يوم النساء.. هل يحق للمرأة العربية الاحتفال؟
يحتل الثامن من مارس/آذار مكانة خاصة في نفوس نساء العالم، وهو يوم مميز بالنسبة لهن وسط زحمة الحياة طوال أيام السنة. وفي بعض المجتمعات تتلقى المرأة في مثل هذا اليوم الهدايا والورود، ويتم تدليلها داخل بيتها، بإعفائها من الأشغال اليومية الروتينية، ليقوم بها زوجها وبقية أفراد أسرتها.
وفي المقابل، فإن هذا اليوم لا يكاد يذكر في مجتمعات أخرى، إما لاعتباره مناسبة مرتبطة بعادات وتقاليد غربية دخيلة، وإما لكثرة الأعباء والمشاكل اليومية التي تثقل كاهل المرأة وتجعلها لا تتذكر مثل هذه المناسبات الاجتماعية.
ولا تتعلق هذه المناسبة بالاحتفالات وتقديم الهدايا، بل تنتظرها المرأة للتذكير بحقوقها المدنية والسياسية، حيث تتفق نساء العالم في مثل هذا اليوم على الخروج إلى الشوارع ورفع شعارات تطالب بتحسين أوضاعهن، مثل تحقيق المساواة بينهن وبين الرجال في بعض المجالات، وحمايتهن من العنف والتمييز بكل أشكاله.
الفكرة
والواقع أن فكرة تخصيص يوم محدد للمرأة في العالم ترتبط بنضالات النساء في المجتمعات الغربية، من أجل تحسين أوضاعهن المعيشية، إذ تعود الفكرة إلى الحزب الاشتراكي الأميركي الذي حدد يوم 28 من فبراير/شباط 1909 مناسبة لتكريم المشاركات في إضراب عمال مصانع الألبسة في نيويورك احتجاجا على ظروف العمل وتدني الأجور.
وخلال اللقاء الاشتراكي الدولي الذي عقد في كوبنهاغن عام 1910، تم إقرار فكرة تخصيص يوم للمرأة دعما لكفاحها من أجل الحصول على حقوقها. مع العلم أن توصية المؤتمر تزامنت مع دخول ثلاث نساء إلى البرلمان الفنلندي لأول مرة في تاريخه.
وتطبيقا لتوصيات مؤتمر كوبنهاغن، تم الاحتفال لأول مرة بعيد المرأة العالمي في السويد والدانمارك وسويسرا وألمانيا يوم 19 مارس/آذار 1911، حيث شاركت أكثر من مليون امرأة في المسيرات التي شهدتها هذه البلدان.
ولم تتبن الأمم المتحدة هذه المناسبة إلا عام 1975، وذلك في قرار صدر بالإجماع عن الجمعية العمومية تحت مسمى "يوم الأمم المتحدة لحقوق المرأة والسلام العالمي". ومنذ ذلك الحين بات الاحتفال بالثامن من مارس/آذار كل عام أمرا مقدسا في بعض الدول، وحتى المنظمة الأممية تستغل هذه المناسبة لدعم حقوق المرأة من خلال تنظيم برامج توعوية في مختلف المجتمعات.
وإذا كانت مناسبة اليوم العالمي لعيد النساء تستغل من طرف البعض لتسليط الأضواء على المرأة في الدول المتقدمة بالتركيز على حضورها السياسي والاجتماعي، فإن المرأة المقهورة في الأرياف وفي مناطق الحروب تبقى في دائرة النسيان حتى في يوم حدد ليكون عيدها.
فهل يتذكر الإعلام والمؤسسات الدولية والنسوية التي تحتفل بالثامن مارس/آذار -على سبيل المثال- المرأة الروهينغية المسلمة التي يتم اغتصابها بوحشية كبيرة، ويقتلها جنود ميانمار وهي حامل أو يرمون بأولادها في النار؟
نضال ومكاسب
وعيد المرأة أيضا مناسبة للحديث عن المرأة في العالم العربي، وعن نضالها من أجل الحصول على ما تعتبره حقوقها المدنية والسياسية والاجتماعية.
