بعد 15 عاما على إقراره.. هل بات الدستور المعضلة السياسية في العراق؟

البرلمان العراقي يقر قانونا جديدا للانتخابات البرلمانية
البرلمان العراقي طالب بإجراء تعديلات على الدستور وخصص لجنة لذلك (الجزيرة)

في مثل هذه الأيام قبل 15 عاما أجري استفتاء شعبي على الدستور العراقي الجديد المؤلف من 144 مادة، حيث صوت عليه ما يقارب 58% من العراقيين، وجاءت النتائج من قبل اللجنة العليا المستقلة للانتخابات في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2005 بموافقة 79% من المصوتين، وسط جدل سياسي كبير لا يزال مستمرا.

وبعد 4 انتخابات برلمانية شهدتها البلاد منذ إقراره، يشير الكثير من السياسيين والخبراء إلى أن الدستور بات المعضلة السياسية التي تسببت ولا تزال بكثير من المطبات والثغرات القانونية، مما يطرح كثيرا من التساؤلات عن إمكانية تعديله، خاصة في ظل وجود لجنة برلمانية تعنى بهذا الشأن.

يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن الدستور ومنذ ولادته كان عبارة عن أزمة بين الكتل السياسية، حيث عملت جميعها على وضع مصالحها في نصوص الدستور، مما أدى إلى ولادة دستور "هش".

ويضيف الشمري للجزيرة نت أن عدم اعتماد الطبقة السياسية الدستور كمرجع وحاكم للخلافات أضر كثيرا بالعملية السياسية، حيث إنه وبعد سنوات على إقراره بات يتعرض لانتقادات حتى من الأطراف التي ساهمت فيه.

رئيس مركز التفكير السياسي د. (إحسان الشمري (الجزيرة نت)
الشمري يرى أن عدم اعتماد الطبقة السياسية الدستور كمرجع وحاكم للخلافات أضر كثيرا بالعملية السياسية (الجزيرة نت)

مشكلات الدستور
تجمع أغلبية الكتل السياسية على أن الدستور العراقي وبعد 15 عاما بحاجة لتعديل، إذ يقول رشيد العزاوي النائب عن تحالف القوى العراقية عضو اللجنة القانونية ولجنة تعديل الدستور إنه بحاجة لكثير من التعديل، خاصة بعد التجاوزات الكبيرة على مواده وتفسيرها على غير وجهها الذي شرعت من أجله.

ويضرب العزاوي مثالا على ذلك في أن المحافظات السنية وعند محاولتها إنشاء أقاليم قوبلت برفض سياسي كبير على الرغم من أن المادة 119 تنص على السماح لأي محافظة بتشكيل إقليم جديد إذا ما قدم ثلث أعضاء مجلسها المحلي طلبا بذلك.

كما يرى العزاوي في حديثه للجزيرة نت أن التوازن المكوناتي في مؤسسات الدولة الإدارية والأمنية لم يطبق واقعيا، معلقا بالقول إن "هناك الكثير من المطبات مثل المادة 76 وما يتعلق بالكتلة البرلمانية التي تشكل الحكومات بعيد الانتخابات، حيث إن فتوى المحكمة الاتحادية كانت بخلاف نص الدستور، وحكمت في 2010 لصالح ائتلاف دولة القانون الذي فاز بـ89 مقعدا برلمانيا، في الوقت الذي فاز فيه ائتلاف العراقية بـ91 مقعدا، وهو ما يعاني منه العراق حتى الآن".

أما رئيس كتلة الرافدين المسيحية عضو لجنة التعديلات الدستورية يونادم كنا فيقول للجزيرة نت إن هناك مشكلات أخرى تتمثل بأكثر من 50 مادة بحاجة للتعديل أو التفسير، ومن بينها الجدل حول ما إذا كان نظام الحكم سيبقى برلمانيا أم سيتم تحويله إلى رئاسي، فضلا عن السلطات والصلاحيات وتعارضها بين المركز والإقليم في المادة 115، إضافة إلى المادة 140 للمناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان.

العبودي اعتبر أن العملية السياسية ستظل غير مستقرة في ظل الدستور الحالي (الجزيرة نت)

إشكالية المادة 140
على الرغم من اتفاق أغلبية الكتل السياسية على ضرورة تعديله فإن الشيطان -كما يقال- يكمن في التفاصيل، فتحالف الفتح يرى أنه لا يمكن تحقيق أي إصلاحات حقيقية في البلاد ما لم يتم تعديل الدستور، وهو ما يؤكده النائب عن كتلة "صادقون" (ضمن تحالف الفتح) نعيم العبودي، إذ يقول إن "هناك الكثير من الألغام فيه وهي بذرة للخلافات والصراعات، وإن العملية السياسية ستظل غير مستقرة في ظل الدستور الحالي".

ويضيف العبودي للجزيرة نت أن بعض الكتل السياسية تعتقد أن الدستور ضمن لها بعض الحقوق وليس من الممكن التنازل عنها، خاصة ما يتعلق بالإقليم والمادة 140 للمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، حيث لا تزال هذه المادة خلافية.

