الإسلاموية.. كيف يتتبع المحققون من يدافع عن الإرهاب على الإنترنت

كل شيء يبدأ بنقرة بسيطة لإبداء "إعجاب" أو الضغط على صورة منشورة على تويتر، ففي أعقاب هجمات كونفلان سانت أونورين ونيس، قامت وحدات مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لقوات الدرك الوطنية بمسح مختلف المنصات والشبكات الاجتماعية بدون كلل، وذلك بهدف الكشف عن الملفات الشخصية المشبوهة، والتحقيق فيها لتقديمها إلى العدالة الفرنسية.
بهذا الملخص بدأت صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية تحقيقا بقلم فينسان جولي، قالت فيه إن محققي التكنولوجيات الجديدة من خلية محاربة الجريمة الإلكترونية في لوار وشير، التقطوا إشارة متميزة في الأيام التي أعقبت هجوم كونفلان سانت أونورين، وسط محيط افتراضي من رسائل الكراهية والإهانات.
وأوضح الكاتب أن هذه الإشارة التي كانت على شكل إعجاب بمنشور يظهر فيه الأستاذ صامويل باتي مقطوع الرأس، أوصلت المحققين بعد متابعة بقية الملف التعريفي لصاحب الإعجاب إلى النتيجة، التي على أساسها قرر المدعي العام لبلوا إجراء تحقيق أولي عُهد به إلى لواء المخابرات الإدارية والتحقيق القضائي في أورليان.
واعتبرت الصحيفة أن الشروع في هذا التحقيق أمر بالغ الأهمية؛ لأن محققي التكنولوجيات الجديدة حتى ذلك الحين، كانوا يعملون فقط على المصادر المفتوحة؛ أي يقومون بجمع البيانات ويحللونها باستخدام مصادر المعلومات العامة، مثل أي مواطن عادي لديه هاتف أو حاسوب.
ويسمح الدخول في هذا التحقيق -كما يقول الكاتب- بطلب بيانات غير عامة تسمح بتحديد هوية المشتبه فيه (22 عاما) ويعيش في بلوا، وهو من أصل شيشاني، وقد كان بالفعل موضع إدانة عام 2017 بتهمة الدفاع عن أعمال إرهابية خلال هجمات شارلي إيبدو، وبعد اعتقاله تم اكتشاف العديد من الأسلحة والأسلحة البيضاء والذخيرة في منزله.
وصحيح -كما تقول الصحيفة- أن أسبوعا كاملا مر بين لحظة اكتشاف الإعجاب ولحظة توقيف الإرهابي، وهو ما يراه العامة وقتا طويلا، "غير أننا لسنا في فيلم "ماينوريتي ريبورت" (Minority Report)" كما يقول العقيد صمويل جوغيه، قائد المجموعة في درك بلوا، في إشارة إلى فيلم تتيح فيه التكنولوجيا المستقبلية صد المجرمين قبل ارتكابهم الجرائم.
انفصال بين الواقع والمتخيل
وأشار العقيد إلى أن عامة الناس نشأ لديهم انفصال حقيقي بين الخيال وواقع التكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيا المعلومات، الذي تمت صياغته لديهم من خلال القصص التي تحاول يائسة صنع شيء مذهل من شيء ليس كذلك، حيث أصبح الشخص العادي يظن الحرب ضد الجريمة الإلكترونية والأنشطة المرتبطة بالإرهاب، تتم بالطريقة نفسها التي يراها في الأفلام.
وأوضح جوغيه أنه "في حالة كونفلان سانت أونورين أو نيس أو الفرد الذي استجوبناه، يجب أن نفهم أننا نتعامل مع أفراد متطرفين، يبدؤون التنفيذ بين عشية وضحاها بدون سابق إنذار تقريبا، ولم نعد نواجه خلايا كما حدث في هجمات شارلي إيبدو أو باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015".
