إفلات قتلة صحافيي العراق من العقاب.. ضعف قوانين أم فوضى أمنية؟
حل العراق في المرتبة الثالثة بين أسوأ دول العالم، وفق نتائج المؤشر العالمي "للإفلات من العقاب" على الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين، للعام 2020، حيث جاء ترتيبه بعد الصومال وسوريا.
المؤشر -الذي أصدرته لجنة حماية الصحافيين الأميركية- أرجع أسباب الإفلات من العقاب إلى الفساد وضعف المؤسسات، وعدم وجود إرادة سياسية جادة لإجراء التحقيقات.
وتحيي الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني كل عام اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، بهدف منع استهدافهم، وتقديم مرتكبي الجرائم ضدهم والإعلاميين إلى العدالة.
واقع
واقع شديد الصعوبة يعيشه الصحافيون العراقيون وكأنهم يعملون بحقول ألغام، على حد وصف أستاذ الإعلام الدولي فاضل البدراني، وذلك بسبب التهديدات المستمرة لكونهم الجهة المعنية بكشف الفساد، والتي تحاول أن تتوغل في عمق الدولة، ورصد كل المخالفات التي تحدث إن كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها.
ويؤكد البدراني للجزيرة نت أن للصحافي بالتأكيد رسالة هي التصحيح وبناء المجتمع، لكنها (غير موجودة) في زمن الفوضى التي يعيشها العراق منذ 2003 وحتى اليوم.
ويرى الصحافي سلام خالد أن الصحافة والصحافيين العراقيين اليوم 3 اتجاهات، الأول من يمكن تسميتهم بأبواق للسلطة والأحزاب الحاكمة، والثاني هو المحايد الذي يتكلم بالعموميات بعيدا عن مشاكل البلد.
أما الاتجاه الثالث فهو طريق المعارضين ويمكن وصفها -بحسب خالد- بـ "صحافة المتاعب" التي تبحث عن البقع المظلمة لكي تسلط الضوء عليها، وهي ملفات النازحين والمفقودين، وكذلك الفساد والجرائم المنظمة والمشاريع الوهمية وغيرها.
أما الصحافي عمر محمود، فيلخص مشكلة الصحافة في انعدام وجود صحافة حقيقية الوقت الراهن، وانقسام العاملين بهذا المجال إلى صنف يعمل في المواد التي لا تعود عليه بالأذى، وآخر اختار التقرب والترويج لأصحاب السلطة.
ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن الدليل الأبرز على غياب الصحافة الحقيقية بالعراق هو انعدام ممارسة الصحافة الاستقصائية التي ربما تكون البلاد هي الميدان الأوسع لما فيها من قضايا فساد تطال أغلب المنظومة الحكومية.
وعن أوضاع الصحافيات، تقول الناشطة الإعلامية أميرة الجابر إن الصحافية العراقية تواجه معاناة كثيرة، منها واقع المجتمع التقليدي الذي يرفض عمل المرأة في العمل الصحافي أو الإعلامي، وكذلك أوضاع العراق المضطربة سواء السياسية أو الأمنية، وتصدّر بعض الفصائل المسلحة المشهد.
من جانبه حذّر مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، من خطورة أوضاع الصحافيين في العراق، مشيرا إلى أنه لا توجد تشريعات ولا حكومات حقيقية توفر حماية لهم، فمنذ عام 2003 وحتى الآن، لم تتم محاسبة منتهكي حق الصحافيين.
استهداف
ويبين سعدون -في حديثه للجزيرة نت- أن الاستهداف يطال في الغالب الصحافيين المستقلين الذين يتحدثون عن ملفات خطيرة، وغالبا لا يعملون في قنوات حزبية أو ممولة من المال السياسي.
وتنوعت أشكال الاستهداف بين الاختطاف والاعتقال من قبل السلطات، والقتل والتهديدات وحتى حملات التشهير.
ويتابع أنه لا توجد هنالك إحصائيات مضبوطة، رغم تجاوز عدد الصحافيين الذين قتلوا منذ عام 2003 وحتى اليوم، إلى أكثر من 400 قتيل.
