نيويورك تايمز: إثيوبيا وإريتريا.. أعداء الأمس حلفاء اليوم يقاتلون عدوا مشتركا في تيغراي

لاجئون من إقليم تيغراي يبحثون عما يسد رمقهم (الفرنسية)

قالت صحيفة نيويورك تايمز The New York Times الأميركية إن قوات من إريتريا تخوض غمار الحرب المندلعة في شمال إثيوبيا بين الجيش الحكومي وجبهة تحرير شعب تيغراي.

وأضافت الصحيفة في تقرير نقلا عن مسؤولين وشهود عيان أن القوات الإريترية عاثت خرابا ودمارا في معسكرات اللاجئين، مرتكبة انتهاكات لحقوق الإنسان.

ومع احتدام المعارك الشهر الماضي في إقليم تيغراي (شمالي إثيوبيا) حطت مجموعة من الجنود الرحال في هيتساتس، وهي قرية صغيرة تحيط بها تلال وعرة تؤوي لاجئين في مخيم يقدر عددهم بنحو 25 ألف شخص.

وأوضحت الصحيفة في تقرير لاثنين من مراسليها في نيروبي أن أولئك اللاجئين قدموا من إريتريا -التي تقع حدودها على بعد 48 كلم من تلك المنطقة- في نزوح جماعي "هربا من حكم زعيمهم المستبد (أسياس أفورقي) الذي يعد أحد الطغاة الأطول حكما في أفريقيا".

وبعد أن ظن اللاجئون أنهم في مأمن بإثيوبيا إذ بالجنود الإريتريين يقتحمون مخيمهم في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وما لبث أن سادت الفوضى وأعمال السلب والنهب وأريقت الدماء لعدة أيام، وانتهت تلك الحالة بأن فرز الجنود عشرات من اللاجئين وأجبروهم على عبور الحدود والعودة إلى إريتريا، وفق روايات عدد من روايات شهود عيان.

لكن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ظل طوال أسابيع ينفي أن جنودا من إريتريا -الدولة التي ناصبت بلاده العداء ردحا من الزمن وخاضت حربا ضروسا ضدها- دخلوا إقليم تيغراي، حيث يقاتل الجيش الحكومي الإثيوبي منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لقمع تمرد القادة المحليين هناك، وتحديدا جبهة تحرير شعب تيغراي.

تنسيق إثيوبي إريتري
وتقول الصحيفة إنها أجرت مقابلات مع عدد من عمال الإغاثة واللاجئين ومسؤولين من الأمم المتحدة ودبلوماسيين -من بينهم مسؤول أميركي كبير- والذين أكدوا أن جنودا إريتريين يقاتلون في تيغراي بالتنسيق على ما يبدو مع قوات آبي أحمد التي تواجه اتهامات ذات مصداقية بارتكاب فظائع ضد المدنيين.

ومن بين الذين استهدفتهم تلك القوات لاجئون كانوا قد فروا من إريتريا و"زعيمها الفظ" أسياس أفورقي.

واعتبرت نيويورك تايمز أن نشر قوات إريترية في تيغراي ساهم في تشويه سمعة آبي أحمد الذي لمع نجمه العام الماضي بعد نيله جائزة نوبل للسلام عرفانا بجهوده في تحقيق السلام مع دولة إريتريا ورئيسها أفورقي.

غير أن أوول أللو أستاذ القانون بجامعة كيل في بريطانيا وأحد مؤيدي آبي أحمد السابقين قبل أن يتحول إلى ناقد له قال إن رئيس الوزراء الإثيوبي "استقدم دولة أجنبية لتقاتل ضد شعبه، وعواقب ذلك وخيمة".

ويشدد رئيس الوزراء آبي أحمد على أنه كان مرغما على حشد جيشه بسرعة في تيغراي بعد تمرد قادة الإقليم على حكومته، وهم الذين سيطروا على البلاد طوال 27 عاما، قبل أن يتولى آبي أحمد زمام الحكم.

ومنذ ذلك الحين والحملة العسكرية ضد قادة تيغراي يقودها خليط من قوات تشكلت من الجيش الاتحادي ومليشيات عرقية وجنود من إريتريا.

ونقلت نيويورك تايمز عن عمال إغاثة قولهم إن الجنود الإريتريين في قرية هيتساتس اشتبكوا في بادئ الأمر مع مليشيات محلية من تيغراي في معارك دارت رحاها في مخيم اللاجئين وأسفرت عن مقتل العشرات، من بينهم 4 إثيوبيين كانوا يعملون مع لجنة الإنقاذ الدولية ومجلس اللاجئين الدانماركي.

وتفاقمت الفوضى بعد أيام من تلك المعارك، وانهمك الجنود الإريتريون في أعمال سلب ونهب شملت مواد الإغاثة، وسرقوا السيارات وأضرموا النار في الحقول الزراعية ومنطقة الأحراش المجاورة التي كان يحتطب فيها اللاجئون، ولم يسلم حتى خزان المياه الرئيس في المخيم من الخراب.

وطلبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من القوات الإريترية مغادرة إقليم تيغراي فورا بعد انتشار أنباء عن عمليات سلب ونهب وقتل وجرائم حرب محتملة أخرى.

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها إلى أن إثيوبيا وإريتريا كانتا عدوتين لدودتين، حيث خاضتا غمار حرب مدمرة على حدودهما في أواخر تسعينيات القرن الماضي أزهقت أرواح 100 ألف شخص.

Eritrean Issaias Afeworki meets with Iranian President Mahmoud Ahmadinejad in Tehran on May 19 ,2008. Afeworki is on a two-day official visit to Iran.
أفورقي هو المنتصر الأكبر في هذه الحرب (الفرنسية)

المنتصر الأكبر
وسبق أن أعلن آبي أحمد انتصاره في تيغراي، نافيا سقوط قتلى من المدنيين، وهو ما اعتبرته الصحيفة الأميركية ادعاء "لا يمكن تصديقه".

أما المنتصر الأكبر -برأي الصحيفة- فهو أفورقي حليف آبي أحمد، فمنذ أن اعتلى سدة الحكم في 1993 اكتسب الرئيس الإريتري صيتا باعتباره "شخصية مستبدة عديمة الرحمة ويتدخل في شؤون الدول الأخرى لممارسة نفوذه".

فقد دعم في وقت من الأوقات حركة الشباب المجاهدين "الإسلامية المتطرفة" في الصومال، مما جلب عليه عقوبات أممية، قبل أن يتحول ولاؤه إلى الإمارات التي يصفها التقرير بالدولة التي تكن كراهية للإسلاميين.

وبعد إبرامهما اتفاقية السلام بين بلديهما توثقت علاقة آبي أحمد وأفورقي مع بعضهما وزادها ارتباطا عداؤهما المشترك لحكام تيغراي، على حد تعبير الصحيفة.

وكان لكليهما أسبابه التي دفعته لعدم الثقة في أقلية التيغراي، فبالنسبة لآبي أحمد تشكل جبهة تحرير شعب تيغراي خصما سياسيا خطيرا، إذ ما إن أصبح رئيسا للوزراء حتى بدأت تستخف بسلطته على الملأ.

أما بالنسبة لأسياس أفورقي فإن عداءه لتيغراي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي عندما كانت إريتريا تقاتل من أجل الاستقلال عن إثيوبيا، واتسعت رقعة الخلافات بعد عام 1991 عندما نالت إريتريا استقلالها وتولت جبهة تحرير شعب تيغراي زمام الأمور في إثيوبيا، مما أشعل جذوة حرب حدودية مدمرة بين الدولتين.

المصدر : نيويورك تايمز

إعلان