الأنظمة السابقة أم ثورة يناير؟.. السيسي حائر ويبحث عن شماعة للفشل

People ride on a bus as posters with Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi are displayed during preparations for the presidential election in Cairo, Egypt March 25, 2018. REUTERS/Ammar Awad
دعاية انتخابية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (رويترز)

تركة ثقيلة توارثتها أجهزة الدولة المصرية وحكوماتها المتعاقبة منذ أكثر من 60 سنة تعد هي السبب الرئيسي في عدم تقدم الدولة المصرية حتى الآن، بحسب تصريحات متكررة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

السيسي دأب على تحميل غيره نتائج فشل سياسات حكومته السياسية والاقتصادية، وما صاحب ذلك من ارتفاع الديون المصرية الداخلية والخارجية ووصولها لمعدلات غير مسبوقة، أبرز تلك الحجج المتكررة على لسان السيسي ومسؤولي نظامه هي: قوى الشر، وثورة يناير، وجماعة الإخوان، وأخيرا التركة الثقيلة التي ورثتها مصر من الحكومات المتعاقبة منذ عام 1952.

لكن تلك الحجج تكشف عن التناقض في حديث السيسي، فهو ينتقد الأنظمة السابقة لعدم بناء دولة ومؤسسات قوية، وفي الوقت نفسه يلوم ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ويقول إنها تسببت في انهيار الدولة ومؤسساتها.

 الديون ومنحنى الاقتصاد

قبل يومين، أظهر تقرير للبنك الدولي أن مصر كانت أكبر مقترض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال 2019، إذ استحوذت على ما يقرب من 34% من إجمالي ديون المنطقة.

ووفق تقرير البنك الدولي لإحصاءات الديون الدولية، أدى تراكم الديون في مصر إلى زيادة أعباء الديون في إجمالي المنطقة بنسبة 5.3%، وهي أكبر قفزة منذ 2009.

وبلغ إجمالي الدين الخارجي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي 340 مليار دولار، مقارنة بـ323 مليار دولار في 2018.

وزاد الدين الخارجي لمصر بنسبة 14.9% في عام 2019 ليسجل 115.1 مليار دولار، مقارنة بنحو 100.1 مليار دولار في عام 2018.

التصاعد الكبير في حجم الديون الخارجية، لفتت إليه أيضا دراسة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، التي أوضحت أن السياسات الاقتصادية للنظام المصري أدت إلى زيادات متواصلة في معدّلات الفقر، مما تسبب في تفاقم الهشاشة الاجتماعية للمصريين.

الدراسة المنشورة قبل أسبوعين، أشارت إلى أن السبب الأساسي هو السياسة المالية والاقتصادية التي ترمي إلى التسريع في نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى نخب الأعمال.

وأكدت الدراسة أن الارتفاع في معدّلات الفقر أدى إلى زيادة مستويات الحرمان الاجتماعي، والدليل على ذلك التراجع بمعدل 9.7% في الاستهلاك العام للسلع والخدمات، مع انخفاض الإنفاق على خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية والثقافة.

عهد مثقل بالديون

في هذا السياق يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أن السيسي لا يعمل وفق خطة واضحة المعالم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف شاهين أن السيسي موجود في حكم مصر منذ 8 سنوات، وهو أول رئيس في تاريخ مصر تنهال عليه كل هذه الودائع والقروض، ولكن ما يراه الشعب زيادة في المديونية، وضعف كبير جدا في مستوى المعيشة، وارتفاع في المستوى العام للأسعار، وانخفاض دخول الأفراد.

وخلال لقاء تلفزيوني بداية سبتمبر/أيلول الماضي، قال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر إن إجمالي التدفقات النقدية الدولارية التي جاءت إلى مصر خلال 6 سنوات، هي فترة رئاسة السيسي، بلغت 431 مليار دولار من تمويلات وصادرات وتحويلات ودخل من السياحة وغيرها من مصادر العملة الأجنبية.

ويوضح الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين أنه لم يحدث في تاريخ مصر أن يزداد خلال فترة وجيزة الدين الخارجي من 44 مليار دولار إلى 123 مليار دولار، بمعدل زيادة 79 مليار دولار في عهد السيسي، وهو ما لم يحدث في عهد أي رئيس سابق لمصر أن تصل لهذا المستوى من الديون الخارجية والداخلية.

ويعتقد شاهين أن السيسي قادم بخطة محددة وهي إغراق مصر في الديون، مضيفا "حتى المشروعات التي يقوم بها هي مشروعات استهلاكية، في حين يعاني الإنتاج الصناعي والزراعي، علاوة على قطاع الخدمات المترهل".

وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، قال المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان إن الحكومة المصرية تعتزم التخلص من بعض ديونها ببيع أصول مملوكة للدولة إلى مستثمرين عرب وأجانب بالشراكة مع صندوق مصر السيادي، كما أوضح أن قيمة الأصول المتوقع نقلها تبلغ نحو 3.5 مليارات دولار، عبارة عن دفعة أولية.