وبالذهاب إلى الكتلة الكردية فإنها تؤكد على لسان النائبة فيان صبري -وهي عضوة في لجنة التعديلات الدستورية- أنه على الرغم من المواد الخلافية فإن الدستور العراقي يعد الأفضل في منطقة الشرق الأوسط، خاصة ما يتعلق بمواد الحقوق والحريات، مشيرة إلى أن المعضلة الرئيسية فيه تكمن بعدم تطبيق ما يقارب 57 مادة، خاصة المادة 140 التي يطالب فيها الأكراد بالمناطق المتنازع عليها في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى.

صورة حصرية مرسلة من قبله - عضو اللجنة القانونية البرلمانية وامين عام الحزب الاسلامي- النائب رشيد العزاوي
العزاوي: لن نشهد تعديلا دستوريا في ظل غياب برلمان يكون أكثر تمثيلا لمكونات الشعب (الجزيرة نت)

عقبات أمام تعديله
مضى عام كامل على تشكيل لجنة التعديلات الدستورية، إلا أن الكتل السياسية المؤيدة للتعديل ترى أنه ليس بالأمر الهين حاليا، إذ بالعودة إلى رشيد العزاوي فإنه يؤكد أن المعضلة الحقيقية تكمن بالخلافات السياسية والمذهبية في البلاد، معتقدا أن العراق لن يشهد تعديلا دستوريا في ظل غياب برلمان يكون أكثر تمثيلا لمكونات الشعب وأكثر إنصافا.

ويؤيد هذا الطرح الخبير القانوني طارق حرب في كشفه عن أن الدورات البرلمانية الأربع شهدت تشكيل لجان مشابهة، وأن جميعها أكملت أعمالها، غير أن التعديلات لم تقدم أساسا لرئاسة مجلس النواب للتصويت عليها، وبالتالي لم تطرح للاستفتاء الشعبي.

ويضيف حرب للجزيرة نت أنه من الناحية الدستورية إذا كان من المفترض وفق المادة 142 أن تنهي اللجنة أعمالها بعد 4 أشهر من عقد أول دورة برلمانية عام 2006، فضلا عن أن الدستور نص كذلك على أن الحكومة ملزمة بوضع حل للمناطق المتنازع عليها بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2007 إلا أن الخلافات الكبيرة والخطيرة بين الكتل حالت دون ذلك ولا تزال، ومصير هذه اللجنة كسابقاتها.

يونادم كنا اعتبر أنه في ظل الانقسام السياسي الحالي فإن التعديلات الدستورية لن ترى النور (الجزيرة نت)

وبالعودة الى الكتلة المسيحية، حيث يرى يونادم كنا أنه في ظل الانقسام السياسي الحالي فإن التعديلات التي تبنتها لجنته لن ترى النور كما هو الحال في اللجان السابقة، فضلا عن أن الدستور ينص في مادته "142-رابعا" على أن التعديل الأول يتطلب عدم رفض ثلثي المصوتين في 3 محافظات لكي يمرر، وبالتالي يصعب تحقيق هذا النصاب.

وتكشف فيان صبري عن مشكلة قانونية أخرى في عمل لجنة التعديلات، حيث إن المادة الدستورية لعمل اللجنة تنحصر بـ4 أشهر فقط من تاريخ تشيكلها، مشيرة إلى أن عاما كاملا مضى على تشكيل اللجنة، مما يتطلب فتوى قانونية من المحكمة الاتحادية العليا المعطل نصابها حاليا بسبب عدم وجود قانون يوضح كيفية تعويض أعضائها المتوفين والمحالين إلى التقاعد، وبالتالي هذه معضلة دستورية أخرى كما قالت.

أما الخبير في القانون الدستوري أمير الدعمي فيرى أن الدستور كتب على عجالة، وبالتالي كانت النتيجة غموض كثير من مواده.

وفي حديثه للجزيرة نت قال الدعمي إنه يعتقد أن الدستور لن يعدل، وإن الأسباب هي "شروط تعجيزية في الدستور ذاته، إضافة إلى أن لجنة التعديلات الدستورية الحالية جاءت كمحاولة برلمانية لامتصاص غضب المتظاهرين".

وختم حديثه بالإشارة إلى أنه لا توجد جدية سياسية لتعديل الدستور، مشبها الكتل السياسية بـ"الطفيليات" التي تعتاش على الأزمات والتي ليس من مصلحتها الاستقرار السياسي في البلاد، فضلا أن الظرف السياسي والاقتصادي الراهن لا يسمح فنيا ولوجستيا بالتعديل.

ويضيف إحسان الشمري سببا آخر إلى عدم إمكانية تعديل الدستور قريبا، إذ إنه لم تتبق إلا أشهر قليلة من عمر الدورة البرلمانية الحالية حتى موعد الانتخابات التشريعية المبكرة، فضلا عن أن أي تعديل فعلي يتطلب تغييرا سياسيا حقيقيا في البلاد، واصفا مطالبات بعض الكتل بتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي بـ"مناورات الهروب إلى الأمام"، مشيرا إلى أن المشكلة لا تتعلق بالنظام قدر تعلقها بالطبقة السياسية التي لم تشرع كثيرا من القوانين التي كانت كفيلة بحل مشكلات البلاد.

المصدر : الجزيرة