منتظر الزيدي للجزيرة نت: لو عاد بي الزمن للوراء لرميت بوش بالحذاء رفضا لاحتلال العراق

US President George W. Bush Visits Iraq
بوش (يسار) لحظة تلافيه حذاء الزيدي (غيتي)

قبيل انتهاء فترة ولايته الثانية بأسابيع، قام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بزيارته إلى العراق، في 14 ديسمبر/كانون الأول 2008، بهدف توديع جنود بلاده، وتوقيع الاتفاقية الأمنية مع بغداد.

وخلال المؤتمر الصحفي للضيف مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، عقب توقيع الاتفاقية، تفاجأ الجميع بفردتي حذاء تنهال على بوش أطلقهما الصحفي منتظر الزيدي، مما أثار ردود فعل عالمية واسعة.

اعتبر الزيدي رشقة الحذاء وسيلة لإيصال رسالة بأن الشعب العراقي عظيم يرفض الظلم - الجزيرة نت
الزيدي اعتبر أن رشقة للحذاء بوجه بوش تحمل رسالة بعدم الترحيب به على اعتبار أنه محتل (الجزيرة نت)

زيارة الوداع
وكانت هذه الزيارة مفاجئة، ومن أبرز أجنداتها التوقيع على الاتفاقية الأمنية واتفاقية الإطار الإستراتيجي مع حكومة المالكي، بحسب هذا الصحفي العراقي.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح الزيدي أن زيارة بوش لم يعلن عنها، وتم جمع السياسيين والسلطات الثلاث، وجاءت بدون أي موعد مسبق، مضيفا أن العراقيين ينظرون إلى بوش وإدارته بأنهم السبب الرئيس بما جرى ويجري في البلاد، وخاصة الفتنة الطائفية وتقسيم العراق إلى أقليات وقوميات ومذاهب.

واعتبر الزيدي أن كل ما يجري في العراق من فساد تتحمله إدارة بوش، لأنها جلبت أسوأ ما كان، على حد تعبيره.

ويشير الباحث السياسي مجاهد الطائي إلى أن زيارة بوش الرابعة والأخيرة إلى العراق كانت مختلفة، لأنها انتهت بحادث رشقه بفردتي حذاء الزيدي.

وأوضح أن زيارة بوش جاءت لإتمام الاتفاقية الأمنية التي تتضمن الانسحاب من هذا البلد وإنجاز مهمة مشروع الجمهوريين الجدد آنذاك باحتلال العراق، وضمان السيطرة على مصادر الطاقة وطرقها، وموقعه الجيوسياسي المهم في المنطقة لقرن جديد.

ويبيّن الطائي، للجزيرة نت، أن موقف العراقيين عموما رافض للوجود الأميركي وأي وجود أجنبي آخر. لكن وفق المعادلة السياسية العراقية، فهناك لاعبان رئيسيان هما واشنطن وطهران، ورحيل أي طرف سيعني تنامي نفوذ وسطوة الطرف الآخر، وهذا ما أدركه العراقيون.

وتنص الاتفاقية الأمنية -التي وقعت بشكل رسمي بين وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري والسفير الأميركي رايان كروكر، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2008- على انسحاب القوات الأميركية "المقاتلة" من داخل المدن والقرى العراقية قبل نهاية يونيو/حزيران 2009، وانسحاب جميع تلك القوات قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011، لتتسلم القوات العراقية كامل المسؤولية الأمنية.

حذاء الزيدي
وحول سبب قيامه برشق بوش بحذائه، يقول الزيدي "أردت، من خلال هذه الطريقة ودلالاتها في الإهانة بالموروث العربي، أن أقول للعالم أجمع إن الشعب العراقي لا يستقبل المحتل بالورد، وإنما يستقبله بأسوأ ما يوجد، وهو الرفض بكل أنواعه".

ويفيد الزيدي بأنه خطط لهذا الأمر مسبقا، حيث كان يفكر في إيصال رسالة مفادها أن العراقيين شعب عنيد وعظيم يرفض الظلم ويرفض الحيف.

ويسترسل "قلت لهم في مكتب قاضي التحقيق (بعد الاعتقال من قبل السلطات العراقية) لم اعتذر ولو عادت عقارب الساعة سأكرر هذا الفعل، وكنت وقتها مضرجا بالدماء ومعذّبا لـ 3 أيام."

وشدد الزيدي على أن الغضب العراقي من الوجود الأميركي كان منذ اليوم الأول للغزو، ولم تهدأ المقاومة، ويردف بالقول "كنت انعكاسا لإرادة الشعب ولست منفردا فيها".

المساري رأى أن حادثة قذف بوش رسالة معبّرة عن رفض الشعب للاحتلال (الجزيرة نت)

قوة محتلة
من جهته يلفت القيادي السياسي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أحمد المساري إلى أن الشعب العراقي كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها قوة محتلة، ولذلك تعامل العراقيون معهم كمحتلين.

ويضيف للجزيرة نت: كانت هنالك المقاومة العراقية التي واجهت الاحتلال الأميركي، وما قذْف بوش بالحذاء من الزيدي إلا رسالة معبّرة عن رفض الشعب للاحتلال.

وفي نفس السياق، عاد الطائي ليوضح أن الغضب العراقي تنوع ضد الوجود الأميركي آنذاك، واتخذ أشكالا عدة كالمقاومة المسلحة ورفض النظام والعملية السياسية، أو (عملية) رشق بوش بالحذاء التي وصفها بأنها "قبلة الوداع" لآخر زيارة لبوش.

