"يوم أسود".. السلطة الفلسطينية تحجب عشرات المواقع
ميرفت صادق-رام الله
في خطوة وصفت بـ"اليوم الأسود في تاريخ الصحافة الفلسطينية"، قررت محكمة صلح رام الله بالضفة الغربية أمس الاثنين الاستجابة لطلب النيابة العامة للسلطة الفلسطينية بحجب عشرات المواقع الإخبارية وغيرها استنادا لنصوص قانون الجرائم الإلكترونية المتعلقة "بتهديد الأمن القومي والنظام العام".
وشمل القرار أكثر من 50 موقعا، بعضها تكرر ذكره في قائمة سُرّبت لوسائل الإعلام، وضمت مواقع إخبارية تعرضت للحجب سابقا كموقع ميدان التابع لشبكة الجزيرة، وشبكة قدس الإخبارية، وشبكة فلسطين للحوار، إلى جانب صفحات إخبارية كـ"ألترا فلسطين" و"متراس" و"عرب 48″، وأخرى متخصصة في القصص التي توثق تاريخ المقاومة بالفيديو كـ"فلسطين 27″.
وضمت القائمة صفحات فلسطينية ساخرة، وأخرى معارضة للرئيس محمود عباس كصفحة "محمود عباس لا يمثلني" وأخرى تهاجم وزير الخارجية رياض المالكي.
واستند طلب النيابة الفلسطينية إلى نص المادة 39 من قانون الجرائم الإلكترونية المعدل لعام 2018، والتي تنص على حق "جهات التحري والضبط المختصة، إذا ما رصدت قيام مواقع إلكترونية مستضافة داخل الدولة أو خارجها بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية أو غيرها، من شأنها تهديد الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة، أن تعرض محضرا بذلك على النائب العام أو أحد مساعديه، وتطلب الإذن بحجب الموقع أو المواقع الإلكترونية أو حجب بعض روابطها من العرض".
وتحت عنوان "يوم أسود في تاريخ الصحافة الفلسطينية"، اعتبرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين القرار "مجزرة بحق حرية الرأي والتعبير ووسائل الإعلام الفلسطينية". وقال بيان لها إن القرار يؤكد مخاوفها السابقة باعتبار قانون الجرائم الإلكترونية سيفا مسلطا على رقاب الصحفيين، كما أنه "يناقض تعهدات الحكومة بصون الحريات الإعلامية".
وطالبت النقابة مجلس القضاء الأعلى باتخاذ ما يلزم من إجراءات لنقض القرار ومراجعة الآلية التي اتخذ بها، وأكدت أنها ستتخذ كل الإجراءات القانونية للطعن فيه وفي مشروعيته.
قرار مفاجئ
وقال المحرر في موقع "ألترا فلسطين" الصحفي مجاهد بني مفلح إن القرار جاء مفاجئا، إذ لم يتسلم الموقع، الذي انطلق بنسخته الفلسطينية عام 2016، أي كتب رسمية أو إشعارات مسبقة بحجبه من أي جهة.
وبعد القرار مباشرة تعطل موقع "ألترا فلسطين" على بعض شبكات الإنترنت. وقال محرره للجزيرة نت إن الحظر لم يقتصر على الصفحة المحلية للموقع العربي المعروف بـ"ألترا صوت"، وإنما شمل كل تفرعاته: ألترا تونس وألترا عراق وألترا جزائر وألترا سودان.
وقال بني مفلح إن الموقع، الذي يستكتب عشرات الصحفيين، يحرص على اتّباع أقصى درجات المهنية، ويتواصل دومًا مع الجهات الرسمية، ومنها النيابة العامة، للحصول على تصريحاتها ومواقفها في الأخبار والقصص والتقارير والتحقيقات التي يعدها.
بدورها، شددت الحكومة الفلسطينية على لسان المتحدث باسمها إبراهيم ملحم على احترامها لاستقلال القضاء وعدم تدخلها في شؤونه، مطالبة في الوقت ذاته "جهات الاختصاص والنائب العام بالتراجع عن القرار".
وطالبت الحكومة القائمين على كل المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي "توخي المعايير المهنية والأخلاقية فيما ينشر من أخبار ومواد إعلامية"، مؤكدة على "صونها لحرية الرأي والتعبير".
واعتبر مدير الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون ماجد العاروري قرار حجب المواقع الإلكترونية بالجملة "تمهيدا لمرحلة خطيرة تتحول فيها المحاكم إلى أداة لقمع الحريات وشرعنتها في فلسطين".
وكتب العاروري على صفحته أن "القرار في منتهى الخطورة وسيفتح باب التحرك الجماعي للدفاع عن حرية التعبير، وهو أخطر قرار قضائي يستند إلى قانون الجرائم الإلكترونية، ويشكل نذير شؤم فيما يتعلق بحرية الصحافة واستقلال القضاء".
في هذه الأثناء، وجهت منظمة سكاي لاين الدولية برقية عاجلة للمقرر الخاص لحرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة ديفد كاي إثر حجب السلطة الفلسطينية عشرات المواقع الإلكترونية. وطالبته بالتدخل لوقف ما وصفته بـ"الاعتداء على حرية الرأي والتعبير في الأراضي الفلسطينية".
وطالبت المنظمة السلطة الفلسطينية بالوقف الفوري لقرار حجب المواقع. وقالت إن المادة التي استند إليها القرار "جاءت فضفاضة ووضعت السلطة الكاملة في يد السلطة التنفيذية والقضاء لتقرير إذا ما كانت المواقع تنتهك الأمن والسلم والآداب والنظام، مما يُشكك في مصداقية بلاغ النائب العام الفلسطيني حول ذلك".
وتصدر وسم "#الحجب_جريمة" قائمة المواضيع الأكثر تداولا في فلسطين، وعبّر مئات النشطاء والصحفيين عن رفضهم للقرار وسخريتهم منه.
وكانت السلطة الفلسطينية قد لجأت إلى حجب نحو 30 موقعا وشبكة إخبارية عام 2017 بتهمة علاقتها بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبالقيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) محمد دحلان، وذلك قبل أن تصادق على قانون الجرائم الإلكترونية الذي لاقى معارضة حقوقية ونقابية واسعة.