وسط تربص كورونا بهم.. لم تتجاهل القاهرة النداءات المطالبة بالإفراج عن المساجين؟
أحمد رمضان-الجزيرة نت
نداءات حقوقية إقليمية ودولية وحملات شعبية تنادي جميعها بضرورة الإفراج عن السجناء في مصر، خوفًا من تفشي وباء كورونا المستجد داخل السجون وأماكن الاحتجاز المصرية، إلا أن نظام السيسي -حسب مراقبين للشأن المصري- يصم آذانه عن تلك النداءات، بل يزيد قبضته الأمنية، ويشن حملات اعتقال في محافظات عدة.
فقد تجاهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه الأخير -خلال تفقده عناصر ومعدات وأطقم القوات المسلحة المخصصة لمعاونة القطاع المدني في مكافحة فيروس كورونا المستجد- الحديث عن وضع السجون المصرية، والتكدس الواقع بها، وسبل حمايتها من تفشي الوباء داخلها.
كما لم يتطرق الرئيس المصري إلى النداءات -سواء من شخصيات وكيانات سياسية أو منظمات وجهات حقوقية- المطالِبة بالإفراج عن المساجين، واكتفى بالقول إن المواجهة ستظل مستمرة، ولن تنتهي مع ما وصفهم بـ"العناصر والفصيل الشرير"، مؤكدًا أنه يريد مصر خالية ممن وصفهم بـ"الأشرار"، على حد قوله.
ويرى المحامي والمحلل السياسي محمود إبراهيم أن تجاهل النظام المصري المطالبات بالإفراج عن السجناء، لأنها تتخذ شكلًا حقوقيًّا، لكن وراءها أهدافا سياسية، تريد التخفيف عن الجماعة السياسية التي وصفها السيسي بـ"الأشرار"، من أجل إظهار أن النظام يقدم تنازلت، وهو ما لن يحدث، على حد قوله.
وأضاف إبراهيم -في تصريح للجزيرة نت- أن النظام المصري استجاب بالفعل لنداءات سياسية طالبت بالإفراج عن معتقلين، وأفرج عن بعضهم، مثل حسن نافعة وحازم عبد العظيم و13 آخرين، "لكن ما زال البعض يصور أنه ما دام لم يتم الإفراج عن الإخوان فلم يتم إفراج، وهذا خطأ"، مشددًا على أن رسالة النظام المصري واضحة في ما يخص المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، وهي أنهم لن يخرجوا من السجون، سواء أتت جائحة كورونا أو غيرها، وتحت أي مسمى، سواء كان حقوقيا أو غيره، متسائلًا: هل قدم نظام السيسي أي تنازلات منذ قدومه للحكم، أو استجاب لأي ضغوط دولية مورست عليه؟
تجاهل النداءات
وانتقد سياسيون مصريون إصرار النظام المصري على تجاهل كافة النداءات السياسية والحقوقية المطالبة بالإفراج عن المساجين خوفًا من تفشي فيروس كورونا، فزعيم حزب غد الثورة المصري أيمن نور قال إن النظام في مصر يعتمد منهجا واحدا، وهو الالتفات عن كل ما ينادي به الرأي العام، "ويعمل على تنفيذ أجندة خاصة به ترتبط بفكرة القوة والقهر".
وأضاف المرشح الرئاسي الأسبق -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن "هذا النظام لا يسمع إلا نفسه، ويرى أنه في موقف قوة، ككل الأنظمة المستبدة، في حين يقف السيسي وحيدًا، فلم يعد حوله أحد من القوى المدنية والإسلامية والليبرالية، ويتجاهل كل الآراء ويتصرف من تلقاء نفسه، وفق إملاءات الأجندة الصهيونية والإماراتية".
وحول حديث السيسي عمن وصفهم بـ"العناصر والفصيل الشرير"، قال نور "هذه فكرة ساذجة، والسيسي لا يقصد بهم جماعة الإخوان فقط، بل إن كل من لديه وجهة نظر مختلفة في إدارة الوطن هو بالنسبة له من الأشرار"، مشددًا على أن هذه ورقة يستخدمها السيسي لإرهاب شرائح قليلة داخليًا، ودول إقليمية تدعمه نظير مواجهة الإسلام السياسي في الحكم، ويضطر لاستخدامها للترويج لنفسه عندما يشعر بأنه في لحظات ضعف، فهو يروج لنفسه أمام مسانديه الإقليميين والدوليين.