كيف تكتشف وتمنع وتتعقب المجرم إن لم يكن على الرادار؟ كما يتساءل العقيد، مشيرا إلى أن ملفات "S" (إس) الشهيرة، التي أصبحت كثيرة الاستخدام في البرامج التلفزيونية عند إجراء أي نقاش حول التهديد الإرهابي، ليست هي لب المشكلة؛ بل هي مجرد أداة بسيطة للمراقبة والمتابعة، وهي ملف يتعلق بأي شخص "خاضع للمراقبة لمنع تنفيذه تهديدا خطيرا للأمن العام أو أمن الدولة، عندما تتوفر معلومات أو أدلة حقيقية تجاهه".
ونبه العقيد إلى أن هذا النطاق واسع، ويمكن أن يشمل أي معتقل سابق أو بعض المناضلين أو نشطاء البيئة المتطرفين، وهم أشخاص يرسلون إشارات ضعيفة قبل التصرف، وبالتالي يجب أن تكون الإستراتيجية مختلفة تماما معهم عن هذا النوع الجديد من الإرهاب.
وكما هي الحال بالنسبة لبقية الجرائم الإلكترونية، فإن تنظيم مكافحة هذا النوع من الجرائم من الدرك الفرنسي يتخذ بنية هرمية كلاسيكية تتوزع على الأرض على 3 مستويات، مركزي وإقليمي ومحلي؛ لأن الإنترنت والشبكات الاجتماعية تحفظ دائما الموقع الجغرافي للأشخاص الذين يستخدمونها، وبالتالي لا يمكن في مكافحة الجرائم الإلكترونية تجاهل أي نوع من المنطق الجغرافي.
وعليه تكون الحلقة الأولى في أسفل السلسلة، هي الكشافة التي يلقى بها على هذا الطريق العام الرقمي، وتتمثل في محققي التكنولوجيات الجديدة، وهم من الدرك المتخصصين في التحقيقات والجرائم الرقمية، بعد دخولهم دورة تدريبية مدتها 18 شهرا، يمكنهم بعدها تدريب "مراسلي محققي التكنولوجيات الجديدة"، وهم دركيون سيكونون قادرين على مساعدتهم من وقت لآخر في أنشطة المراقبة، خاصة خلال اللحظات الحساسة مثل هجمات كونفلان ونيس.
مراقبة النشاط عبر الإنترنت
ويقول توماس، الخبير في هذا المجال إن "أساس عملنا هو حقا المعلومات المفتوحة؛ أي الشبكات الاجتماعية والفضاء الرقمي، الذي يعرفه الجميع من فيسبوك إلى تويتر إلى إنستغرام، وغيرها"، إضافة إلى ذلك، يقول العقيد جوغيه "تقوم الشرطة بدوريات على الطريق العام، يقوم رجالنا بدوريات على الطريق العام الرقمي السريع".
أما في أعلى السلسلة، فهناك منصة "فاروس" (Pharos)، وهي منصة لمواءمة التقارير وتحليلها ومقارنة وتوجيه البلاغات، وهي التي تستخلص هذه البلاغات التي يقدمها المواطنون للفروع الإلكترونية للشرطة الوطنية والدرك، وسيتم تعزيزها قريبا بإنشاء قطب قضائي في مكتب المدعي العام في باريس مخصص لمحاربة الكراهية عبر الإنترنت.
وتقول الصحيفة إن مكافحة الجرائم الإلكترونية، وخاصة الإسلام عبر الإنترنت، ليس مسألة حرب في دركات الشبكة المظلمة، "فاليوم، ما نلاحظه لا يسمح لنا بالقول إن الويب المظلم هو الناقل الرئيسي للجرائم الإلكترونية المرتبطة بالإرهاب أو دعمه؛ بل هي الشبكات الاجتماعية التقليدية"، كما تقول العقيد فابيان لوبيز، رئيسة مركز مكافحة الجرائم الرقمية.
"وتتمثل مهمتنا -كما تقول العقيد- في اكتشاف السلوكيات التي يمكن اعتبارها دفاعا عن الإرهاب، ثم دفع مسار القضاء إلى هذا المجال، وفي مراحل من التحقيق، استخراج أدلة من مشغلي الإنترنت".