ميركل بمواجهة زيهوفر.. صراع إرادات يهدد ألمانيا

خالد شمت-برلين
وتراجع زيهوفر -الذي يترأس الحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم بولاية بافاريا الجنوبية- عن تهديده بإغلاق حدود البلاد بوجه طالبي اللجوء القادمين من دول أوروبية أخرى، لكنه توعد بتنفيذ هذا الإجراء إذا لم تتوصل ميركل لحل موحد لمشكلة اللجوء، مع قادة حكومات ودول الاتحاد الأوروبي بقمتهم المقررة في 28 و29 يونيو/حزيران الجاري.
من جانبها قبلت المستشارة الألمانية بالمهلة غير المألوفة لوزير داخليتها، وجددت رفضها أي إغلاق للحدود الألمانية من دون توافق أوروبي، وهددت باستخدام صلاحيتها لعرقلة أي محاولة لزيهوفر بهذا الشأن.
توقع للأسوأ
واستفحل الخلاف بين ميركل ووزير الداخلية الألماني وخرج للعلن عبر تهديدات متبادلة بينهما بعد إعلان زيهوفر عن خطة لتشديد غير مسبوق لإجراءات اللجوء سماها "الخطة الرئيسية للتغلب على مشكلات النظام بين اللاجئين والمهاجرين".

وتضمنت هذه الخطة -حسب صحيفة زود دويتشه تسايتونغ- 63 بندا، أهمها إغلاق الحدود بوجه طالبي اللجوء الذين سبق رفض طلباتهم بألمانيا، واللاجئين المسجلين بدول أوروبية أخرى، وتصنيف تونس والجزائر والمغرب بلدانا آمنة يتوجب رفض طالبي اللجوء القادمين منها، وتحويل مساعدات اللاجئين من مالية إلى عينية، وجعل الحصول على هذه المساعدات بعد 36 شهرا من وصول طالبي اللجوء لألمانيا بدلا من 15 شهرا.
ورفضت ميركل خطة وزير داخليتها، وأوقفت تنفيذها لاعتراضها على البند المتعلق بإغلاق الحدود، واستخدم الاثنان لغة تصعيد، فتوعد زيهوفر رئيسته بتنفيذ خطته دون حاجة لموافقتها، فيما هددت ميركل رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري بشكل مبطن بإقالته من منصب وزير الداخلية إن أقدم على إغلاق الحدود.
واتفقت ميركل ووزير داخليتها على بقاء الوضع الراهن انتظارا لقرارات القمة الأوروبية دون استمرار هذا التصعيد، ولمنع انهيار الحكومة الألمانية ووضع البلاد بمواجهة تداعيات خطيرة.
ورأى المحلل السياسي البروفسور غيرو نويغيباور أن هذا الاتفاق يحفظ لميركل وزيهوفر ماء وجههما، لكنه سيبقي الصراع بين حزبيهما كما هو، وعزا هذا التوقع لأخذ الخلاف المحتدم بين المستشارة ووزير داخليتها طابعا شخصيا، ولرغبة الحزب المسيحي الاجتماعي برضوخ ميركل لخطة رئيسه واستخدامه هذا الرضوخ بدعايته للانتخابات التي ستجري ببافاريا في 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتوقع نويغيباور بحديثه للجزيرة نت أن يؤدي فشل ميركل بالتوصل لحل مشترك لمشكلة اللجوء مع القادة الأوروبيين، لاشتعال صراع "كسر العظام" بينها وزيهوفر مجددا، وانهيار الحكومة الألمانية الحالية.
مشكلة البافاري
وتقود ميركل الائتلاف الحاكم المشكل منذ ثلاثة أشهر من حزبها المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر المسيحي الاجتماعي البافاري والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
واعتبر لؤي المدهون المحاضر في العلوم السياسية بجامعة كولونيا أن الصراع بين الحزبين المسيحيين المتحالفين منذ 70 عاما حول موضوع اللجوء مرتبط بتبني الحزب المسيحي الاجتماعي نهج اليمين الشعبوي لتخوفه من خسارة انتخابات بافاريا، وفقدانه حكم هذه الولاية بعد الصعود الكبير بشعبية حزب "بديل لألمانيا" المعادي لأوروبا واللاجئين والإسلام.

وأوضح المدهون في تصريحات للجزيرة نت أن الحزب المسيحي البافاري يمثل حالة استثنائية لحكمه بولاية واحدة، ولعبه -عبر مشاركته بحكومة ميركل- دورا بالسياسة الألمانية، وتطلعه لدور أوروبي مماثل يفرض من خلاله تصوراته المتشددة تجاه اللاجئين بمعزل عن الآليات الأوروبية.
وخلص الباحث إلى أن نجاح محاولة زيهوفر وحزبه في إسقاط ميركل ستعني نهاية الديمقراطية الألمانية، وشيوع حالة من الفوضى والشلل السياسي بالبلاد، في وقت تعاني فيه أوروبا من تداعيات صعود اليمين المتطرف.
في هذا السياق استبعد البروفسور تورستن فاس أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين الحرة استسلام المستشارة ميركل ببساطة وخروجها الآن من المشهد السياسي.
وأوضح فاس للجزيرة نت أن ميركل أظهرت استعدادا كبيرا للمقاومة داخليا بترتيبها أوراقها وحشدها حزبها خلفها، وحصولها خارجيا على دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد خطة زيهوفر، وسعيها للتوصل مع إيطاليا واليونان والنمسا لمواقف مشتركة تجاه أزمة اللجوء، قبل القمة الأوروبية.
ورأى الباحث السياسي أن شخصية وقناعات المستشارة الألمانية وفهمها للعمل السياسي كمسؤولية تجاه بلدها وأوروبا ستدفعها للدفاع بكل قوة عن سياستها، والبحث عن حلول براغماتية للأزمة الراهنة.