وأشار نور إلى أن العفو الشرْطي الأخير الصادر بمناسبة عيد تحرير سيناء وقدوم شهر رمضان اقتصر على عدد محدود من الجنائيين، وتم استثناء القطاعات الأكبر من سجناء الرأي والحرية، مؤكدًا أنه لا توجد لدى السيسي نوايا طيبة، ولكن حجم الأزمة سيضطره لاحقًا إلى اتخاذ قرار الإفراج عن المساجين، ولكن ربما يكون متأخرًا وبعد وقوع كارثة، وهذا ما لا يتمناه لأبناء الشعب المصري.
من جانبه، اتهم الكاتب الصحفي علاء الأسواني النظام المصري بارتكاب جريمة قتل جماعي لا تقل بشاعة عن قتل الأسرى وإحراق السجناء، مضيفًا أنه على عكس "البروباغندا" التي يمارسها النظام، فإن الحقيقة المؤسفة أن السجون المصرية تعاني من ازدحام السجناء وتكدسهم الشديد، كما أنهم يفتقرون إلى قواعد النظافة الأساسية والرعاية الطبية، لدرجة أن المرضى منهم يموتون داخل السجن بسبب منع العلاج عنهم.
قنبلة موقوتة
وأضاف الأسواني -في مقالٍ له- "المؤسف أن النظام المصري الذي يتخذ كل هذه الإجراءات لمنع الاختلاط والزحام يتجاهل في الوقت نفسه حقيقة أن السجون المصرية بحالتها الراهنة قنبلة موقوتة قد تؤدي إلى انتشار وباء كورونا ليس فقط في السجون، وإنما في مصر كلها".
وعلى صعيد استجابة نظام السيسي للمطالبات الحقوقية الدولية بالإفراج عن السجناء في السجون وأماكن الاحتجاز المصرية خوفًا من تفشي فيروس كورونا؛ قال أحمد بن شمسي مدير التواصل بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش إن الحكومة المصرية بالفعل أطلقت سراح معتقلين سياسيين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لكنها لم تصف ذلك بأنه استجابة لمخاطر فيروس كورونا.
وأضاف بن شمسي -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن معظم المفرج عنهم كانوا رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة، ولذلك كان إطلاق سراحهم أسهل مقارنة بعملية عفو عن سجناء محكوم عليهم، مشيرا إلى أنها "إفراجات تمت بصورة فردية ولا يمكن وصفها بالإفراج الجماعي، ولا تعبر عن سياسة للإفراج عن السجناء السياسيين، كما طالب بذلك حقوقيون كثيرون".
وأكد أحمد بن شمسي رصد منظمة هيومن رايتس ووتش أخبارا عن قيام الحكومة المصرية الأسبوع الماضي بإنشاء لجنة لبحث إطلاق سراح سجناء، ووضع شروط عديدة لمن سيتم إطلاق سراحهم، مشيرًا إلى أن هذه الشروط عمليًا تستبعد المعتقلين السياسيين.
من جانبه، طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر سلطات بلاده بالتوسع في ما وصفها بإستراتيجية الإفراج الصحي عن المحتجزين، خاصة كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وقال المجلس -في بيان له- عقب اجتماعه الشهري "مع تفهم المبررات التي تدعو إلى حظر الزيارات للسجون يتعين توخي بدائل لكافة الأسر للاطمئنان على ذويهم، مثل الاتصال الهاتفي، وإدخال احتياجات السجناء من الموارد المالية في حدود ما تسمح به اللوائح".
ومنذ الانقلاب العسكري، في يوليو/تموز 2013، يقبع آلاف المعتقلين السياسيين وأضعافهم ممن ينفذون أحكاما جنائية داخل السجون المصرية، في ظل أوضاع غير آدمية وإهمال طبي، وهو ما أدى إلى وفاة المئات منهم، وفق ما ذكرته عدة منظمات حقوقية محلية ودولية.