هل تنجرّ مصر لحملة السعودية والإمارات في مقاطعة بضائع تركيا؟

نموذج حاويات
التبادل التجاري بين مصر وتركيا ارتفع إلى نحو 5 مليارات دولار سنويا (الجزيرة)

مع تصاعد الحملة السعودية الإماراتية للمطالبة بمقاطعة البضائع التركية، ظهرت تساؤلات عن موقف مصر، التي تتبع مواقف البلدين في معظم الأحيان، فضلا عن كونها عضوا معهما -بالإضافة إلى البحرين- في تحالف رباعي يستهدف حصار دولة قطر.

وفي هذا السياق، قال تجار مصريون إنهم يواجهون -حتى قبل حملة المقاطعة- مضايقات إدارية عند الاستيراد من تركيا، وهو ما دفع مصريين للتساؤل بشأن انجرار القاهرة والتحاقها بتلك الحملة تحت ضغوط قد تمارسها الرياض وأبو ظبي، أم أن للسلطات المصرية حسابات أخرى؟

ورغم دعوات سابقة لمقاطعة تركيا اقتصاديا، فإن التصعيد الأخير جاء بعد تغريدة لرئيس مجلس الغرف التجارية السعودي عجلان العجلان، يدعو فيها رجال الأعمال والمواطنين إلى مقاطعة المنتجات والبضائع والخدمات التركية بكل أشكالها.

ويقول خبراء اقتصاد ومحللون سياسيون إن الحملة تحركها أياد رسمية بهدف إلحاق أضرار تجارية ومالية بالشركات والمصانع التركية، التي تحظى منتجاتها بثقة المستهلكين في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية.

وتجاوزت صادرات تركيا إلى الدول العربية حاجز 30 مليار دولار عام 2019، من أصل 180.5 مليار دولار، هي إجمالي حجم الصادرات التركية، وفق تصريحات وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، مطلع العام الجاري.

تجارة مزدهرة رغم التوتر السياسي

وكان من الملاحظ أن الإعلام المصري تفاعل مع أخبار حملات المقاطعة السعودية الإماراتية، لكنه لم ينخرط بشكل موسع كما جرت العادة، حيث تناول التلفزيون الرسمي ومواقع إخبارية إلكترونية موالية للسلطة الخبر، خلال الأيام القليلة الماضية، في حين جاء الاستثناء من مقدم البرامج عمرو أديب الذي يعمل في قناة "أم بي سي مصر" المملوكة للسعودية، حيث كان من أشد الداعين لمقاطعة تركيا اقتصاديا، وخصص وقتا كبيرا من برنامجه لهذه الحملة.

أما على المستوى الشعبي، فلا يوجد أي تأثير للدعوات السعودية الإماراتية على الأرض، بل على العكس شهدت منصات وسائل التواصل الاجتماعي حملة مضادة لمقاطعة البضائع التركية، وتفاعل معها نشطاء مصريون تحت وسم "#الحملة_الشعبية_لدعم_تركيا".

المثير في العلاقات المصرية التركية أن حجم التبادل التجاري بين البلدين كبير نسبيا، ولم يتأثر في أحلك الظروف، إن لم يكن زاد بشكل مطرد، مخالفا المنحى السياسي الهابط والمتوتر.

وتحتل مصر المركز الثالث في قائمة أكبر المستوردين العرب من تركيا بعد العراق والإمارات، وذلك بنحو 3.3 مليارات دولار عام 2019، في حين تعد تركيا من أهم 5 دول تستقبل الصادرات المصرية، بقيمة تقترب من ملياري دولار سنويا.

وبشكل عام، ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر وتركيا خلال 10 أشهر الأولى من العام الماضي بنسبة 2.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018، حيث سجلت نحو 4.499 مليارات دولار، علما بأنها تجاوزت في مجمل العام حاجز 5 مليارات دولار.

هل تنجر مصر لحملة المقاطعة مع تركيا ..أم أن حساباتها تختلف؟
أدوات منزلية تركية في أحد المحلات المصرية (الجزيرة)

اتفاقية التجارة الحرة

ويفسر البعض تزايد حجم التبادل التجاري -رغم توتر العلاقات السياسية- بارتباط مصر مع تركيا باتفاقية التجارة الحرة الموقعة في ديسمبر/كانون الأول 2005، والتي دخلت حيز النفاذ في مارس/آذار 2007، ومنذ ذلك الوقت انتعشت حركة التجارة والاستثمار بين البلدين.

ورغم تلك الزيادة، فإن الآونة الأخيرة -قبل حملة المقاطعة- شهدت شكوى مستثمرين وتجار أتراك ومصريين من بعض التضييق والعرقلة، ولكن ذلك كان بشكل غير رسمي.