والمرأة العربية عموما جزء من مجتمع يواجه تحديات كثيرة، وهي على غرار شقيقها الرجل شاركت في ثورات ضد الاستعمار كما هو الحال في الجزائر وفلسطين المحتلة، وشاركت لاحقا في ثورات ضد أنظمة استبدادية على غرار ما حدث في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، حيث برزت كثيرات في المشهد مثل اليمنية توكل كرمان التي حازت مقابل جهودها النضالية جائزة نوبل للسلام مناصفة مع أخريات في أكتوبر/تشرين الثاني 2011.
ودفعت الناشطة المصرية شيماء الصباغ حياتها ثمنا لنضالها، وذلك خلال احتجاج وسط القاهرة عام 2015.
واقتحمت المرأة العربية منذ سنوات عديدة معظم المجالات المهنية، فهي وزيرة ورئيسة حزب، وقاضية، وزاحمت الرجل حتى في أعلى المناصب داخل مؤسسة الجيش، حيث رقيت على سبيل المثال الجزائرية فاطمة بودواني في ديسمبر/كانون الثاني 2017 إلى رتبة لواء.
كما نالت النساء العربيات حظهن من المشاركة السياسية، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة بين الدول العربية، ودخلن البرلمان وخصصت لهن "كوتات خاصة". ففي تونس على سبيل المثال بلغ تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب (البرلمان) عام 2014 حوالي 31% من إجمالي 217 نائبا.
وفي موريتانيا التي تحظى فيها المرأة بحضور اجتماعي وسياسي قوي، صدر تشريع عام 2006 يقضي بأن تتضمن القوائم المرشحة للانتخابات البرلمانية نسبة 20% على الأقل من النساء. وتشغل المرأة هناك حاليا 31 مقعدا من أصل 147 عضوا، وتمثل في الحكومة بحوالي 25%. وهي تتولى منصب "رئاسة المجموعة الحضرية" أي عمدة نواكشوط، وهو أكبر منصب انتخابي محلي.
والمرأة الخليجية بدورها بدأت تقتحم مجالات عديدة وتشارك سياسيا واجتماعيا وثقافيا، فقد نالت الكويتية حقوقها السياسية وشاركت بأول انتخابات عام 2006، وفي قطر برزت نساء وشابات ينافسن الرجل في المناصب العلمية والإدارية والدبلوماسية، وكانت شيخة المحمود أول وزيرة للتعليم وأول سيدة قطرية وخليجية تتولى هذا المنصب.
كما أن مندوبة قطر في الأمم المتحدة شابة تدعى علياء أحمد بن سيف آل ثاني، والمتحدثة باسم وزارة الخارجية شابة أيضا تسمى لولوة الخاطر.
وفي السعودية التي ظلت المرأة فيها محرومة من المشاركة السياسية ومن قيادة السيارة، قررت القيادة في إطار التوجه الجديد لولي العهد محمد بن سلمان "تحريرها" من القيود التي فرضت عليها في السابق، كان أولها صدور أمر ملكي يوم 26 سبتمبر/أيلول 2017 يمنح المرأة حق قيادة السيارات.
ورغم ما تحقق للمرأة العربية من مكاسب وحقوق سياسية واجتماعية، فإن التهميش والإقصاء والظلم ما يزال يلاحقها في بعض المجتمعات، ويكفي أنها تتعرض للتشريد والاعتقال، ويزج بها في السجون وتعذب، وينتهك عرضها في الشوارع وفي أماكن أخرى، إضافة إلى أن بعض التشريعات العربية تعمل بشكل أو بآخر على إهدار حقوقها المدنية والاجتماعية. فهل يحق للمرأة العربية الاحتفال يوم 8 مارس/آذار؟