فورين بوليسي: دروس ما بعد الجائحة.. كيف نتعامل مع الفيروسات في المستقبل؟

أصبح الوضع خطيرا في نيويورك، بسبب تزايد أعداد الضحايا الذين يفقدون أرواحهم بسبب المخدرات في المدينة الأمريكية، حيث تؤكد السلطات الصحية أن المعدل ارتفع من 41% بين عامي 2010 و 2013 إلى 44% خلال العام الجاري
زكريا: يجب تقسيم المدينة تقسيما يقيّد الكثافة السكانية (الألمانية)

الكاتب الأميركي الشهير فريد زكريا خرج باستنتاجات حول التعامل مع الفيروسات المستقبلية تناولت تصميم المدن والنظم الاقتصادية، ووصفها الكاتب مايكل هيرش بأنها صعبة؛ لكن لا مفر منها.

يقول هيرش في مقال له بموقع مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) إنه وبعد مرور 10 أشهر، ليس من السابق لأوانه كتابة مسودة أولية حول عالم ما بعد الجائحة، التي أصبحت الأسوأ خلال قرن، وما قد يعنيه ذلك لعالم المستقبل.

ويستمر هيرش مشيدا بزكريا قائلا إنه سبق أن حذر في عام 2017 في برنامجه على "سي إن إن" (CNN) من أن أكبر تهديد للولايات المتحدة "القوة العظمى الوحيدة في العالم الآن فيروس صغير، وإنها غير مستعدة تماما للتعامل معه".

ويوضح هيرش أن زكريا قدم في كتابه المؤلف من 242 صفحة عرضا متقنا ومثيرا للإعجاب في التاريخ، والاقتصاد، والأزمات الصحية التي طال أمدها، والاتجاهات الثقافية العالمية.

هل هو انتقام الطبيعة؟

وينقل هيرش من الكتاب أن زكريا يقول "لقد صنعنا عالما في حال نشاط دائم ومفرط"، حيث يعيش الناس لفترة أطول ويسكنون مساحات أكبر، ويتعدون على الطبيعة، وردا على ذلك، فإن الأوبئة القادمة ستكون (انتقاما للطبيعة)، ليس أقله في الموائل البعيدة للخفافيش الخبيثة، والتي علمنا أنها حاملات مثالية للفيروسات القاتلة؛ لأنها تستطيع البقاء على قيد الحياة بشكل أفضل من الحيوانات الأخرى، لكن البشر الذين ينتشرون باستمرار يتواصلون مع الخفافيش في كثير من الأحيان، مما يزيد من خطر الاتصال الفيروسي غير المعروف في المستقبل".

ويقول زكريا إنه في الولايات المتحدة من السهل جدا إلقاء اللوم على الرئيس دونالد ترامب واستجابته للعلامات الأولى لجائحة كورونا؛ لكن المشكلة طويلة الأمد وهي مشكلة نظام بأكمله، إذ أدت سنوات من هيمنة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وغيرها من الهيئات، على الصحة الطبية، إلى الرضا عن النفس في هذه المراكز، وهو أمر بحاجة إلى تغيير.

Small toy figures are seen in front of diplayed Zoom logo in this illustration taken March 19, 2020. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration
زكريا: الثقافة الجديدة لاجتماعات "زوم" (Zoom) من المنزل ليست بديلا عن إعادة ابتكار المدن (رويترز)

سوق ريغان واشتراكية ساندرز

ويقول زكريا يجب تغيير حلول السوق، التي تنسب للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، ويصفها بأنها غير كافية، وإن الحكومة بحاجة إلى تأدية دور جديد، وإن لم يكن محددا بعد، كما يرفض الاشتراكية الجديدة التي يروّج لها السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز، والسياسية الأميركية الشابة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والتي تعيد النقاش القديم بين الأسواق الحرة والاقتصادات الموجهة، وبدلا من ذلك، يدعو إلى الاعتراف بضرورة تدخل الحكومات.

ويوضح أنه في عالم ما بعد "كوفيد-19″، لم يعد اليمين الأميركي يرفض الدنمارك، على سبيل المثال، باقتصادها المختلط الرائد الذي حقق نجاحا غير عادي ضد الفيروس، مشيرا إلى دعوة المعلق اليميني في "فوكس نيوز" (Fox News) تاكر كارلسون للقادة الجمهوريين بأن يعترفوا بأن رأسمالية السوق "ليست ديانة".

لكن زكريا يقدم أيضا بعض وجهات النظر المفيدة حول ما لن يتغير، ويقتبس، وسط الهجرة الجماعية من المدن، قول أرسطو بأن البشر في الأساس "حيوانات اجتماعية"، ليقول إن المدن لن تختفي بسبب الذعر الوبائي، ومن المرجح أن يتعافى التحضر، ولا سيما في البلدان النامية، ويستمر إلى حد ما بمعدل ما قبل الجائحة؛ لكن المطلوب هو المدن الأكثر استعدادا، مثل هونغ كونغ، التي عانت من 105 وفيات فقط.

مدينة الـ15 دقيقة

يستشهد زكريا بخطة عمدة باريس آن هيدالغو لتحويل تلك المدينة الرائعة والمبدعة إلى "مدينة مدتها 15 دقيقة"، حيث تكون مصممة بطريقة تتيح المتاجر والمتنزهات والمدارس ومكاتب الأطباء، ليتمكن الناس من الوصول بسهولة إليها وإلى المساحات المشتركة الأساسية في غضون بضع دقائق عن طريق ركوب الدراجات أو المشي، بدلا من انتشار الفيروسات في وسائل النقل الجماعي.

ويرى كاتب المقال إن المفهوم الجديد لتقسيم المناطق، الذي من شأنه أن ينكر "100 عام من أرثوذكسية التخطيط الحضري"، ويقسم المدينة تقسيما يقيّد الكثافة السكانية، طريق طويل.

ثقافة اجتماعات زوم

ويجادل زكريا بأن الثقافة الجديدة لاجتماعات "زوم" (Zoom) من المنزل ليست بديلا عن إعادة ابتكار المدن؛ لأنه، كما يقول "أصبح من الواضح بشكل متزايد أن العمل عن بعد هو أداة رائعة؛ ولكنه بديل غير مثالي للاتصال البشري الفعلي".

ويستمر في وصف ثقافة اجتماعات زوم قائلا إنها تمكّن الزملاء، الذين تربطهم علاقات راسخة من مواصلة العمل معا بسلاسة من خلال الدردشة عبر الإنترنت؛ لكنها لا تبني الثقة وترسخ أسلوب العمل الجماعي بينهم، ناهيك عن أن العمل عن بُعد يستبعد جميع المحادثات العفوية حول مبردات المياه والاجتماعات العرضية، التي تؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية والابتكار الناشئ من تصادم العقول، ولا تخاطب أكثر جوانب الإغلاق العالمي إحباطا، وهو الشعور بالوحدة المرضية المطلقة، والذي يُظهر أن أرسطو كان على حق.

المصدر : فورين بوليسي