وكشفت مصادر بالسفارة التركية في القاهرة لمراسل الجزيرة نت عن أن التضييق شمل تأخير المعاملات التجارية والجمركية والإدارية، مما أزعج التجار والمستثمرين الأتراك والمصريين على حد سواء.

ونقل مراسل الجزيرة نت أيضا شكوى تجار مصريين في ما يتعلق باستيراد البضائع التركية إلى مصر، حيث يوجد تشديد كبير على التجار والمستثمرين، خاصة صغار التجار الذين يواجهون خسائر حقيقية جراء رفض البضائع أو إعادتها أو طلب إعدامها بدعوى عدم مطابقتها للمواصفات.

مصر خارج السرب

في هذا السياق، يعتقد المستشار السياسي والاقتصادي حسام الشاذلي أن مصر لن تنجر لذلك الفخ الاقتصادي، وإلا فعلى دول المقاطعة دفع الثمن لها، مضيفا "وأشك في أن قدراتهم الاقتصادية الحالية ستسمح بذلك، ولذا فقد يكون من الصعب الضغط على أي دولة أخرى للمشاركة في تلك الحملة، نظرا للخسائر بعيدة المدى التي تكلفها مقاطعة المنتج التركي على الصعيدين السياسي والتجاري".

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد المستشار الاقتصادي المعارض أن الهيكل الاقتصادي التركي القوي والمنتج في مقابل الهيكل المستهلك الدعائي في الإمارات والسعودية لا يخفى على أحد، مؤكدا في الوقت ذاته أن المنتج التركي يشكل مكونا أساسيا في السوق المصري، وتحكمه اتفاقات وشراكات كثيرة ومعقدة.

وشدد الشاذلي على أن لجوء الإمارات والسعودية إلى البعد الشعبي المصطنع، هو للتهرب من الوقوع في أزمة الإخلال بالالتزامات والمعاهدات الدولية التجارية، وعقود الشركات العابرة للقارات، مشيرا إلى أن الأرقام الرسمية ستفضح فشل المقاطعة سريعا وتفقدها هدفها السياسي.

المصالح الاقتصادية أكبر

من جهته؛ قال المحلل السياسي المصري عزت النمر إن "مصر في نسخة الانقلاب والعسكر لا يمكن أن يتم تحليل اتجاهات الأداء فيها كوحدة واحدة على مستوى النظام السياسي أو حتى كدولة، ينطبق هذا الكلام على دعوات مقاطعة المنتجات التركية التي شاعت وبدأت في الفضاء الخليجي"، مشيرا إلى أن "البون شاسع بين المسارين السياسي والاقتصادي المصري التركي".

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف النمر أنه "على المستوى الشعبي هناك ثقة ومصداقية في المنتج التركي، وهذا القطاع أيضا لن يتأثر بالاتجاه السياسي للدولة، ولن يشاركها، ولن يتحمل معها تلك المناكفات السياسية التي لا يعيرها المواطن البسيط أي اعتبار، خاصة حينما يتعلق الأمر بمنتج استهلاكي، حيث يهتم أولا بالجودة والسعر".

واختتم حديثه بالقول "لكن يظل السبب الأهم في عدم الإعلان الرسمي والحكومي في السعودية أو الإمارات عن قرار المقاطعة؛ أنه لا يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية والقانون التجاري الدولي، ولا تريد تلك الدول أن تتحمل تداعيات مواجهة رسمية أو قانونية مع تركيا أو منظمة التجارة".

الوجه الآخر للمقاطعة

رجل الأعمال التركي والخبير الاقتصادي يوسف كاتب أوغلو لم يستبعد ممارسة الرياض وأبو ظبي ضغوطا على مصر للمشاركة في المقاطعة، قائلا "هناك بلا شك ضغوط خليجية على مصر -ليس اليوم فقط- من أجل تعميم مقاطعة المنتجات التركية، وإضعاف الاقتصاد التركي".

لكن الاقتصادي التركي حذر مما أسماها بالمغامرة، مؤكدا أنها ستكون مغامرة غير محسوبة العواقب، لأن التجارة البينية بين مصر وتركيا تتجاوز الأرقام الرسمية، كما أن هناك استثمارات تركية في مصر بمليارات الدولارات أيضا، ومصر في وضع لا يسمح لها بالانجرار وراء مثل هذه دعوات، خاصة أن العلاقات التجارية تجاوزت الأسوأ في الماضي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار إلى أن الوجه الآخر للمقاطعة هو أنها ستنعكس بالسلب على الدول المقاطعة التي توارت خلف الدعوات الشعبية، في حين أنها حملة حكومية ومدبرة رسميا من خلال ممارسة ضغوط على مستثمريهم وتجارهم، لكنه توقع ألا يكون لها تأثير طويل المدى.

المصدر : الجزيرة