الأمن ورخص التكاليف وتشابه الثقافة.. أبرز أسباب اختيار العراقيين تركيا لمقامهم

اختار العراقيون تركيا بسبب قربها من العراق والصلة الوثيقة بين البلدين وتقارب الثقافات (الجزيرة نت)

أسباب عدة دفعت الكثير من العراقيين للتوجه إلى تركيا طالبين اللجوء، منها الأمن وسهولة السفر إليها، فضلا عن قلة التكاليف وقربها من العراق، واعتبارها الوجهة السياحية الأرخص لسكان المنطقة.

وتتفاوت أعداد اللاجئين العراقيين في تركيا، بحسب المحطات التي شهدها العراق، حيث كانت المراحل الأكثر تدفقا للعراقيين نحو تركيا عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأحداث سقوط بعض المدن العراقية بيد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. ويبلغ عدد العراقيين المقيمين في تركيا وفقا لأحدث تقديرات وزارة الهجرة العراقية  أكثر من 700 ألف شخص، ومن ثم يعد العراقيون ثاني أكبر جالية في تركيا بعد الجالية السورية التي يبلغ عددها 3.6 ملايين وفقا لآخر إحصائية أعلنتها دائرة الهجرة التركية.

أكين رأت أن العراقيين لم يعانوا صعوبة في الاندماج داخل المجتمع التركي (الجزيرة نت)

العراقيون في تركيا
وُجد عدد كبير من العراقيين في تركيا منذ زمن طويل، ويعود ذلك إلى استمرار العلاقات بين البلدين منذ أيام الحكم العثماني، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، وفقا للصحفية التركية منال أكين.

وتضيف للجزيرة نت، أن هذه العلاقة العميقة بين البلدين تعود لأسباب عدة، أبرزها المصالح السياسية والاقتصادية المتبادلة، وكذلك وجود الأكراد في المنطقة.

وتتابع أكين أن العراقيين لم يواجهوا مشكلة في الاندماج مع المجتمع التركي، مشيرة إلى وجود العديد من حالات التزاوج بين الطرفين.

وتلفت إلى أن هناك تواصلا وتقاربا ثقافيا وتراثيا بين الشعبين، وتستشهد بمثل شعبي متداول في تركيا "استمر في السؤال ستجد الإجابة في بغداد"، قائلة إن بغداد منشأ علم وحضارة وثقافة بعيون الأتراك.

الجبوري رأى أن أبرز وجوه معاناة اللاجئين العراقيين في تركيا تتلخص في عدم توفر مصادر للدخل (الجزيرة نت)

أسباب الاختيار
يعود اختيار العراقيين تركيا موطنا للهجرة إلى أسباب عديدة منها قربها من العراق، والصلة الوثيقة بين البلدين، وتقارب الثقافات، إضافة إلى كونها بلدا مسلما، كما يقول أحمد الجبوري صاحب شركة استشارات عراقية في إسطنبول.

ويضيف الجبوري للجزيرة نت، أن هناك من اختار تركيا كون المعيشة فيها مناسبة، وكذلك بسبب التسهيلات التي تقدمها الحكومة للاجئين.

وهذا ما يؤكده صباح الأعرجي مدير إحدى الشركات التجارية العراقية في إسطنبول، ويقول إن تركيا هي البلد الوحيد الذي يمنح الإقامة للعراقيين وللعرب كافة بسهولة وبتكاليف بسيطة.

ويضيف للجزيرة نت، أن المعيشة في تركيا غير مكلفة مقارنة بالعراق، مع وجود المدارس والخدمات الصحية وغيرها.

وقال الأعرجي إن أعدادا ضخمة من العراقيين كانوا يأتون إلى تركيا يوميا قبل انتشار فيروس كورنا، بهدف السياحة أو الطبابة أو التعليم وغيرها، مشيرا إلى أنه كان هناك 17 رحلة جوية يوميا "أي بحدود 3500 مسافر يوميا"، إضافة إلى أعداد كبيرة من العراقيين يدخلون من المعابر البرية .

وعن أعداد اللاجئين العراقيين في تركيا، ذكرت الصحفية أكين التي عملت سابقا في مكتب الأمم المتحدة واطلعت على أرقام اللاجئين، أن العام الماضي بلغ عدد العراقيين الذين تقدموا للحصول على طلبات الحماية الدولية من الأمم المتحدة في تركيا 15 ألفا و532 شخصا.

