أين ذهبت مليارات القذافي؟.. تحقيق هولندي يكشف أسرارا لافتة عن الأموال الليبية المسروقة
179 طائرة تجارية ليبية نقلت في الظلام مليارات الدولارات الليبية إلى جنوب أفريقيا عام 2011، بعد أن تبين للزعيم الليبي معمر القذافي وقتها جدية الثورة الشعبية، التي أطاحت به وبنظامه بعد أشهر قليلة من الثورة عليه.
وكشف تحقيق تلفزيوني للمخرجين ميشا ويسل وتوماس -أثار ضجة في هولندا- مصير مليارات الدولارات من الأموال الليبية المسروقة، وكشف نتائج لافتة بعد أكثر من 3 سنوات من تتبع خيوط عديدة حول العالم، من ضمنها حقائق وصفت بالخطيرة قدمها الفيلم التحقيقي "البحث عن مليارات القذافي"، والذي عرض مؤخرا على شاشة التلفزيون الهولندي الرسمي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي قضية تمويل القذافي حملته الانتخابية.. اتهام ساركوزي بتشكيل عصابة إجرامية
وجدوه جثة هامدة في النهر بفيينا.. هل مات رجل القذافي مقتولا أم كان غرقه طبيعيا؟
عندما يستجير الدكتاتور بالروائي.. "كلاب حراسة" القذافي في رواية "بلاد القائد"
وبحسب التحقيق، فإن القذافي لم يثق بالبنوك الدولية أو الشيكات المصرفية، وكان يجمع الدولارات الأميركية، والتي وزع كميات منها عندما اشتدت الأزمة في ليبيا على بلدان عدة، منها جنوب أفريقيا، حيث يقدر المال الذي وصل إلى هذا البلد الأفريقي وحده ب 12.5 مليار دولار.
ولم تكن نية القذافي -وفق مقربين منه كما كشف الفيلم- الهروب مع نقوده خارج ليبيا؛ بل كان يخطط لمواصلة الحرب على معارضيه من الخارج إذا اضطرته الظروف لترك ليبيا، وكان مخططه بأن الحرب ستطول، وأنها تحتاج لكثير من الأموال، التي كان يخزنها لسنوات في مخابئ خاصة في ليبيا، قبل أن يقرر أن يهربها لدول كان يملك فيها الكثير من الأصدقاء والنفوذ.
وليس من المعروف حتى اليوم مصير الكثير من هذه الأموال، حيث إنها جمعت في حاويات خاصة حال وصولها، ونقلت إلى مكان مجهول في جنوب أفريقيا، وتم حذف أي معلومات رسمية عن وصول الطائرات الليبية الخاصة من سجلات الطيران المدني، وضاع الكثير من الخيوط التي يمكن أن توصل إلى مكان المال الليبي المفقود.
جنوب أفريقيا.. المتهم الرئيسي
ويوجه الفيلم اتهامات الاستيلاء على الأموال الليبية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا، إذ تشير كل الدلائل إلى دوره في اختفاء هذه الأموال، والتي ربما تحتاج إلى جهد دولي لعودتها إلى مكانها البدهي في ليبيا، البلد الذي يعاني سكانه من أزمات اقتصادية كبيرة.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، شرح المخرجان أسباب اهتمامهما بالمال الليبي المفقود، بالقول إن القصة بدأت عندما كان توماس بلوم في ليبيا من أجل تصوير برنامج سفر للتلفزيون الهولندي قبل سنوات، حيث شاهد الفقر الكبير في البلد الغني بالموارد الطبيعية.
وأكد المخرجان أن بلوم سمع وقتها شائعات تتعلق بمصير الأموال الليبية، التي هربها القذافي قبل مقتله، ولا يعرف مكانها، وبدأ السؤال يكبر، "عندها قررنا أن نحقق بأنفسنا في مصير هذه الأموال".
ويرافق الفيلم شخصيات من جنسيات متعددة، بعضها جدلية وذات ماض إشكالي، وهي تبحث عن المال الليبي في جنوب أفريقيا طمعا في المكافأة، التي أعلنت عنها الحكومة الليبية قبل سنوات، والتي وعدت بنسبة 10% للشخص أو المؤسسة التي تعيد الأموال إلى ليبيا.
