السيسي: لا مصالحة مع الإخوان.. لماذا يصعّد النظام ضد الجماعة رغم خفوتها؟

الإخوان هم العدو الأول لنظام السيسي منذ انقلاب 2013 (الجزيرة)

رغم أن الدعوة للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت بمصر في 20 سبتمبر/أيلول الماضي جاءت من الممثل والمقاول المصري محمد علي، فإن ذلك لم يشفع لدى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كثف استهدافه وتنكيله بجماعة الإخوان المسلمين وأفرادها، بالتزامن مع محاولته السيطرة على حراك الشارع.

واليوم الأحد، عاد السيسي لاتهام الجماعة -دون أن يذكر اسمها- بمحاولة زعزعة الاستقرار وتدمير الدولة عبر إثارة الشارع والتشكيك في إنجازات النظام، مؤكدا أنه لن يتصالح مع من يريد خراب مصر، على حد قوله، لكن من دون أن يوضح سياق المصالحة المذكورة ومن عرضها.

وخلال "ندوة تثقيفية" للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى 47 لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، قال السيسي إن محاولات استهداف الدولة المصرية لن تتوقف من قبل من يقومون بها، وذلك أن هدفهم هو تدمير الدولة، على حد قوله.

وأضاف السيسي "لو ترغبون في الراحة مما يحدث لكم يوميا، فعليكم بالمصالحة، ولو تريدون المصالحة أخبروني، لكن أنا لن أستطيع المصالحة مع من يريد هدم بلدي وإيذاء شعبي وأولادي، فالأمر ليس مجرد اختلاف بل دمار وخراب، أنتم لا عندكم دين ولا ضمير ولا إنسانية".

وفي حوار سابق مع الجزيرة نت، أكد إبراهيم منير نائب مرشد الإخوان المسلمين والمسؤول الأول عن الجماعة حاليا أن الإخوان لن يعقدوا صفقة مهما كانت مع نظام السيسي، مشيرا إلى أن انتظار الجماعة وقوع أحداث ما تساعد في إسقاط النظام هو أمر طبيعي.

تصاعد التنكيل

تصريحات السيسي ضد الإخوان تأتي استكمالا للتصعيد الذي شهدته البلاد مؤخرا ضد الجماعة، حيث اتخذ النظام عددا من الإجراءات والقرارات؛ مثل طلب لجنة التحفظ على أموال "الجماعات الإرهابية" من محكمة الأمور المستعجلة تنفيذ حكم مصادرة أموال وأملاك 89 من قياديي الإخوان.

كما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا -هو الأول من نوعه- بشطب 6 محامين (بعضهم ينتمي للجماعة) من نقابة المحامين. وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام عن مصادر قانونية أن نقابات مهنية أخرى تلقت طلبات بشطب أشخاص ينتمون للإخوان ممن تم التحفظ على أموالهم.

وسبقت ذلك حملة اعتقال طالت العشرات من أفراد الجماعة ممن سبق اعتقالهم وآخرين لم يسبق اعتقالهم، ولحقه تنفيذ حكم إعدام بحق أفراد من الجماعة ومؤيديها من دون سابق إنذار أو إعلام ذويهم.

ومع استنكار سياسيين وحقوقيين هذا التنكيل غير المبرر في تقديرهم من قبل النظام للجماعة ومؤيديها، أبدى مراقبون استغرابهم لحالة الاستسلام والتعايش التي تواجه بها الجماعة هذا الأمر، والاكتفاء بإظهار المظلومية وإصدار بيانات الاستنكار، والتعامل مع ذلك باعتباره أمرا واقعا ومتوقعا.

صناعة العدو

هذا الاستغراب الذي ينتهي إلى الاستنكار لدى البعض، يشترك فيه عدد واسع من كوادر الجماعة، إضافة إلى بعض قياداتها، الأمر الذي يكشف عن واقع مرتبك تعيشه الجماعة، ولا يعالجه خطاب داخلي يستهدف أفراد صفها ويحاول إقناعهم بأنه "ليس في الإمكان ما هو أفضل"، حسب بعض كوادر الجماعة في الداخل والخارج.

القيادي بالجماعة وعضو مجلس الشورى (أعلى هيئة رقابية بالجماعة) جمال حشمت يقرأ أسلوب النظام مع الجماعة باعتباره "كتالوج قائم على صناعة عدو يضخمه ثم يشوهه ثم يتهمه بكل شيء ثم يستهدفه في كل ردود أفعاله العنيفة".

ويرجع حشمت في حديثه للجزيرة نت هذا الأسلوب إلى سعي النظام لتحقيق هدف "إخراج الإسلام المعتدل من الصورة، وإبقاء الميدان للمتطرفين، ومن ثم لا يرى للأمر علاقة بإعلان الإخوان مشاركتهم في الحراك الأخير من عدمه، فاعتقال الإخوان واستهدافهم مع عدم مشاركتهم خطة يتم تنفيذها بدقة، حسب رأيه.