أما عدد العراقيين غير المسجلين لدى تركيا سواء دخلوا أراضيها عن طريق التهريب وخرجوا منها، أو بقوا داخل تركيا ولم يسجلوا لدى دائرة الهجرة خلال عام 2019، فقد بلغ 12 ألفا و97 شخصا.

ووفقا لأكين، بلغ عدد اللاجئين العراقيين غير المسجلين الذين تم ضبطهم أثناء محاولتهم الهجرة بطريقة غير شرعية ألفين و946 شخصا حتى يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

وينقل تقرير نشرته وكالة الأناضول أرقاما عن مؤسسة الإحصاءات في تركيا، كشفت عن أن عدد اللاجئين الذي وصلوا تركيا خلال عام 2019 بلغ 677 ألفا و42 شخصا، 14.5% منهم من الجنسية العراقية.

يرى البعض أن المعيشة في تركيا غير مكلفة كثيرا مقارنة مع العراق (الجزيرة نت)

استثمار وعقارات
أقبل العراقيون على امتلاك العقارات في تركيا بشكل كبير مقارنة بباقي الجنسيات والجاليات العربية، وفقا للصحفية أكين التي تعزو ذلك إلى سهولة التعامل القانوني في الاستملاك وكذلك التجنيس ومنحهم إذن الإقامة.

ويبين الجبوري أن هناك من يشتري لأجل الحصول على الجنسية التركية، وهناك من يشتري لأجل الاستقرار في تركيا، وقسم آخر يشتري عقارا رخيصا للاستفادة منه في العطلة الصيفية أو لادّخاره.

وبشأن الاستثمار يعتقد الجبوري أن الحصول على إذن العمل داخل تركيا يعد أحد أبرز المشكلات التي تواجه المستثمر العراقي.

ويبين أن القانون التركي يشترط توفر 5 موظفين أتراك مقابل كل شخص أجنبي، وهذا ما يثقل كاهل الشركة الأجنبية.

وبالعودة إلى الأعرجي فيرى أن معظم أصحاب الشركات العراقية في تركيا لا يعرفون قوانين الشركات المتعلقة بالضرائب في بداية عملهم، وهذا يوقعهم في أخطاء كبيرة تؤثر فيهم سلبا في المستقبل، وإصلاحها قد يكون صعبا جدا.

أما بالنسبة للشق الثاني من المعاناة، فيكمن -بحسب الأعرجي- في غياب دعم الحكومة العراقية والسفارة لأصحاب المشروعات والمستثمرين العراقيين الموجودين في تركيا.

الأعرجي: العراقيون تصدروا قائمة الأجانب في شراء العقارات بتركيا (الجزيرة نت)

لاجئون ومقيمون
ويرى الأعرجي أن وضع العراقيين في تركيا لا يمكن حصره بكلمات لأن أعدادهم كبيرة وينقسمون بين لاجئين ومقيمين، وإمكانياتهم المادية متفاوتة، حيث يوجد عراقيون مقيمون أمورهم المالية جيدة وقسم منهم حصلوا على الجنسية التركية عن طريق الاستثمار -بحسب الأعرجي-، وقسم آخر من المقيمين أوضاعهم سيئة، خصوصا من ليس لديه راتب أو مصدر دخل.

ويرجع الأعرجي سبب بقاء اللاجئين والمقيمين العراقيين في تركيا رغم صعوبة الحياة إلى أنهم يعتقدون بأن الحياة في العراق أصعب.

في حين ينوّه الجبوري إلى أن اللاجئين في تركيا يعيشون وضعا قاسيا رغم تسهيلات الحكومة التركية لكن الظروف أقسى من ذلك.

ويبين أن العراقيين موجودون في 12 محافظة من 81 في تركيا، وهي محافظات إسطنبول وأنقرة إضافة إلى سامسون وسكاريا ويلوا وبورصة وإسكي شهير وغازي عينتاب وألانيا وجورم وبولو وكوتاهيا.

ويشير إلى أن سبب وجودهم بكثرة في هذه المحافظات كونها أماكن حددت لإقامة اللاجئين العراقيين، واستمر توافدهم عليها حتى الآن.

وعن التعليم يوضح الأعرجي أن المدارس الحكومية التركية مجانية للجاليات العربية كافة ومن ضمنها الجالية العراقية، ومستوى التعليم فيها جيد، كما توجد مدارس أهلية عراقية وأخرى دولية.