حيث أسالت ضخامة المكافأة (تصل إلى مئات الملايين من الدولارات) لعاب مجموعة من الشخصيات، منها من كان مقربا من النظام الليبي السابق، أحدهم رجل تونسي يدعى إريك جويد، والذي كان وسيطا في صفقات سلاح سابقة لهذا النظام.
وهناك من بدأ في جنوب أفريقيا نفسها جهودا داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، للضغط من هناك على الحكومة لإرجاع المال طمعا في المكافأة، رغم أن هذه الحكومة لم تعترف حتى اليوم بأن المالي الليبي قد وصل لبلادها.
مقتل الشاهد بعد مقابلته
ورغم أن السرية التامة تحيط وصول المالي الليبي في جنوب أفريقيا؛ إلا أن هناك من نجح في التقاط صور فوتوغرافية لـ"حاويات خشبية ليبية" وصلت جنوب أفريقيا، وتحوي داخلها دولارات أميركية، وقام بإرسال هذه الصور لمجموعة أشخاص منهم جاسوس صربي يعيش في جنوب أفريقيا.
نجح الفيلم في مقابلة هذا الشخص الصربي، والذي كشف عن صور فوتوغرافية للمال الليبي، الذي وصل إلى جنوب أفريقيا، بيد أن هذا الجاسوس لقي حتفه بعد أيام من تلك المقابلة على يد رجلين ما زلا مجهولين حتى اليوم.
وبعد أيام من الحادثة تلك، عثرت الشرطة الصربية على جثة رجلين، يرجح أنهما للقاتلين، بدون أن تتوصل الشرطة لأي أجوبة تخص عمليات القتل.
وفي سؤال للجزيرة نت للمخرج توماس بلوم عن أسباب التستر على مصير المال الليبي المسروق في جنوب أفريقيا، قال بلوم "كل الدلائل تشير إلى أن جاكوب زوما (رئيس جنوب أفريقيا بين عامي 2009 و2018) هو المسؤول عن قرار الاحتفاظ بالمال الليبي، وأن على الحزب الحاكم القيام بتحقيق شفاف في القضية؛ لأن هذا وحده هو الذي سيظهر الحقيقة.
وبحسب مخرجي الفيلم، فإن المسؤولين في جنوب أفريقيا رفضوا الظهور في الفيلم، كما أن كافة المستويات في بلادهم تنكر تهريب الأموال الليبية إليها.
المكافأة عقدت عمليات البحث
ويرى المخرج الهولندي أن وعد الحكومة الليبية بمكافأة لمن يعيد المال المنهوب إلى ليبيا قد عقد عمليات البحث عن الأموال وصعبها، يرى بلوم أن "حلول السلام في ليبيا هو الأهم اليوم، وبعد ذلك يمكن أن يتوجه وفد رسمي من ليبيا إلى جنوب أفريقيا للمطالبة بالمال الليبي، وعلى الحكومة الليبية ألا تعتمد على الباحثين عن المكافآت المالية".
ويستعيد الفيلم التحقيقي الهولندي تاريخ العلاقات الطويلة بين القذافي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، حيث ألهم زعيم الحزب الراحل نيلسون مانديلا القذافي لسنوات. كما أن الزعيمان التقيا بعد خروج مانديلا من السجن.
ورفض مانديلا في مناسبات عدة انتقادات غربية وجهت له لصداقته بالقذافي، حتى وصف الذي ينتظر من صديقه أن يكون عدوا لعدوه بالغباء السياسي.
كما أن القذافي ساهم ماديا في حملات حزب المؤتمر الوطني في انتخابات جنوب أفريقيا، وكان له نفوذ كبير في العملية السياسية. صحيح أن هذا النفوذ تضاءل مع حكم الرئيس ثابو مبيكي (2008-1999)، الذي رفض جهود القذافي للحصول على لقب ملك أفريقيا؛ إلا أنه عاد إلى حاله مع فترة حكم الرئيس جاكوب زوما.