تركة الرؤساء وليس الثورة

المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور قال إن التركة الثقيلة التي يتحدث عنها السيسي كانت هي الباعث الحقيقي الذي خرجت من أجله ثورة 25 يناير لمواجهة الفقر والجوع والاستبداد والخراب الذي انتشر في البلاد منذ 1952 حتى عام 2010.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف نور أن التقرير الذي عرضه السيسي في اجتماعه الأخير ينبغي معه أن يعتذر باسم الحكم العسكري لمصر والمصريين عن هذا التداعي الذي جرى في الأحوال الاقتصادية والسياسية، وما كشف عنه هذا التقرير معلوم مسبقا للجميع بأن مصر المدنية كانت أفضل بكثير من مصر بعد الحكم العسكري.

وحول حديث السيسي المتكرر عن التركة الثقيلة التي ورثها، أشار نور إلى أن هذه عادة الحكام المستبدين، وفي ظل غياب الشفافية والمحاسبة الشعبية يلجأ كل حاكم مستبد إلى أن يلقي العبء على من سبقه.

وأكد نور أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والمؤشرات المرتبطة بسعر الصرف وحجم الديون، تكشف حجم التدمير الذي أحدثه السيسي وحكوماته المتعاقبة في حياة الناس.

وشدد السياسي المصري على أن ثورة 25 يناير قامت من أجل تطهير البلاد من الفساد، معتبرا أن السيسي هو من واحد من أهم رموز الفساد الذي لعب دورا مشبوها قبل الثورة وأثناءها، وما بعد الانقلاب الذي قاده على الثورة وليس على شخص الرئيس الراحل محمد مرسي.

ممارسات خاطئة

بدوره، يؤكد المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة صقاريا التركية محمد سليمان الزواوي أن التركة الثقيلة التي ورثتها مصر هي نتاج الممارسات الخاطئة للحكم العسكري.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الزواوي أن النظام السياسي العسكري هو السبب فيما تعانيه مصر الآن، خاصة من تقسيم إداري خاطئ وتداخل المدن الكبرى، فأدى لفشل في إحداث تنمية في الصعيد والمدن الصغيرة، وأصبحت هناك هجرات واسعة من الريف إلى الحضر، مما تسبب في مشكلات اقتصادية واجتماعية.

وشدد على أن السيسي يعيد إنتاج الفشل مرة أخرى بإعادته النظام الدكتاتوري العسكري، ليكرر حلقات الفشل التي ارتكبتها النظم العسكرية السابقة والتي أهدرت خيرات مصر.

وأوضح أن السيسي يعيد بناء الدكتاتورية العسكرية من جديد التي تعني سلطة مطلقة، أي مفسدة مطلقة، بسبب عدم وجود رقابة حقيقية على تصرفاته وإهداره الأموال العامة على مشاريع لا داعي لها، كتفريعة قناة السويس التي كلفت البلاد أكثر من 6 مليارات دولار.

وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 هي عرض لمرض في النظام السياسي المصري، وتراكم سنوات من الفشل وعدم تقدم في الناحية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وهي محصلة لحكم العسكر على مدى 60 سنة.

أسباب أخرى

في المقابل، شدد منسق "ائتلاف مصر فوق الجميع" محمود عطية على أن السيسي لا يقصد بحديثه عن التركة الثقيلة التي ورثها التقليل ممن سبقوه من رؤساء مصر.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح عطية أن مصر بعد عام 1952 كانت تعد نهضة كبيرة، وسعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لبناء الدولة الحديثة، لكن الدخول في الحروب والأزمات الدولية، خاصة حرب اليمن، أدى إلى تدهور قيمة الجنيه المصري.

ورفض عطية اعتبار الأنظمة التي حكمت مصر بعد عام 1952 أنظمة عسكرية، وقال "هذا ظلم لهذه الأنظمة، فكان رأس النظام فقط من القوات المسلحة أو له خلفية عسكرية، ولكن باقي معاونيه والوزراء غالبيتهم من خارج المؤسسة العسكرية".

وأضاف ربما كان السبب عدم التوفيق في التخطيط، فضلا عن الزيادة السكانية الكبيرة، متابعا "فلا نرمي الحمل على المؤسسة العسكرية التي هي من المفترض مؤسسة ضبط وربط ولا بد أن تستعين بالخبرات المدنية".

وعن تحميل السيسي ورئيس وزرائه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 مسؤولية التدهور الاقتصادي، قال عطية إن السيسي يقصد بحديثه ما جرى بعد 25 يناير من فوضى وبلطجة وسرقات، مضيفا أن "الشباب الحالم ببلد أفضل ليس هو السبب، ولكن الفوضى والسرقات والبناء المخالف ووقف المصانع وتهديد أصحابها، والإضراب عن العمل، هي التي أوصلتنا لما نحن فيه الآن".

المصدر : الجزيرة