وتعود الجابر فتسرد للجزيرة نت أنواع الاستهدافات التي تتعرض لها الصحافيات، من استهداف جنائي أو أخلاقي بالإضافة إلى التحرش الجنسي، مؤكدة أن النوع الأخير هو الأكثر شيوعا الوقت الحالي.
وتلفت الناشطة الإعلامية إلى عدم وجود توثيق للاعتداءات والتهديدات التي يتعرض لها العاملون في الصحافة، وتعزو ذلك إلى ضعف دور نقابة الصحافيين العراقيين والجهات المعنية بحماية العاملين في الصحافة.
أما الصحافي خالد فيؤكد أن أبرز أسباب استهداف الصحافيين تجاوز الصحافي الخطوط الحمراء التي تضعها الأحزاب السياسية والمليشيات، مشيرا إلى أسباب أخرى منها تطرق الصحافيين إلى قضايا الفساد والنزاهة، وتسليطهم الضوء على النفوذ السيئ لأصحاب السلطة والأحزاب السياسية.
المتورطون
والمتورطون في استهداف الصحافيين هم المتضررون من نقل الحقيقة ونقل الواقع المزري الذي يعيشه العراقيون -كما يقول خالد- وهم جهات مرتبطة بأجهزة حكومية بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل جهات تتبع لأحزاب سياسية أو فصائل مسلحة، لافتا إلى أن القوات الأمنية التي لا تحمي الصحافيين تعتبر شريكة في استهدافهم.
وبدوره يعود مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان فيشير إلى أن المتورطين في اغتيال الصحافيين هم كل الذين نستطيع أن نقول عنهم قوى اللادولة والعصابات.
ويكمل الأكاديمي البدراني حديثه بالقول إن الجهات التي تستهدف الصحافيين ما تزال مجهولة للآن، ولم تتعرف عليها الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وحتى اليوم. ويلفت إلى أن هذا يثير سخرية وانتقاد المنظمات والمؤسسات الدولية الراعية لحقوق الإنسان.
الإفلات من العقاب
والفوضى التي يعيشها العراق أحد الأسباب الرئيسة لإفلات الجناة المتورطين في استهداف الصحافيين، ويؤكد ذلك الصحافي خالد. ويضيف أن التغطية القانونية أو الأمنية أو السلطوية للجناة، التي يحصلون عليها من المتنفذين، هي التي تمكنهم من الإفلات من العقاب.
ويتابع أنه حتى الآن لم نعرف من هم قتلة الصحافي أحمد عبد الصمد، ولا قتلة الخبير الأمني هشام الهاشمي، أو قتلة باقي الصحافيين الذين قضوا خلال السنوات السابقة.
من جانبه يرجع سعدون أسباب إفلات الجناة المتورطين باستهداف الصحافيين إلى أمور عدة، منها تقاعس الجهات الحكومية والمسؤولة عن حماية الصحافيين.
ويضيف: بعض الحكومات ربما تكون شريكة ومتواطئة مع مرتكبي الانتهاكات بحق الصحافيين العراقيين.
هل تستمر الجرائم؟
ويعتقد الصحافي خالد أن الجرائم ضد الصحافيين ستستمر مازال هناك من يتستر على الفاسد، وبالتالي يتستر على المجرمين والجناة. وينوه إلى أن الكثير من الصحافيين في بغداد، ممن قاموا بتغطية مظاهرات ساحة التحرير، تتم مطاردتهم، واضطروا إلى الفرار إلى إقليم كردستان أو خارج العراق خوفا من الملاحقة.
وفي الإطار ذاته يتوقع سعدون استمرار الانتهاكات، فكلما كان هنالك مماطلة زادت حالات الإفلات من العقاب، وتمادى الجناة في ارتكاب انتهاكات ضد الصحافيين.
ويوضح البدراني أنه رغم تراجع عمليات القتل ضد الصحافيين خلال السنوات الأخيرة، فإن التهديدات لا تزال موجودة.
لكن الصحافي محمود لا يتوقع تصاعد استهداف الصحافيين أكثر خلال الفترة المقبلة، لأن أغلب الصحافيين المهنيين غادروا العراق، ولا يعتزمون مواصلة العمل المهني وإنما الحصول على أي وظيفة إعلامية خلف الكواليس أو ذات ارتباط غير مباشر بالعمل الإعلامي.