مفاجأة صادمة للفلسطينيين.. السلطة تعود لإسرائيل.. كيف ولماذا؟
كانت التحليلات اليومية تشير إلى توجه السلطة الفلسطينية للانفتاح على الإدارة الأميركية الجديدة بعد أن تتبيّن مواقفها حيال القضية الفلسطينية عقب تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن في يناير/كانون الثاني 2021. غير أن إعلانها استئناف علاقاتها المنقطعة مع إسرائيل مساء الثلاثاء، شكل مفاجأة صادمة للفلسطينيين في سرعته وملابساته، رغم توقعه.
وجاء الإعلان بتغريدة لرئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة حسين الشيخ على صفحته في تويتر، قال فيها إن "السلطة قررت إعادة العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي إلى ما قبل 19 مايو/أيار الماضي، وذلك بعد تأكيدات بالتزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة".
وفي حديثه لتلفزيون فلسطين، أكد الشيخ أن الرئيس محمود عباس أجرى اتصالات دولية في الآونة الأخيرة تؤيد مواقفه وتؤكد التزام إسرائيل بالاتفاقيات، وعليه قرر إعادة مسار العلاقة معها كالسابق.
وكانت السلطة أعلنت في ذلك التاريخ تحللها من الاتفاقيات الموقعة مع الإسرائيليين ردا على إعلان حكومة بنيامين نتنياهو مخططا لضم 30% من أراضي الضفة الغربية.
وقال الشيخ إن السلطة، وبسبب رفضها لصفقة القرن -خطة السلام الأميركية- ومشاريع الضم ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية في السنوات الثلاث الماضية، تعرضت لضغوط إقليمية ودولية ولأزمة مالية خطيرة تحمل عبئها الشعب الفلسطيني.
وحسب الشيخ، فقد توجهت السلطة مؤخرا برسالة رسمية مكتوبة للإسرائيليين تستفسر عن التزامهم بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية. وتلقت الثلاثاء ردا مكتوبا يعلن التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.
وقال الشيخ إن "الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة يعني أن صفقة القرن لم تعد موجودة على الطاولة"، ووصف ذلك بأنه "انتصار عظيم وثمرة صمود الفلسطينيين وقيادتهم".
وقال إن "الفلسطينيين سيبذلون مجهودا، إلى جانب المجهود الإقليمي والدولي، مع الإدارة الأميركية الجديدة لإعادة الروح للمسار السياسي مع الإسرائيليين".
وجاء الرد الإسرائيلي في رسالة على لسان منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، قال فيها إن الاتفاقيات الموقعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحكم سلوك الطرفين في المواضيع المالية وغيرها.
وتابع أنه "ووفقا لهذه الاتفاقيات، تواصل إسرائيل تحصيل الضرائب للسلطة الفلسطينية، لكن الأخيرة هي التي قررت عدم تلقي هذه الأموال".
عودة التنسيق
ومن المتوقع أن يعيد هذا الإعلان، التنسيق الفلسطيني الإسرائيلي في الملفات الأمنية والمدنية التي تنظمها اتفاقية أوسلو المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل منذ عام 1993.
وتوقع وكيل وزارة الداخلية الفلسطينية يوسف حرب في حديث للجزيرة نت استئناف تحويل السجلات المدنية الجديدة للفلسطينيين إلى الجانب الإسرائيلي مع عودة العمل بالاتفاقيات بين "الطرفين".
لكن البرلماني المعارض حسن خريشة قال للجزيرة نت: "إن الرسالة التي تلقاها حسين الشيخ لا تعني شيئا، لأنها جاءت من منسق في الجيش الإسرائيلي، وحددت علاقة الطرفين بالقضايا المالية، دون الحديث عن أي التزام سياسي من الحكومة الإسرائيلية نفسها".
وقرأ خريشة الإعلان على لسان المسؤول حسين الشيخ، كجزء مما وصفه "الصراع الداخلي على خلافة الرئيس عباس"، لكنه أضاف أن إستراتيجية المفاوضات مع إسرائيل لم تسقط يوما عند القيادة الفلسطينية.
وعدّ خريشة الإعلان انقلابا على لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي أيّد خطوات القيادة برفض صفقة القرن ومشروع الضم الإسرائيلي.
وجاء الإعلان بعد لقاءات بين وفدي حركتي فتح وحماس في القاهرة لمناقشة المصالحة برعاية مصرية، رجح خريشة أن يعاد ملف المصالحة إلى الرف، بعد أن جرى تفعيله أثناء الأزمة السياسية والمالية التي واجهتها السلطة في الشهور الماضية. وقال إن "عودة القيادة الفلسطينية إلى المفاوضات سترسخ انعدام الثقة بمواقفها مستقبلا".
لا التزام
من ناحية أخرى، يشير محلل الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور إلى أن إعلان استئناف العلاقة جاء بعد يومين من خطاب وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي الذي طالب السلطة الفلسطينية بالتوقف عن امتناعها الحصول على أموال الضرائب (المقاصة) وإعادة التنسيق الأمني.
ويعتقد منصور أن السلطة وبعد تصريحات بايدن المتمسكة بحل الدولتين واعتبار ذلك إسقاطا لصفقة القرن، وجدت مخرجا مناسبا لاستلام أموال المقاصة التي كانت ترفضها لشهور، كما أنها أدركت أن العلاقة مع قادة البيت الأبيض الجدد تمر عبر تل أبيب أولا.
وبرأيه، فإن السلطة، وعبر إعادتها للعلاقات مع إسرائيل، قدمت بادرة حسن نية لإدارة بايدن. كما أن إسرائيل بالمقابل، قرأت رسائل السلطة بإيجابية، خاصة أنها لم تدفع ثمنا سياسيا لهذا التطور.
وبرأي منصور، فإن استئناف العمل بالاتفاقيات سيستخدم كورقة سياسية بالنسبة لزعيم حزب (أزرق أبيض) بني غانتس الذي يدفع باتجاه انتخابات إسرائيلية جديدة، ويعتبر نفسه طرفا في إنجاز التفاهم مع الفلسطينيين.
رفض فصائلي
بدورها، عبرت الفصائل الفلسطينية عن رفضها استئناف العلاقة مع إسرائيل، وأدانت حركة حماس بشدة قرار السلطة، وقالت إنها ضربت بعرض الحائط كل القيم والمبادئ الوطنية.
وقال بيان للحركة إن القرار يمثل "طعنة للجهود الوطنية لبناء شراكة وطنية لمواجهة الاحتلال والضم والتطبيع وصفقة القرن، ويأتي في ظل الإعلان عن آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس".
وأضافت أن السلطة الفلسطينية بهذا القرار تعطي المبرر لمعسكر التطبيع العربي، وطالبتها بالتراجع و"ترك المراهنة على بايدن وغيره".
من جانبه، قال مسؤول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي داود شهاب إن "الإعلان اختيار لمسار التنسيق والعلاقة مع الاحتلال على المصالحة".
واعتبرت الحركة في بيان صحفي قرار عودة مسار العلاقة مع الاحتلال انقلابا على كل مساعي الشراكة الوطنية وتحالفا مع الاحتلال بدلا من التحالف الوطني
كما وصفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عودة علاقات السلطة مع إسرائيل، بأنه "عجز واستسلام أمام العدو الذي لم يحترم أي اتفاقيات".
وقالت في تصريح لها، إن تسويق السلطة لقرارها على أنه انتصار هو تضليل وبيع الوهم بهدف العودة للرهان على المفاوضات وعلى الإدارة الأميركيّة المقبلة، وعلى وهم إمكانية الوصول إلى حل سياسي من خلال تمسكها بالاتفاقيات مع الاحتلال.