وبالنسبة للخدمات الصحية فالحكومة التركية تتكفل بعلاج اللاجئين وهم غير مطالبين حاليا بتأمين صحي، لكن العام المقبل قد يكونون مطالبين به، في حين يحصل المقيمون على تأمين خاص عن طريق الشركات الأهلية، وفقا للأعرجي.

أبرز أوجه المعاناة
وعن أبرز أوجه معاناة اللاجئين العراقيين في تركيا، يقول الجبوري أنها تتلخص في عدم توفر مصادر للدخل تعينهم على تأمين أساسيات المعيشة، مما يجعلهم في حال يرثى له.

ويردف بالقول إن الكثير من اللاجئين في تركيا يعانون عدم توفر أوراقهم الرسمية، ونتيجة لذلك لا يمكنهم استخراج الأوراق القانونية في تركيا، مما يجعلهم يقيمون داخل البلد بشكل غير رسمي ويعرضهم لخطر الترحيل في أي وقت.

وفي سياق متصل يؤكد الأعرجي أن نسبة كبيرة من العراقيين أوضاعهم المادية مزرية بسبب فقدان ممتلكاتهم في العراق، وكونهم بلا مصدر دخل بعد فقدان رب الأسرة.

ويحثّ الأعرجي الحكومة العراقية وسفارتها وقنصليتها على الالتفات إلى هذه الشريحة.

فايز ثويني عراقي لاجئ في تركيا يعيل عائلة لاجئة مكونة من 11 طفلا و4 نساء - الجزيرة نت
فايز ثويني عراقي لاجئ في تركيا يعيل عائلة لاجئة مكونة من 11 طفلا و4 نساء (الجزيرة)

قصص إنسانية
وفي أحد أزقة الأحياء القديمة لمدينة بولو التركية قابلنا اللاجئ فايز ثويني الذي يعيش في منزل متهالك مع عائلته التي تبلغ 16 شخصا جميعهم من الأطفال والنساء.

اللاجئ المسن البالغ من العمر 68 عاما يؤكد للجزيرة نت أنه نزح من قرى قضاء بلد بمحافظة صلاح الدين العراقية، بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعارك التي شهدتها المحافظة.

ويضيف "نزحنا بعد وقوع المعارك في مناطقنا، واخترنا أن تكون تركيا وجهتنا لأسباب عدة أبرزها الوضع الأمني المستقر، ورخص المعيشة مقارنة بمدن إقليم كردستان العراق".

وعن الظروف التي تمنعهم من العودة إلى العراق، يؤكد ثويني أنها تتمثل في تردي الأوضاع الأمنية في مناطقهم، بالإضافة إلى الواقع المعيشي الصعب بعد الحرب الأخيرة.

ويسترسل بالقول "فقدت اثنين من أولادي خلال الحرب، والثالث معتقل في أحد السجون ولا نعرف عنه شيئا".

بعض العراقيين يلجؤون للعيش في تركيا لأنهم يرون الحياة فيها غير مكلفة مقارنة بالعراق (الجزيرة نت)

ويضيف اللاجئ المسن "أزواج بناتي اثنان أيضا قتلوا في الحرب، ومعي الآن 3 أرامل و11 يتيما، أكبرهم لا يتجاوز عمره 11 عاما، لافتا إلى أن مستقبل هؤلاء الأطفال مجهول".

وعن معاناتهم أكد أنه يواجه صعوبة في تأمين مصدر دخل كونه كبيرا في السن وعلى عاتقه مسؤولية عائلة كبيرة من الأطفال والنساء، منوها إلى أن دخله يقتصر فقط على ما يحصل عليه من الهلال الأحمر التركي والذي يبلغ 120 ليرة للشخص الواحد شهريا (نحو 15 دولارا).

وفي سياق متصل، يروي الجبوري قصة الأرملة (ع. أ) التي كانت تعيش في مدينة إسطنبول مع والدها وأطفالها الأيتام، لكنهم لم يستطيعوا مجابهة صعوبة المعيشة فاضطروا إلى الانتقال إلى جنوب تركيا بحثا عن مكان مناسب للعيش.

ووصل بهم الحال إلى السكن في منزل يفتقد لأبسط مقومات الحياة من فراش وأغطية وملابس للأطفال يجابهون بها قساوة فصل الشتاء، وفقا للجبوري.

وينوه إلى أن هذه الأرملة لا تستطيع استخراج إذن الإقامة في تركيا كونها تحتاج إلى أوراق ثبوتية عراقية، ولا يمكنها استخراجها إلا بالعودة إلى العراق وهذا ما لا تستطيعه.

المصدر : الجزيرة