رسائل مشرعين أميركيين وأوروبيين.. هل تزيد قلق السيسي من بايدن؟

blogs - SISI
السيسي.. دعم أميركي وأوروبي مستمر رغم انتهاكات حقوق الإنسان (رويترز)

يبدو أن حالة حقوق الإنسان في مصر عادت مجددا إلى واجهة المشهد، وذلك بعد توجيه مشرعين أميركيين وأوروبيين رسالتين إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يطالبونه فيها بإطلاق سراح معتقلين قالوا إنهم مسجونون ظلما.

وقالت منظمات حقوقية دولية في بيان أمس الأربعاء، إن 84 عضوا في البرلمان الأوروبي، و138 عضوا في البرلمانات الوطنية من جميع أنحاء أوروبا، فضلا عن 56 مُشرعا أميركيا راسلوا السيسي لحثه على وقف ما وصفته المنظمات الحقوقية بـ"أحكام السجن الجائرة" بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، والمحامين، والنشطاء في مصر المحتجزين لمجرد ممارسة حقوقهم المشروعة.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن 55 من المشرعين الديمقراطيين إضافة إلى السيناتور المستقل بيرني ساندرز ضمنوا رسالة بعثوها إلى السيسي، الاثنين الماضي، تفاصيل عن معتقلين قالوا إنهم في السجن لأسباب وصفوها "بغير العادلة"، محذرين من أن الديمقراطيين لن يتسامحوا مع انتهاكات حقوق الإنسان إذا فاز مرشحهم جو بايدن بالرئاسة.

وضمت رسالة النواب أسماء معتقلين ما بين صحفيين وسياسيين وحقوقيين، كما تنوعت انتماءاتهم حيث شملت ليبراليين ويساريين وإسلاميين، منهم أستاذ العلوم السياسية الليبرالي حازم حسني، والناشط اليساري هيثم محمدين، والحقوقي الإسلامي محمد الباقر، إضافة إلى الزميل الصحفي بالجزيرة محمود حسين.

تحذيرات سابقة

الرسالة الموجهة إلى السيسي قبل أيام من انتخابات الرئاسة الأميركية، حملت تهديدا واضحا بأن الديمقراطيين لن يتسامحوا مع انتهاكات حقوق الإنسان في حال فاز جو بايدن بالرئاسة، الأمر الذي رأى فيه مراقبون نوعا من المناكفة السياسية بين المرشحين للرئاسة، فيما اعتبره آخرون مؤشرا لتغيُّر حقيقي في حال خسر الرئيس الحالي دونالد ترامب.

لكن العضو الديمقراطي في مجلس النواب "رو خانا"، أكد أن دافع الرسالة هو الحملة، التي شنتها قوات الأمن المصرية ضد ناشطين ومعارضين، واعتقال أكثر من 900 شخص، إثر الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للسيسي.

وكان بايدن وجه تحذيرا مشابها في 12 يوليو/تموز الماضي، قائلا إنه إذا تم انتخابه رئيسا، فلن يكون هناك "شيكات على بياض للدكتاتور المفضل لترامب (يقصد السيسي)"، وشن حينها هجوما لاذعا على علاقة ترامب بالسيسي، مؤكدا أن قمع النظام المصري لحقوق الإنسان لن يتم تجاهله من قبل إدارته حال فوزه.

واتفق حقوقيون على أن هاتين الرسالتين لن تتركا أثرا مباشرا وعاجلا في الواقع الحقوقي بمصر، كونهما تأتيان في ظل دعم واضح من قبل إدارة ترامب للسيسي وسياساته، وتغاضٍ من قبل حكومات الدول الأوروبية عما رصدته منظمات حقوقية دولية ومحلية لانتهاكات حقوق الإنسان الواضحة من قِبَل النظام المصري.

وفي حين، تفاءل آخرون باعتبار رسالة مشرعي أميركا الديمقراطيين، مؤشرا على إمكانية حدوث تغير مؤثر في السياسة الأميركية تجاه النظام المصري حال فوز بايدن، استبعد آخرون ذلك، مشيرين إلى تغاضي الأخير عن اتخاذ موقف تجاه انقلاب السيسي العسكري، وما صاحب ذلك من انتهاكات واسعة، وقت أن كان بايدن نائبا للرئيس الأميركي باراك أوباما.

