تايمز: حان عصر الاغتيالات بالذكاء الاصطناعي

من مكان اغتيال محسن فخري زاده نهاية الشهر الماضي قرب طهران (رويترز)

إذا كنت تريد أن تقتل ثعبانا فاقطع رأسه، كما يقول المثل العربي. بهذه العبارة استهل الكاتب الألماني روجر بويز مقاله في صحيفة تايمز (The Times) البريطانية تعليقا على حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، في عملية استُخدم فيها أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

يقول بويز إن الاغتيالات المحددة الأهداف تسعى إلى النتيجة ذاتها بقطع "رأس الأفعى"، وهو عنصر أساسي في حروب الظل في أرض الواقع.

وقد أحدثت الثورة في مجال التكنولوجيا العسكرية -المتمثلة في استخدام الذكاء الاصطناعي، والأساليب المتطورة في تعقب الضحايا المحتملين، والأسلحة الموجهة بدقة عن بعد- تحولا في قواعد وشروط الاغتيالات، إذ باتت "ميسرة وخيارا مغريا للغاية".

الإيغال في الاغتيالات

ويرى روجر بويز في مقاله أن على القادة العسكريين والمسؤولين في أجهزة الاستخبارات والسياسيين أن يجلسوا مع الخبراء في مجال قواعد السلوك والأخلاق ورجال القانون لمناقشة القيود التي تحد من الإيغال في الاغتيالات في العصر الجديد. لكنهم لم يفعلوا حتى الآن.

ويعتقد الكاتب الألماني أن اغتيال العالم الإيراني قد استوحيت من نص في التلمود البابلي يقول "إذا جاء شخص ما ليقتلك، فانهض واقتله أولا". ولربما كان ذلك هو المنطق وراء وضع مدفع رشاش يدار بواسطة أقمار صناعية في شاحنة صغيرة كانت تسير في أحد شوارع طهران أواخر الشهر المنصرم.

وما إن مرت السيارة التي تقل محسن فخري زاده -الملقب بأبي البرنامج النووي الإيراني- بالقرب من الشاحنة الصغيرة حتى انطلق الرصاص من المدفع الرشاش المتحكم فيه عن بعد، فخرّ العالم النووي صريعا.

اغتيالات رقمية

ولم تصب نيران المدفع زوجة فخري زاده، التي كانت تجلس بجانبه عند وقوع الحادثة. ويقول المحققون الإيرانيون إن ذلك يدل على أن خوارزمية الاغتيال غُذِّيت ببيانات التعرف على الوجوه. ولأن وجه الزوجة لا يتطابق مع تلك البيانات فقد نجت من الاغتيال.

وعلى الفور ألقت إيران بمسؤولية الاغتيال على الإسرائيليين. ويعتقد كاتب المقال أن تلك الرواية ربما كانت من نسج خيال طهران. فإذا كانت حادثة الاغتيال من تدبير قتلة أجانب كانوا في عين مسرح الجريمة -على سبيل المثال عملاء وحدة الاغتيالات التابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي المعروفة باسم "كيدون"- فإنها تمثل فشلا ذريعا لأجهزة مكافحة التجسس الإيرانية.

ومع ذلك فإن الرواية الإيرانية تبدو وجيهة، برأي روجر بويز. فالجيوش تمتلك بالفعل آليات إطلاق نار ذاتية التشغيل، ومن ثم ليس من الصعوبة تشفير الأسلحة التي تستخدم في إطلاق النار.

ومهما يكن من أمر اغتيال العالم النووي الإيراني، فإن فنون القتل بدأت تتغير في ظل "حروب التكنولوجيا الفائقة".

وينقل بويز عن أحد "أفضل" مؤرخي الموساد، ويدعى رونن بيرغمان، قوله إنه يتذكر اجتماعا عُقد في مقر الجهاز عند بدء الحملة السرية لاغتيال العلماء الإيرانيين بهدف إعاقة تقدم طهران نحو امتلاك قنبلة نووية.

وأضاف بيرغمان أنه يستذكر أن ضابطة في الموساد وقفت في ذلك الاجتماع لتقول إن والدها عالم يعمل في برنامج إسرائيل النووي، مشيرة إلى أن نمط التفكير السائد في جهاز الاستخبارات يعني أن "والدي ربما يكون هدفا مشروعا للتصفية".

ذرائع قانونية

وأضافت "أرى أن (هذا المنطق) ليس أخلاقيا ولا مشروعا". ورغم ذلك فإنها لم تربح النقاش، فقد كانت حجة الآخرين أن امتلاك إيران للقنبلة النووية يمثل خطرا وجوديا على إسرائيل، ولذلك اختلقوا ذرائع قانونية للاعتراض على رأيها.

ومع ذلك -يفيد مقال تايمز- فقد روعي مبدأ النسبة والتناسب في تنفيذ عمليات الاغتيال الموجهة. فالرصاص -بحسب بويز- لا يُطلق عشوائيا، وأفراد عائلة المستهدف تُستبعد بقدر الإمكان من معمعة الصراع، وسلامة عميل المخابرات تحظى بأهمية بالغة، ذلك أن لا أحد يريد أن يرى جسد ضباط من الموساد يتأرجح من على رافعة في وسط طهران، في إشارة إلى الإعدامات على الطريقة الإيرانية.

ويشير المقال إلى أن أقصى درجات الحذر كانت متوخاة في الماضي في الاغتيالات التي تتعاون فيها أجهزة المخابرات الإسرائيلية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA). وليس أدل على ذلك من اغتيال القائد العسكري في حزب الله اللبناني عماد مغنية في فبراير/شباط 2008.

بعيدا عن الأخلاق

وتوطدت علاقة التعاون بين الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أكثر في عهد الرئيس دونالد ترامب، وتجلى ذلك في اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بصاروخ موجه بالليزر من طائرة أميركية مسيرة.

واعتبر الكاتب أن قتل سليماني كان وسيلة من وسائل الإعدام في العالم الجديد، مضيفا أن الرسالة الموجهة للحلفاء مفادها أن أي دولة تمتلك تكنولوجيا أسلحة متطورة ودعما استخباراتيا تستطيع أن تتجنب الدخول في نقاش يتعلق بالجوانب الأخلاقية، وتقطع "رأس الأفعى" فقط لقدرتها على ذلك وليس بسبب أي خطر وشيك يتهددها.

المصدر : تايمز