الردود الشعبية والرسمية
ردود الفعل الشعبية كانت أكثر من الرسمية في العراق. لكن على المستوى العالمي، كانت هنالك ردود فعل شعبية ورسمية كبيرة خصوصا من الدول المناوئة للغزو الأميركي للعراق، بحسب الزيدي.

وحول النُصب التذكارية والعروض التي تلقاها، يقول الزيدي "لست عارض أزياء حتى أذهب للعرض الأفضل، أو أخرج من المعتقل لأطلب اللجوء أو أقبل باللجوء، حتى عندما عرض لي اللجوء إلى سويسرا رفضته، أنا صاحب قضية وصاحب مبادئ، والمبادئ لا تتجزأ".

وأعرب الزيدي عن أسفه لقيام البعض باتهامه بأنه تابع لأجندة أميركية، لأنه شارك في الاحتجاجات الشعبية، وأنه قال للذين جاؤوا مع القوات الأميركية من الفاسدين: اتركوا السياسة واتركوا المناصب التي لا تستحقونها، على حد قوله.

أكد البلداوي أن النواب العراقيين رفضوا منح الحصانة للقوات الأميركية من خلال الاتفاقية - الجزيرة نت
البلداوي أكد أن النواب العراقيين رفضوا منح الحصانة للقوات الأميركية (الجزيرة نت)

الاتفاقية الأمنية
وفيما يخص الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، يقول النائب عن "تحالف الفتح" محمد البلداوي إن بنودها كانت تتعلق بموقف القوات الأميركية القتالية الموجودة على الأراضي العراقية في ذلك الوقت.

ويضيف للجزيرة نت أن الاتفاقية نصت على انسحاب هذه القوات وتسليم جميع القواعد، بما فيها المشيدات على الأراضي العراقية.

ويكشف البلداوي أن أهم ما في الاتفاقية كان هو شرط الولايات المتحدة بمنح الحصانة لقواتها، وهو ما رفضه النواب، وبالتالي كانت النتيجة خروج هذه القوات، وتسليم القواعد المشيدة، واقتصر دورها على قضايا التعاون فيما يتعلق بالتدريب والتسليح والدعم اللوجستي والأمني.

وتعهدت الولايات المتحدة بدعم العراق في حال تعرّضه لخطر وحماية أمنه وسيادته، خاصة بما يتعلق بالأجواء العراقية.

ويعود المساري فيقول إن الاتفاقية كانت مهمة جدا، لكون العراق لم يكن فيه مؤسسات دولة حقيقية وقتها، وخاصة المؤسسات الأمنية، والحكومات في ذلك الوقت لم تكن إداراتها صحيحة، فكانت الاتفاقية ضرورية لمنع خلق فراغ أمني في البلاد.

أما الباحث السياسي فراس إلياس، فيرى أهم الأسباب التي دفعت العراق والولايات المتحدة لإبرام هذه الاتفاقية هو الظروف التي صاحبت الغزو الأميركي، وبروز القوى الرافضة لهذا الوجود العسكري المباشر، وتصاعد حدة العمليات العسكرية، وضعف سيطرة الحكومة العراقية، وهو ما مهد الطريق للبحث عن صيغة جديدة تؤطر العلاقات بين البلدين.

وقد واجهت الاتفاقية الأمنية رفضا مستمرا من بعض القوى السياسية والشعبية. وعن سبب هذا الرفض، يعرب إلياس للجزيرة نت عن اعتقاده بأنه يتمثل برؤية هذه القوى إلى حكومة المالكي بأنها لم تكن موفقة في الوصول لنتائج حاسمة فيما يتعلق بالوجود الأميركي في البلاد.

إلياس يرى أن الاتفاقية الأمنية أنتجت تداعيات خطيرة على الواقع العراقي (الجزيرة نت)

تداعيات وتحذيرات
تداعيات خطيرة أنتجتها الاتفاقية الأمنية على الواقع العراقي، كونها مهدت لانسحاب أميركي "غير مسؤول" -كما يرى إلياس- وكانت نتيجة ذلك: نجاح إيران في ملء الفراغ الأمني الذي خلفته الولايات المتحدة.

ويضيف الباحث السياسي أن هذه الاتفاقية أفسحت الطريق أمام اعتماد سياسات إقصائية وتهميشية ضد الشركاء، وهيأت البيئة لبروز التنظيمات والمليشيات المسلحة.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة عادت مرة أخرى عبر بوابة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. وبعد نهاية الحرب على التنظيم، بدأ الحديث اليوم عن حوار إستراتيجي عراقي أميركي لإعادة ترميم العلاقات الأمنية التي لم تتمكن الاتفاقية الأمنية السابقة من ترميمها.

وعاد البلداوي محذرا من تداعيات استمرار وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، لكونه يصنع حالة من النزاع.

ويضيف: نحن نريد اليوم بناء العلاقات مع جميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة، على أساس احترام سيادة العراق، وأن تكون هنالك دوافع وأيضا عوامل مشتركة تحكم هذه السياسة.

ويتابع: كما أن هناك أسبابا خارجية، وتحديدا إيرانية، والتي كانت ترى في الاتفاقية تمهيدا لوجود أميركي طويل الأمد في العراق، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي.

أما المساري فيرى أن الاتفاقية كانت مهمة جدا، لكون العراق لم يكن فيه مؤسسات دولة حقيقية وقتها، وخاصة المؤسسات الأمنية، والحكومات في ذلك الوقت لم تكن إداراتها صحيحة، فكانت الاتفاقية ضرورية لمنع فراغ أمني في العراق.

المصدر : الجزيرة