إرضاء إسرائيل

في هذا السياق، يرى الإعلامي والحقوقي هيثم أبو خليل، أن هذه الرسائل لا تحدث أي صدى في الحالة الحقوقية بمصر، لافتا إلى أنه طوال المرحلة الماضية، لم تؤثر أي أصوات مشابهة، واستمر الاعتقال وتنفيذ أحكام الإعدام وغيرها من الانتهاكات، في ظل دعم لا محدود من الإدارة الأميركية للسيسي إرضاء لإسرائيل.

ويرى أبو خليل في حديثه للجزيرة نت أنه في ظل سيطرة الجمهوريين لا يتوقع أي تغيير، لكن في حال فوز بايدن وصعود الديمقراطيين، ربما يحدث تغيير طفيف، لا يصل إلى تغيير جذري كما يتخيل البعض.

واعتبر الحقوقي المصري أن اختزال المشرعين الديمقراطيين مطالبهم في الإفراج عن عدد محدود، وإن تنوعت انتماءاتهم، "توجه غير جيد"، فهناك نحو 60 ألف معتقل، بينهم قيادات التيار الإسلامي، الذين يقبعون في السجون المصرية منذ 7 سنوات.

وشدد أبو خليل على أنه لا يتوقع حدوث انفراجة حقيقية في أوضاع حقوق الإنسان وغيرها من الحقوق بمصر، طالما أن السيسي على رأس السلطة، مؤكدا أن مصر تعيش أسوأ عهد لحقوق الإنسان على الإطلاق.

اتساع دائرة النقد

فيما ترى سلمى أشرف، مديرة منظمة "هيومن رايتس مونيتور" (HUMAN RIGHTS MONITOR) أن بيان المنظمات الحقوقية الداعم لرسالتي مشرعين أوروبيين وأميركيين يعكس اتساع دائرة النقد للحالة الحقوقية بمصر، وربما يمهد لتغيير نظرة الغرب تجاه هذه الحالة، بعد أن أصبح يرى حجم الانتهاكات التي طالت الجميع، ما يمكن معه التأثير على ما يسعى إليه النظام المصري من مصالح.

وقالت الناشطة الحقوقية إن هذه الرسائل تحقق هدف فضح الانتهاكات المستمرة لنظام السيسي، الذي يدّعي حماية الحريات، وهي وسيلة ضغط عليه؛ مضيفة "لكن في المقابل فإن الدعم المادي والعسكري الأميركي للسيسي، يحد من هذه المكاسب".

وتجد سلمى في تنوع انتماءات المعتقلين الذين تضمنتهم رسالة المشرعين الأميركيين، دليلا على إيمان أصحاب الرسالة ببراءة جميع من ذكرتهم، وكذلك غيرهم من المعتقلين، الذين يشتركون معهم في تلك الانتماءات، ويعكس قناعتهم بأن السيسي لا يفرق بين فصيل وآخر.

وفي ظل ما تراه الحقوقية المصرية من أن الرئيس الحالي لأميركا ينتهج العنف والإرهاب ودعم الدكتاتوريات في العالم، فإنها تتوقع أن تختلف سياسة من يعقبه، لكن انعكاس ذلك على الواقع المصري غير مضمون، حسب رأيها.

حق يراد به باطل

في المقابل، يرى الناشط السياسي المعارض عمرو عبد الهادي، أن هذه الرسائل تأتي في إطار "الحق الذي يراد به باطل"، مشيرا إلى أن السجون المصرية بها عشرات الآلاف من المظلومين المجهولين، ومحاولة دغدغة المشاعر بتنويع انتماءات المذكورين في الرسالة "محاولة للالتفاف على الحقوق".

واعتبر عبد الهادي في حديثه للجزيرة نت أن حصر الرسائل في عدد قليل جدا من المعتقلين، يؤكد لمن يتوقع تغييرا في السياسة الأميركية حال نجاح بايدن أنه واهم، لافتا إلى أن خطاب الحزب الديمقراطي ربما يكون أهدأ من الحزب الجمهوري، لكنه سيستمر في السياسة المعتادة تجاه مصر.

وأشار في هذا السياق إلى أن جميع الإدارات المتعاقبة على أميركا لن تفرط في أي مصالح متحققة للاحتلال الإسرائيلي، لكن لا بأس ببعض الإجراءات بين الحين والآخر لامتصاص غضب الشعوب العربية حتى لا يحدث انفجار تلوح بوادره في الأفق.

المصدر : الجزيرة