رحلة تشرد وكمين لصوص وانتظار طويل.. أخيرا هولندا تمنح عائلة عراقية اللجوء
كان يبحث عن الأمان وكانت تتطلع إلى الحرية، حلمان جازف العراقيان أحمد (32 عاما) وزوجته علياء (31 عاما) بكل شيء لتحقيقهما، فقد بدآ رحلة الهجرة في 2015 ليستقرا حديثا في هولندا بعدما حصلا على وضع لاجئين هما وطفلهما ذو الخمس سنوات.
في خريف العام 2015، فرّ أحمد وعلياء وابنهما آدم الرضيع في شهره الرابع من العراق للانضمام إلى نحو مليون مهاجر توجهوا إلى السواحل الأوروبية بحثا عن حياة أفضل.
وكادا يموتان في البحر، وشعرا بفقدان كرامتهما على طريق البلقان، وعاشا متخفيين، وعانيا من الانتظار الطويل لحق اللجوء في هولندا، إلى أن جاء اليوم الذي أصبح لهما منزل خاص بهما في هولندا.
مساعي أحمد وعلياء -اللذين فضلا عدم كشف هويتهما لأسباب أمنية- تكللت بالنجاح عندما تلقت علياء في أغسطس/آب 2019 اتصالا هاتفيا يخبرها بحصولها على وضع لاجئة في هولندا. ويؤكد المحامي الذي يساعدها في إجراءاتها، أنه في إطار هذه العملية سيكون لزوجها وابنها حق اللجوء تلقائيا.
ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياة العائلة الصغيرة، وقالت علياء "كانت لحظة فرح أقوى من الفرح بزواجنا".
في الأسابيع التالية، حصلت الأسرة على تصاريح الإقامة وتصاريح السفر ولم تعد غير قانونية. بات لديهما الحق في الحصول على منزل وكسب المال والحياة بشكل طبيعي.
وقال أحمد "أخيرا حصلنا على كل ما أردناه.. حياة طبيعية مثل أي عائلة أخرى في هولندا".
رأيت الموت
بعد خطبتهما في 2014 دعا أحمد علياء ذات يوم إلى تناول العشاء في مطعم في بغداد، وفجأة انفجرت قنبلة وقتل زبائن حولهما، وجرحت علياء بوجهها الذي ما زال يحمل ندوبا. وقال أحمد "في ذلك اليوم، رأيت الموت. لو جلسنا إلى طاولة أخرى لما كنا نجونا".
في بغداد، كانا يعيشان الحياة العادية لزوجين شابين من الطبقة المتوسطة. هو يدير محلا لبيع الملابس الراقية، وهي ابنة أستاذ جامعي، وهما قريبان من عائلتيهما ولديهما مجموعة من الأصدقاء.
وأطلقت ولادة آدم في 2015 إجراءات الرحلة نحو الغرب، فباع أحمد محله وعقارا كان ورثه.
اليوم، تعيش علياء وأحمد وآدم في منزل صغير من 3 غرف مكسو بالبلاط البني مع حديقة في بلدة دويفن المحاطة بالأشجار قرب الحدود مع ألمانيا.
ويبتسم أحمد قائلا "نجحنا"، في وقت يشرب فيه القهوة بالحليب تحت أشعة شمس الخريف التي تتسرب عبر نوافذ غرفة المعيشة الكبيرة.
ولأنهما يتمتعان بوضع اللاجئين فهما يتلقيان بدلا شهريا مقداره 1400 يورو، وحصلا على قرض بقيمة 3500 يورو من بلدية دويفن لإصلاح منزلهما. وهما يدفعان الآن رسوم الإيجار والضمان الاجتماعي والتأمين والكهرباء. ويتلقيان دروسا في اللغة الهولندية.
أما ابنهما فسيبلغ قريبا الخامسة من العمر، يتحدث بطلاقة الهولندية والعربية والإنجليزية. ويقول إنه "نصف عراقي ونصف هولندي". كل صباح، يركب دراجته متوجها إلى المدرسة.
وتقول مديرة المدرسة التي يذهب إليها، إن طفولته لم تكن تقليدية لكنه في وضع جيد. وتضيف "آدم طفل مثل أي طفل آخر. يريد اللعب في الخارج وبناء صداقات".
