرات بشكل رئيسي على الساحل، بتوسيع نطاق أعمالهم، وبالتالي ضرب ترهونة والمنطقة الجنوبية في فزان".
وأضاف الباحث أن السراج لم يخف طموح حكومته "للنصر الكبير وتحرير جميع المدن والمناطق"، مما قد يعني نقل النزاع إلى جنوب ليبيا، خاصة إلى حقول النفط في شرارة والفيل التي سقطت في يد القوات الموالية لحفتر في أوائل عام 2019.
تدخل أميركي متزايد
وفي هذا السياق الجديد، تزداد حدة التساؤلات حول التماسك السياسي والقبلي في معقل حفتر في برقة وكذلك حول صلابة تحالف مؤيديه الأجانب، حيث يزداد التوتر بينه وبين عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق الذي عارض أخيرا خطة اللواء المتقاعد بحل الترتيب المؤسسي الناشئ عن اتفاقيات الصخيرات الموقعة في نهاية 2015 بالمغرب.
ومن جهة أخرى، يرى الكاتب أن هناك إشارات على الصعيد الدولي تفيد بظهور علامات ضعف في التحالف الداعم له، إذ يقول طارق مجريسي إن "الإمارات ما زالت تقف بقوة وراء حفتر، ولكن الروس يبدون أقل حماسا، كما أن المصريين بدؤوا في البحث عن محاورين آخرين في برقة".
ونبه الكاتب إلى أن الولايات المتحدة -التي بدا رئيسها دونالد ترامب، تحت ضغط من حلفائه في أبو ظبي والقاهرة مؤيدا لهجوم حفتر في أبريل/نيسان 2019 على طرابلس- قد تحول موقفها بعد وصول مرتزقة فاغنر الروسية وغيرت من لهجتها فيما يتعلق بحفتر، خاصة بعد تصريحات السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند عندما قال "أعتقد أن حفتر ذكي بما يكفي لإدراك أن تأثيره يتناقص كل يوم (…) الدول الداعمة له بدأت تدرك أن أهدافها في مكافحة الإرهاب قد قوّضها الهجوم على طرابلس".