مات أم يحتضر؟.. مجلس التعاون حاضر بمنتدى الجزيرة
تحت تعنوان "عام على الأزمة الخليجية.. حصيلتها ومساراتها المقبلة"، ناقش منتدى الجزيرة في نسخته الـ12 مسارات الشقاق الخليجي وآفاق حله، ودور القوى الإقليمية والدولية في إطالة أمده.
ورأى باحثون وأكاديميون أن دول الحصار أخطأت في حساباتها لاعتقادها بأن الأزمة ستضر بقطر فحسب، متناسين أن شظايا الأزمة ستطالهم وبقية دول العالم نتيجة لأهمية منطقة الخليج الحيوية اقتصاديا وسياسيا.
وتوقع آخرون أن يتحول مجلس التعاون الخليجي إلى حالة اتحاد المغرب العربي الذي بقي اسمه وجمدت مؤسساته بحيث بات في حكم الميت وعبئا على دوله، مطالبين في هذا الخصوص صناع القرار في دول الخليج بضرورة حل الأزمة قبل أن تتفاقم الأمور.
وفي هذا السياق قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر الدكتور ماجد الأنصاري إن الأزمة الخليجية الراهنة هي الأخطر في تاريخ المجلس، مشيرا إلى أنها خرجت من الحيز الخليجي إلى دهاليز القوى الدولية التي يسعى بعضها إلى إطالة أمد الأزمة.
وقال إن منطقة الخليج لم تعد حديقة خلفية لأميركا، بل باتت ساحة للصراع الدولي ستلعب فيه القوى العظمى أدوارا على حساب مصالح الخليج دون أن يفهم قادته خطورة الوضع. ويلاحَظ أن قادة الخليج كانوا يتغلبون على الأزمات البينية، "لكن يبدو أن الأزمة الراهنة ستبقي على الاستقرار السلبي".
ووفق الأنصاري فإن المملكة العربية السعودية دأبت على الانطلاق من أنها حين تقوى يجب أن تضعف مواقف الدول الخليجية الأخرى، والعكس صحيح.
والمؤسف -يقول الأنصاري- أن هذه المعادلة أضعفت دول الخليج ومنعتها من القدرة على اتخاذ موقف موحد يضمن لها استمرار مقارعة الهيمنة العالمية والقدرة على الحل، حسب تعبيره.
ويرى الأنصاري أن حل الأزمة لن يتم إلا من خلال سيناريوهات ثلاثة:
1- توافق خليجي نابع من النظر لمصالح الشعوب خصوصا من طرف الحصار، "وهذا مستبعد".
2- حدوث كساد اقتصادي كبير يقلب أوضاع الشعوب رأسا على عقب، ويجعل الخليجيين يهرعون إلى بعضهم البعض لتجنب الانهيار الكارثي.
3- اقتناع الإدارة الأميركية بأن الأزمة ستشكل خطرا حقيقيا على مصالحها.
رهانات فاشلة
من جانبه قال الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور فيصل أبو صليب إن هناك معطيات خارجية ساعدت في إطالة أمد الأزمة الخليجية، ومن أهمها تماهي الإدارة الأميركية وتبنيها لمواقف السعودية والإمارات.
وأشار أبو صليب إلى أن دول الحصار وضعت ثلاثة أهداف تبدأ من محاولة إجبار قطر على التخلي عن سياستها الخارجية المستقلة، وإذا لم ينجح هذا الهدف تحاول تغيير نظام الحكم في قطر، وإذا لم يتحقق هذا يتم عزل الدوحة عن محيطها، مضيفا "أستطيع القول إن دول الحصار فشلت فشلا ذريعا في تحقيق هذه الأهداف".
ورأى أنه لا يمكن عزل قطر إطلاقا عن العالم لأنها نسجت علاقات عابرة للقارات، باستثماراتها الضخمة في العالم وعملها على تحقيق رفاه لشعبها جعله يلتف حول قيادته، مما صعّب من مهمة عزلها إقليميا ودوليا، حسب تعبيره.
وحذّر أبو صليب من أن منظومة مجلس التعاون الخليجي ينتظرها مصير اتحاد المغرب العربي الذي بات اسما حيا ومؤسسات ميتة، إذا لم تجد دول الخليج طريقا لحل أزمتها التي حاولت الكويت حلها.
وفي ذات السياق، يرى الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإستراتيجية عبد الله الغيلاني أن الأزمة ليست وليدة اللحظة التي انفجرت فيها، بل هناك محاولات قديمة لإجبار قطر على التخلي عن سيادتها منذ محاولة انقلاب 1996، مما يؤكد أن دول الحصار منذ ذلك التاريخ وهي تحاول الإضرار بقطر وسيادتها.
وقال الغيلاني إن الأزمة جعلت الدولة الخليجية أكثر انكشافا وضعفا أمام الهيمنة الخارجية، ويظهر ذلك في ابتزاز أميركا ترمب للخليج عسكريا واقتصاديا وسياسيا. كما أعادت الأزمة الإصلاحات الدستورية إلى مربعها الأول.
وختم بأن المشكلة الأبرز هي تراجع مستوى الإصلاحات الدستورية في الخليج، حتى صار النظام السياسي يفرض على الشعوب عدم التفكير في الإصلاحات الدستورية، خصوصا في دول الحصار التي تعيش شعوبها مزيدا من القهر والتسلط، وفُرض عليها التماهي مع سياسات حكوماتها التي فرضت على النخب في السعودية والإمارات التنظير للاستبداد وإقناع الشعوب بذلك.
وعن المواقف الدولية من الأزمة الخليجية، رأت الباحثة في شؤون الخليج والشرق الأوسط سيزيا بيانكو أن الاتحاد الأوروبي يرى أن أزمة الخليج امتداد لأزمات المنطقة، مسجلا موقفا مغايرا لموقف أميركا التي يرى الاتحاد أنها لم تعد قادرة على حفظ أمن واستقرار المنطقة.
وأكدت بيانكو أن موقف الإدارة الأميركية ومشاكلها الداخلية أحدث ارتباكا دوليا في التعاطي مع أزمة الخليج، خصوصا لدى الاتحاد الأوروبي الذي كان يعمل على توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول الخليج.
وقالت إن الأزمة شكلت ضربة قوية للاقتصاد الأوروبي، فالاتحاد كان يعتقد أن التجانس بين الشعوب الخليجية يمنع من حدوث أزمات قوية فيه كما هو الحال في أوروبا، لكن أثبتت الدول التي فجرت هذه الأزمة أن تقديره للوضع في الخليج كان خاطئا.
وتضيف بيانكو أن استخدام الأدوات الاقتصادية للضغط على شريك كما حدث لقطر، شكل ضربة قوية لاقتصاد الخليج ككل، ولرؤية الاتحاد الأوروبي للتكامل الاقتصادي مع هذا الجزء من العالم، فهذه الأزمة أزمة ساذجة جدا لم تراع مصالح الشعوب.
وفي تصريح للجزيرة نت قال عضو مجلس النواب اليمني عبد الكريم محمد الأسلمي إن الأزمة الخليجية ستراوح مكانها لأسباب داخلية وإقليمية ودولية.
وأوضح الأسلمي أن المجتمع الدولي مستفيد من الوضع الراهن، خصوصا الولايات المتحدة، بينما تتجاذب المنطقة قوى إقليمية لديها مشاريع متعددة، كالمشروع الإيراني والتركي والإسرائيلي، وهي قوى لديها تحالفات مع بعض دول الخليج.