ويرى القيادي في الإخوان أن الجماعة في هذه المرحلة "تحاول استدراك ما فاتها خلال سنوات ما بعد الانقلاب، وتوحيد صفوفها، وبث الأمل سعيا لاستعادة عافيتها"، لافتا إلى أن المظلومية "مفروضة على الإخوان بقوة السلاح، ولا يصنعونها ولا يسعون إليها".

"شيطنة الجماعة"

في حين يرى القيادي في الجماعة أشرف عبد الغفار أن السيسي وضع خطة مع نظامي الإمارات والسعودية لاستهداف جماعة الإخوان؛ في محاولة لاستئصالها وإنهاء فكرتها خدمة لإسرائيل، وتقوم هذه الخطة على "شيطنة" الجماعة وتسخير الإعلام المحلي والقنوات التابعة للإمارات والسعودية لهذا الغرض.

وحسب حديث عبد الغفار للجزيرة نت، فإن هذا الأمر جعل النظام المصري يعتبر كل من يعارضه إخوانيا، حتى وإن لم تكن له أي صلة بهم، وهو ما يقوم به الآن من استهداف لأبناء القرى الذين انتفضوا لأسباب اقتصادية واجتماعية بحتة، تحت زعم أنهم من جماعة الإخوان.

واعتبر أن صمت الإخوان الغريب -حسب وصفه- تجاه ما يفعله السيسي بهم يشجعه على ارتكاب المزيد من الانتهاكات، فهم عدو جاهز واستهدافهم هو الأقل كلفة، و"شيطنتهم" والقضاء على مواردهم يقتل الأمل فيهم ويخيف بقية الشعب من الاعتراض.

ويرى عبد الغفار أن جماعة الإخوان تمر بأزمة منذ الانقلاب، متهما قياداتها الحالية بالمسؤولية عن هذه الأزمة، والفشل في معالجتها، الأمر الذي يستدعي وجود قيادة جديدة تدرك أن المظلومية لن تأتي بشيء، وأن الوقوف في وجه النظام ورفض الظلم هو واجب الوقت.

أزمة النظام

كما يرى وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق عز الدين الكومي أن تكثيف النظام استهدافه الإخوان يعكس أزمة يعيشها هذا النظام، بدليل تراجعه عن عدد من قرارات الهدم والتصالح، ومحاولة إظهار الحرص على مصلحة الشعب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يربط الكومي بين منهجية النظام مع الإخوان وسعيه "لشرعنة" الانقلاب عبر الضغط على الإخوان للاعتراف به، وكذلك خوفه من استمرار الحراك الموجود وانضمام الإخوان له، ومن ثم قيادته، باعتبارهم قوى المعارضة الحقيقية، ومن ثم عودتهم للمشهد.

ويرى أن الجماعة رغم ضعفها وانكفائها على نفسها خلال هذه المرحلة، فإنها في تقديره "عرّت النظام وفضحته"، مشددا على أن انتقاد الجماعة لتبنيها خيار السلمية هو بمثابة انتقاد لثابت من ثوابتها، ويدعم هدف النظام في جر الجماعة للعنف؛ ليجد المبرر والغطاء للقضاء عليها.

ومنذ أن قاد السيسي انقلابا عسكريا في صيف 2013 عندما كان وزيرا للدفاع، حيث عطل الدستور وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين؛ وهو يعتبر الإخوان بمثابة عدو ولا يترك مناسبة تقريبا إلا ويوجه سهام النقد والهجوم للجماعة التي لا تعترف -بدورها- بشرعيته.

أزمة الإخوان

في المقابل، يرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى زهران أن جماعة الإخوان المسلمين لم تعد ذات تأثير وقوة تستدعي خشية أي نظام، ومن ثم فليس من المنطق تناول أي إجراءات أو تفاعلات هنا أو هناك في هذا السياق.

ويعتبر زهران في حديثه للجزيرة نت أن الإخوان المسلمين في ظل ما يعانونه من أزمات داخلية -فضلا عن واقعهم مع الأنظمة المختلفة- باتوا أشبه بالتنظيم الصغير المترهل الذي لم يعد قادرا على ترك أثر في داخله وبين أفراده، فضلا عن التأثير الخارجي الذي يستدعي الخوف والمواجهة.

ومن ثم، فإن ما يصدره التنظيم من إظهار للمظلومية واستدعاء خطاب الاستهداف، هو أحد جوانب أزمة الإخوان، التي لا بد أن يتجاوزوها، في حال كانوا حريصين على معالجة واقعهم المأزوم، وفقا لرؤية زهران.

المصدر : الجزيرة