رحلة من العذاب
مع وصولهما إلى اليونان عن طريق البحر، بدأت معاناة العائلة بدءا من عبور الحدود الصربية المجرية لدخول الاتحاد الأوروبي. ففي خريف 2015، أقامت المجر أسلاكا شائكة هناك لاحتواء التدفق المستمر للمهاجرين القادمين من البلقان. إذا قبض عليهما، فسيوضعان في مركز احتجاز.
لذلك، توجّب على علياء وأحمد أن يضعا مصيرهما في يدي مهرّب نقلهما أثناء الليل مع آخرين إلى وسط حقل حيث تعين عليهما النجاة من سارقي اللاجئين والشرطة المجرية على حد سواء.
واستطاعت هذه المجموعة التي تتقدم بصمت وتضم نساء وأطفالا، النجاة بصعوبة من كمين، حيث كان رجال يتنكرون بملابس شرطة يستعدون لمهاجمتهم. استخدم بعض المهاجرين غصون الأشجار للدفاع عن أنفسهم، في حين تفرق آخرون. فاختفى المهاجمون أخيرا في الظلام.
خطواتهما الأولى في أوروبا التي كانا يحلمان بها، جعلتهما مضعضعين. في بودابست، لا توافق الفنادق على تأجير غرفة للمهاجرين، مما دفعهما للنوم في الشارع مع طفلهما، وفي غضون أسبوع، تبخرت مدخراتهما.
الوصول لهولندا
وكان الوصول إلى هولندا مصدر راحة على اعتبار أن لهم أقارب هناك، غير أنهم فوجئوا بعدم الترحيب، وهذه كانت بداية رحلة تشرد استمرت 4 سنوات نقلا خلالها من مخيم إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، وكانا ضائعين في متاهة من الإجراءات الإدارية اللامتناهية.
حياتهما معلقة على خيط الأمل في الحصول على حق اللجوء الذي من دونه لا يمكنهما العمل أو استئجار منزل أو التخطيط للمستقبل. طلبهما رفض مرتين، واستأنفا في المرتين، لكن من دون جدوى. وصلا إلى الحضيض. فقد عاشا مختبئين لمدة عام من دون وثائق، مجبرين على التوسّل من أجل الحصول على مبيت عند معارفهما مع شعور بأنهما فقدا كرامتهما.
بأمان
يحب أحمد هولندا والمناخ الرطب الذي تتمتع به البلاد، وقال وهو يجلس في حديقته تحت رذاذ المطر "إنها بلاد خضراء جميلة".
شيئا فشيئا، اعتاد الزوجان على نظم العيش في البلاد. بدآ شراء مستلزماتهما من "سوبر ماركت" أسعاره معقولة في الحي حيث يقطنان، لكنهما يجلبان الخبز والتوابل العربية من بلدة أرنهيم المجاورة.
ورغم وباء كوفيد-19 والعزلة المصاحبة له، أقام الزوجان روابط مع آباء الأولاد الذين يرتادون مدرسة ابنهما.
وما زالت تراود أحمد المندهش بحياته الجديدة في هذا البلد، الذي تلقى في العام 2015 نحو 58 ألفا و880 طلب لجوء وفقا لدائرة الهجرة والجنسية الهولندية، أسئلة في بعض الأحيان: هل كان الأمر يستحق تعريض نفسي للخطر للوصول إلى هذا المنفى في أوروبا؟
من جهتها أصبحت علياء امرأة ديناميكية وواثقة من نفسها ومستقبلها. لم تعد تلك المرأة التي شككت في اختيار المغادرة والتي كانت خائفة ومختبئة وراء زوجها في رحلة الهجرة.
في بعض الأحيان، يتغلب عليها الحنين إلى الوطن. عندما تتحدث عن عائلتها في العراق، تنهمر الدموع من عينيها. لكنها اليوم "لم تعد تشعر بأي ندم" على المغادرة.
وهذا لا يمنعها من التمسك بجذورها العراقية ورغبتها في نقلها إلى ابنها بإخباره بقصص عن بلدها الأم باللغة العربية، وقالت "سيكبر هنا لكن عليه أن يعرف من أين أتى".