رمضان المعتقلين بمصر.. بهجة مفتقدة ومعاناة متفاقمة

صورة على مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعة من المعتقلين بأحد السجون المصرية- سجن
السلطات تتعمد التنكيل بالمعتقلين وعائلاتهم في شهر رمضان (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-الجزيرة نت

اكتفت ببضع تمرات تكسر بها صيامها، حيث لم تسعفها الشهية لأكثر من ذلك، حتى بعد أكثر من 15 ساعة صيام، فكيف تستسيغ الطعام بعد ما علمته من حرمان زوجها وزملائه المغيبين خلف القضبان منه في يومه السابق.

تستمر في تقليب حسائها دون تناوله، وهي تستعرض في ذاكرتها مراحل معاناتها المتكررة خلال إعدادها وجبات الإفطار لزوجها و20 من مرافقيه في زنزانة أحد سجون مجمع طرة بالقاهرة، والتي تبدأ بتحضيره طوال يوم كامل، ثم "تكييسه" وتجميده ليلا، وتنتهي بترقب دورها في الشمس الحارقة طيلة النهار أمام باب السجن.

وعادة ما تتبدد تلك المعاناة، بعد أن تبلغها -بطرق خاصة- رسائل امتنان وتقدير من زوجها ورفقاء زنزانته، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة، حينما علمت أنه بعد تلك المعاناة، لم يصل الطعام لزوجها ومرافقيه، وباتوا مضطرين لتناول وجبات السجن التي تعافها الحيوانات فضلا عن البشر.

لا ينحصر الأمر في عدم وصول طعام الإفطار للمعتقلين في أحيان كثيرة، فحسب ما صرحت به أسماء (اسم مستعار) زوجة أبي سلمى، فإنه منذ قرار وقف الزيارات التي اتخذته مصلحة السجون ضمن إجراءات الاحتراز من فيروس كورونا، منعت وزارة الداخلية إدخال أغلب المستلزمات والاحتياجات حتى الضرورية منها.

إعلان

ورغم السماح مع بداية شهر رمضان بإدخال وجبات للإفطار والسحور في بعض السجون فإن آمال أسر المعتقلين خابت في أن يبهجوا ذويهم بتلك الوجبات، حينما وجدوا الأمر محصورا في أصناف محددة لا تعد على أصابع اليد الواحدة، في ظل منع تام لإدخال الفاكهة والخضراوات والحلويات وأغلب المشروبات.

أشكال أخرى
بينما تعدد أم أميرة، زوجة معتقل بأحد سجون محافظات الوجه القبلي، أشكالا أخرى من المعاناة، فأصناف الطعام المحدودة الموافق عليها ومنها الأرز والمعكرونة لا يسمح بدخولها إلا في أكياس، كما يجبر الأهالي على الانتظار مدة لا تقل عن 4 ساعات خلال النهار قبل استلام تلك الأطعمة.

وترى زوجة المعتقل -في حديثها للجزيرة نت- أن الهدف الواضح من هذا الأسلوب هو "الامتهان والتكدير" وملء نفوس المعتقلين وذويهم بمشاعر السخط والغضب، لافتة إلى أن قطاعا من ضباط السجون وحرسه يظهرون حالة من التشفي وهو يمارسون هذه الأساليب.

وتلفت إلى أنه إلى جانب ذلك، ورغم عبارات الاستعطاف التي يرددها ذوو المعتقلين فإن بعض حرس السجون يتعمدون خلط الأطعمة أثناء تفتيشها بشكل يفسدها، وبعد ذلك كله لا يتم أحيانا إيصال الطعام للمعتقلين رغم استلامه.

معاناة أهالي المعتقلين تمثلت بشكل واضح في صورة د. ليلى سويف أم الناشط علاء عبد الفتاح، وهي تفترش الأرض أمام باب السجن، في انتظار السماح لها بإدخال خطاب مكتوب ومحلول جفاف لنجلها المضرب عن الطعام منذ أكثر من شهر، الأمر الذي استدعى حالة واسعة من التفاعل والتعاطف بمواقع التواصل الاجتماعي.

وتساءلت منى (شقيقة علاء) والتي نشرت صورة والدتها: هل من الطبيعي انتظار والدتها أياما وساعات على باب السجن لأجل إدخال "خطاب ومحلول جفاف"؟ وهل يعلم النائب العام ما يحدث أمام السجون وظروف المعتقلين المضربين عن الطعام؟

وقد تحفظت منى -في منشور لاحق- على قول إن دافع التعاطف مع والدتها كونها أستاذة جامعية، مشددة على أن المفترض ألا تتعرض لذلك أي أم وهي تسعى للاطمئنان على ابنها المعتقل، ومشيرة إلى أنه على أبواب السجون الكثير من الأمهات اللاتي يتعرضن لـ "أشكال مختلفة من البهدلة والقرف وانعدام الإنسانية".

إعلان

استهتار ولا مبالاة
ويكشف معتقل داخل أحد السجون لمراسل الجزيرة نت عن حالة من "الاستهتار واللا مبالاة" تتعامل بها إدارة السجن مع وجبات الإفطار والسحور التي يعمل الأهالي على إدخالها لذويهم المعتقلين، حيث يتم خلط جانب منها وعدم التدقيق في إيصالها لأصحابها مما يحرم الكثير من المعتقلين من طعامهم.

ورغم وقف الزيارات ومنع إدخال أغلب الاحتياجات واللوازم، فإن ذلك لم يمنع إدارة السجن من زيادة حملات التفتيش للعنابر والزنازين، وهو الأمر الذي أثر -حسب المصدر- على روحانيات الشهر الكريم التي كان المعتقلون يتصبرون بها على ما يعانونه في السجن.

ووفقا لهذا المعتقل تقوم وزارة الداخلية ببيع الخضار واللحوم للمعتقلين داخل السجون بأسعار خرافية، مما يزيد من الأعباء المالية على أسر المعتقلين.

وفي هذا السياق، يؤكد خلف بيومي مدير مركز "الشهاب" لحقوق الإنسان أن معاناة المعتقلين وذويهم تزايدت بشكل ملحوظ في رمضان بسبب إصرار مصلحة السجون على عدم السماح بدخول الأطعمة بصورة مناسبة لظرف الصيام، فضلا عن التعنت في إدخال الأدوية إضافة لاستمرار منع التريض في عدد غير قليل من السجون.

وأشار بيومي -خلال حديثه للجزيرة نت- إلى أن انشغال العالم بوباء كورونا وتداعيته أثر بشكل سلبي على الاهتمام ومتابعة أوضاع المعتقلين وذويهم، وهو ما تستغله السلطات الأمنية ويدفعها لمزيد من التضييق والتعنت بحق السجناء.

وشدد بهذا السياق على أهمية حملات المناصرة للمعتقلين، ويرى أنها باتت في رمضان "فرضا وواجبا على الجميع" خاصة مع تفشي وباء كورونا الذي يهدد جميع السجناء نظرا للتكدس الشديد داخل السجون وندرة الأدوية والوقاية.

ولفت مدير مركز الشهاب إلى أهمية أن يكون ذلك من خلال حملات حقوقية وشعبية منظمة، والعمل على الترويج لها ونشرها على نطاق واسع حتى تؤتي ثمارها وتمثل ضغطا على النظام، إضافة إلى التواصل مع الجهات الدولية لإحاطتها بالوضع داخل السجون ومقار الاحتجاز.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان