بعد فوزه.. هل سيكرر بايدن سيناريو أوباما في سحب قوات بلاده من العراق؟

U.S. soldiers gather near military vehicles at an army base in Karamless town, east of Mosul, Iraq, December 25, 2016. Picture taken December 25, 2016. REUTERS/Ammar Awad
قوات أميركية خلال انتشار سابق لها عام 2016 قرب الموصل (رويترز)

بعد تصدره نتائج الانتخابات ينتظر أن يعلن فوز جو بايدن سيدا جديدا للبيت الأبيض، ويتساءل العراقيون فيما إذا كان بايدن سيعمل على سحب قوات بلاده، كما فعل باراك أوباما عام 2011 أم أن المعطيات الحالية تختلف؟

تكهنات كثيرة ومتضاربة تلك التي تتعلق بالوجود المستقبلي العسكري الأميركي في العراق، إلا أن مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة غالوب الأميركية للأبحاث منقذ داغر يعتقد أن بايدن سيسير على خطى باراك أوباما ودونالد ترامب في سحب القوات الأميركية من العراق.

وفي حديثه للجزيرة نت بين داغر أن بايدن على الأغلب سيبقي على قوات صغيرة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية من الناحية الاستخبارية إضافة إلى قوة خاصة، مشيرا إلى أن هذا الاستقراء كشفه بايدن نفسه في مقال له بمجلة الـ "فورين بوليسي" في مارس/آذار الماضي.

صورة حصرية مرسلة من قبله - الصحفي الاستقصائي العراقي - رياض الحمداني
الحمداني رجّح أن يعمل بايدن على سحب قوات بلاده من العراق (الجزيرة)

ويؤيد هذا التوقع الصحفي الاستقصائي العراقي رياض الحمداني الذي يرى أن بايدن سيعمل على سحب قواته، خاصة أن للحزب الديمقراطي الأميركي ميولا كبيرة في إعادة المفاوضات مع إيران بما يتعلق بالملف النووي وتأثير ذلك في مجمل أوضاع الشرق الأوسط والعراق ضمنها.

الحمداني وفي معرض حديثه للجزيرة نت، أشار إلى أن بايدن الذي كان نائبا لأوباما لثماني سنوات يعلم حيثيات الشأن العراقي بتفاصيلها الدقيقة، وبالتالي له القدرة على التعامل مع التحديات الإيرانية في العراق حتى في ظل وجود قوات بلاده بالعراق أو غيابها.

بايدن فاز في الانتخابات الرئاسية الأميركية وينتظر توليه للسلطة في يناير/كانون الثاني المقبل (الفرنسية)

وكان الرئيس دونالد ترامب قد وعد خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في أغسطس/آب الماضي بسحب القوات الأميركية من العراق، وفق جدول متفق عليه.

تجدر الإشارة إلى أن البرلمان العراقي صوَّت في يناير/كانون الثاني الماضي بالأغلبية على إنهاء الوجود العسكري الأميركي بعد أيام من اغتيال واشنطن لكل من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في قصف جوي أميركي قرب مطار بغداد الدولي.

وهو ما أدى إلى تصاعد وتيرة الاستهدافات للقواعد العسكرية التي تنتشر بها قوات أميركية والسفارة الأميركية في بغداد، والذي أعقبه انسحاب أميركي كبير من غالبية القواعد العسكرية باستثناء قاعدتي عين الأسد في الأنبار (غرب) وحرير في أربيل (شمال).

صورة حصرية مرسلة من قبله، عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية - النائب هه ريم كمال خورشيد
خورشيد استبعد سحب القوات الأميركية على اعتبار أن الظروف الحالية تختلف كليا عما كانت عليه في 2011 (الجزيرة نت)

سياسة جديدة

تختلف قراءات المسؤولين العراقيين والخبراء فيما يتعلق بسياسة سيد البيت الأبيض الجديد، إذ يقول عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية "هه ريم كمال خورشيد"، إن الظروف الحالية في العراق تختلف كليا عما كانت عليه عندما سحبت واشنطن قواتها من العراق عام 2011.

وأوضح خورشيد للجزيرة نت أن القوات الأميركية كانت تعد حينها قوات احتلال، أما الآن فهي قوات جاءت بطلب من الحكومة العراقية لمواجهة تنظيم الدولة، فضلا عن أن الانسحاب الأميركي الذي بدأ فعليا قبل أشهر لا يعني خروجها كليا، فواشنطن عضو في التحالف الدولي الذي لا يزال يعمل في البلاد.

وعن الأسباب التي قد تؤدي إلى استمرار بقاء القوات الأميركية في العراق، يضيف "هناك أخطار جمة محدقة بالبلاد، خاصة تدخل دول الجوار واستمرار خطر تنظيم الدولة الذي عاد لينفذ الكثير من الهجمات، فالعراق لايزال بحاجة للدعم الأميركي الاستخباري والجوي".

من جانبه، استبعد الخبير الأمني عبد الخالق الشاهر وجود تغيير شامل في السياسة الأميركية في العراق، مشيرا إلى أن واشنطن باتت تنظر لوجودها فيه ضروريا لدرء الأخطار الإيرانية التي باتت تشكل هاجسا كبيرا للمصالح الأميركية.

ويفصل الشاهر للجزيرة نت أسباب تمسك واشنطن بالعراق من ناحية أن الأوضاع الإقليمية في الشرق الأوسط عام 2011 تختلف كليا عن الوضع الحالي، إذ لم تكن إيران في حينه تشكل تهديدا لمصالح واشنطن في المنطقة بخلاف الوضع الحالي الذي تعرضت فيه السفارة والقواعد الأميركية في العراق لعشرات الهجمات الصاروخية.

وعن الانسحاب الأميركي الذي بدأ مؤخرا، يرى أن واشنطن ستحافظ على قاعدتي عين الأسد وحرير، خاصة أن هاتين القاعدتين تعدان من ضمن شبكة القواعد الأميركية الحيوية في العالم التي لن تفرط فيهما بأي حال.

صورة مرخصة من قبله - رئيس مجموعة المورد للدراسات والاعلام - نجم القصاب
القصاب يرى أن بايدن الرئيس لن يكون كما كان نائبا للرئيس (الجزيرة نت)

أما مدير مجموعة المورد للدراسات والإعلام نجم القصاب فيؤكد أن بايدن رئيسا لا يشبه بايدن عندما كان نائبا لأوباما، لافتا إلى أن قرار مجلس النواب العراقي بانسحاب القوات الأميركية لم يكن نابعا من جميع القوى السياسية.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن واشنطن أشارت بعد القرار إلى أنها على دراية تامة بأن الأكراد والعرب السنة وبعض القوى الشيعية لم تكن راضية عن قرار البرلمان المطالب بالانسحاب، لذلك فإن واشنطن لن تنسحب كليا من العراق، وستبقي على بعض قواتها على أقل تقدير.

هجوم على إيران

هو مشهد لا يزال مبهما وقد يستمر أشهرا قبل وضوحه، بحسب الباحث السياسي غانم العابد الذي يعتقد في حديثه للجزيرة نت أن العراق ليس من أولويات بايدن، خاصة أنه لم يتطرق للوضع العراقي في جميع أحاديثه خلال حملته الانتخابية.

وأضاف أن تحركات ترامب الأخيرة بإقالته وزير دفاعه مارك إسبر وجولة بومبيو التي أعلن عن أنها ستضم دولا عديدة في الشرق الأوسط قد تهيئ لشيء ما قد يكون هجوما على إيران أو حلفائها.

وبالتالي -إن حدث ذلك- فإن بايدن سيكون مكبلا بما ستُسفِر عنه أي تحركات خلال الشهرين المقبلين، خاصة أن لدى إيران نفوذا عسكريا كبيرا في العراق، وأن للفصائل الموالية لها هناك امتدادا في الداخل السوري عبر الأراضي العراقية، لافتا إلى أنه وبعيدا عن أي احتمال، فإن انسحاب واشنطن من عين الأسد قد لا يكون ممكنا في المدى المنظور، فأهميتها الإستراتيجية ترشحها لأن تكون بديلا عن قاعدة إنجرليك التركية.

صورة مرسلة من قبله - استاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل - الدكتور محمود عزو2
عزو رأى أن الرئيس الأميركي أيا كان سيعمل وفق إستراتيجيات مدروسة تخدم مصلحة بلاده (الجزيرة نت)

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل الدكتور محمود عزو فيعلق بأن الرئيس الأميركي أيا كان سيعمل وفق إستراتيجيات مدروسة المخاطر دون الاعتماد على مزاجية سيد البيت الأبيض، وبالتالي فالانسحاب الأميركي من العراق يخضع لحسابات معقدة ترتبط بالوضع في مجمل منطقة الشرق الأوسط.

عزو في حديثه للجزيرة نت يضيف أن السياسة الأميركية المقبلة ستعتمد دبلوماسية أميركية وصفها بـ"الناعمة" لسحب البساط من إيران وتطويقها، مستبعدا أن يعتمد بايدن موقفا جديا قد يؤدي إلى انهيار الوضع العراقي، وبالتالي فاحتمالية بقاء القوات الأميركية من عدمه يتحدد خلال الأشهر الأولى لولاية بايدن.

هو مشهد لا يزال غامضا بانتظار تسيد بايدن لمكتبه البيضاوي، وما ستسفر عنه تحركات الرئيس دونالد ترامب الذي يُجمع المحللون على أن لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيفعله.

المصدر : الجزيرة