رئاسيات "محسومة" في مالي الفقر والطوارئ والطوارق
يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في مالي اليوم الأحد للإدلاء بأصواتهم، في الدورة الثانية من انتخابات رئاسية يرى المراقبون أن نتيجتها محسومة سلفا لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته إبراهيم أبو بكر كيتا، خصوصا أنها تعقد وسط إجراءات أمنية مشددة وتغاض غربي عن معايير الشفافية والنزاهة.
ودُعي أكثر من ثمانية ملايين ناخب في مالي إلى التصويت في هذا البلد الشاسع في منطقة الساحل وإحدى أفقر دول العالم.
وتصاعد التوتر فجأة أمس عندما أعلنت الاستخبارات المالية توقيف ثلاثة مسلحين وصفوا بأنهم أعضاء في "مجموعة إرهابية"، كانوا "يخططون لهجمات أهدافها محددة في باماكو في نهاية الأسبوع" ولم تحدد طبيعة هذه الهجمات.
وتتهم المعارضة السلطة باستغلال غياب الأمن الناجم عن أعمال عنف "الجهاديين" أو المواجهات العرقية، لتضخيم النتيجة التي حققها الرئيس المنتهية ولايته.
ودان مرشح المعارضة سومايلا سيسيه -الذي ينافس كيتا في الدورة الثانية- "تعطيل الانتخابات" خلال الدورة الأولى، ودعا المانحين الأجانب إلى "تحمل مسؤولياتهم" معتبرا أن انتقاداتهم مخففة.
وقبل ساعات من فتح مراكز الاقتراع، أكد معسكر سيسيه الليلة الماضية أن معسكر الرئيس المنتهية ولايته يعمل على تزوير عملية الاقتراع.
وقال تيبيليه دراميه رئيس الحملة الانتخابية لسيسيه "منذ ثلاثة أيام يعلموننا أن بطاقات اقتراع يتم تداولها في البلاد"، وعرض دفترا من خمسين بطاقة اقتراع تحمل صور المتنافسين سيسيه وكيتا.
وقال دراميه إن "هذه البطاقة يجب أن تكون محفوظة تحت الختم ولا تفتح إلا بوجود الموظفين والمندوبين وموكلين من المرشحين، وإذا كانت هناك بطاقات مطروحة في باماكو قبل يوم التصويت، فهناك ما يدعو إلى التساؤل عن مصداقية الاقتراع".
مهام واتهام
وسيتولى الرئيس المنتخب مهامه مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، وستكون مهمته الرئيسية إحياء اتفاق السلام الذي وقع في 2015 -وتأخر تنفيذه- بين الحكومة وحركة التمرد التي يهيمن عليها الطوارق.
وكان هذا الاتفاق وقع بعد تدخل الجيش الفرنسي الذي طرد مسلحين عام 2013 من شمال مالي بعد عام من سيطرتهم على المنطقة.
ورغم الاتفاق الذي انضمت إليه الحكومة ومجموعات متحالفة معها ومتمردون سابقون من الطوارق، لا تزال حالة الطوارئ مطبقة في البلاد ويتوقع أن تدخل عامها الرابع في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي هذه الأثناء، امتدت أعمال العنف من شمال مالي إلى وسطها وجنوبها، ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، وتشابكت في بعض الأحيان مع النزاعات بين مجموعات السكان.
ولا يزال لدى فرنسا نحو 4500 جندي منتشرين إلى جانب 15 ألفا من القوات الدولية لحفظ السلام، إضافة إلى قوة مجموعة دول الساحل الخمس بهدف اجتثاث "الجهاديين" وإعادة فرض سلطة الدولة.
ويتهم معارضو كيتا -بمن فيهم عدة وزراء سابقين- الرئيس بالتخبط في رده على سفك الدماء، وقد لقي نحو ثلاثمئة مدني حتفهم في مواجهات عرقية هذا العام وحده.
اهتمام
وتتابع الأسرة الدولية المهتمة بمساعدة مالي منذ سنوات بدقة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم، لكن دبلوماسيين يرون أن سير الاقتراع لن يؤثر في نهاية المطاف كثيرا على مستقبل مليارات الدولارات من المساعدات التي تتلقاها باماكو.
وترفض المفوضية الأوروبية وباريس وواشنطن تحديد الخطوط الحمر التي يجب ألا يتم تجاوزها في هذا البلد الذي لا يزال يواجه تهديدا من المسلحين، ويؤثر تطوره على كل منطقة الساحل إن لم يكن أبعد من ذلك.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول غربي قوله "نظرا لضيق الوقت" بين دورتي الانتخابات، فإن الاتحاد الأوروبي "لا يريد أن يعبر عن موقفه" حاليا من الشروط والمؤشرات التي يريد تحديدها لباماكو من أجل تسليمها مساعداته.
والصمت نفسه يسود فرنسا التي لم ترد سفارتها في باماكو على اتصالات الإعلاميين بهذا الشأن. وإلى جانب الاتحاد الأوروبي، هناك البنك الأفريقي للتنمية وكندا اللذين يمولان مباشرة ميزانية عمل الحكومة في مالي.
وصرّح دبلوماسي غربي طلب عدم كشف هويته بأنه "يجب أن تحدث كارثة كبرى مثل انقلاب لوقف دفع الأموال". وأقر هذا المصدر في الوقت نفسه بأن "مؤشرات الحكم الرشيد لم تتحقق"، وبأن بعض المبالغ علقت لأنه "ما زال على مالي أن تحقق تقدما".
أما الأمم المتحدة -الطرف الذي لا غنى عنه- فهي تنفق سنويا مليار دولار على بعثتها لحفظ السلام في مالي، وهي أكبر مهمة تقوم بها في العالم.
وإلى جانب هذه القوة الأمنية والعسكرية، تنفق وكالة الأمم المتحدة للتنمية سنويا أربعين مليون دولار للمساعدة على "إعادة سلطة الدولة".
لكن هذه السنة -وبطلب من باماكو- لم تلعب المنظمة الأممية إلا دورا صغيرا في تنظيم الانتخابات الرئاسية، خلافا لعام 2013 بحسب مديرها في مالي أبو بكر كوليبالي الذي أوضح أن مساعدة برنامج الأمم المتحدة للتنمية لا تتطلب "أي مقابل محدد" من مالي، "لأن هذا ما تريده الدول الأعضاء".