وعد ووعيد لإتمام "اللقطة الانتخابية" في مصر

جرى حشد النساء أمام مراكز الاقتراع بالتهديد بالغرامات، وبعضهن استدعى الجارات هاتفياً تجنباً للغرامات. (تصوير خاص لسيدات أمام لجان الاقتراع ـ
التهديد بفرض الغرامات كان سببا في حشد النساء أمام مراكز الاقتراع (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

فشل التخويف من مصير سوريا والعراق في حث المصريين على الاصطفاف في لجان انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، فجرى الوعد بالمال والوعيد بالعصا لإتمام مراسم "اللقطة الانتخابية"، لكن -في المقابل- احتال مصريون من أجل إبطال أصواتهم.

وفي حافلات النقل العامة الكبيرة أو الخاصة الصغيرة، يمكن للمرء أن يلمح بيسر تعابير القهر الممزوج ببعض المسرة، على ملامح عجائز عائدات من مقرات الانتخابات الرئاسية الجارية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى الذي يرى مراقبون أنه جيء به لينافس السيسي صوريا.

تصويت بمقابل
"سيّدة" الخمسينية البسيطة التي تعمل في حضانة للأطفال براتب يبلغ خمسمئة جنيه شهريا (ثلاثون دولارا)، ابتهجت بمبلغ الـ150 جنيها الذي يعادل ثلث راتبها، وحصلت عليه من مساعدي أحد رجال الأعمال المؤيدين للسيسي بالجيزة نظير مشاركتها في التصويت.

أما صاحبتها في الكرسي المجاور لها بحافلة النقل العام المؤدية لمنطقة البحر الأعظم بالجيزة، فقالت بألم ممتزج بالفرح: "عيالي ضمنوا أكل لحمة لأسبوع"، وكانت تبرز منحة التصويت لجارتها.

ويسلم مؤيدو السيسي الأموال للناخبين خارج مقرات الانتخاب، غير أن مسؤولين لم يخجلوا من إعلان رشاهم صراحة لوسائل الإعلام، فمحافِظة البحيرة نادية عبده أعلنت لإحدى الفضائيات عن "مكافأة للمناطق التي ستشهد إقبالا كبيرا على اللجان، بحل مشاكلهم المتعلقة بالمياه والصرف الصحي".

وأعلن محافظ القليوبية اللواء محمود عشماوي منح مئة ألف جنيه "نحو ستة آلاف دولار" لأعلى "الأبرشيات" (الكنائس) تصويتا.

‪جالت سيارات بمكبرات الصوت لتهديد الناخبين بالغرامات حال مقاطعة التصويت‬  (الجزيرة)
‪جالت سيارات بمكبرات الصوت لتهديد الناخبين بالغرامات حال مقاطعة التصويت‬  (الجزيرة)

تهديد وتحذير
وتعالت في مصر صيحات التحذير من عدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع، منطلقة من مكبرات الصوت في مآذن المساجد بالقرى، كما جالت في المدن سيارات بمكبرات صوت تحذر من تغريم المقاطعين.

وخشيت الموظفة الحكومية هناء من خصم مبلغ الغرامة -وهو خمسمئة جنيه- من راتب الشهر المقبل لو استمرت في المقاطعة، لذلك ذهبت للتصويت وأبطلت صوتها، كما فعل كثيرون غيرها أُجبروا على التصويت.

وتستهلك احتياجات طفل هناء الرضيع من الألبان جانبا من راتبها، وقد تضررت هذه الأم الشابة -مثل ملايين المصريين- من أزمة ألبان الأطفال، لذلك أضافت بحرقة "ابني أولى بالخمسمئة جنيه".

وكانت هيئة الانتخابات قد هددت بتوقيع غرامات على المقاطعين، فيما أكد المحامي والدبلوماسي السابق معصوم مرزوق أن "المادة 78 من الدستور نصت على أن الانتخاب حق للمواطنين، ولم تذكر أنه واجب، وجري العرف على عدم تغريم من يرفض التمتع بالحق".

الناخبون تم إجبارهم على الإدلاء بأصواتهم (الجزيرة)
الناخبون تم إجبارهم على الإدلاء بأصواتهم (الجزيرة)

مخاوف ومتطلبات
وسمع رياض -وهو موظف بالمعاش في إحدى القرى بأسيوط جنوبا- تهديدات تنطلق من مكبر صوت أسفل منزله، تتوعد الممتنعين عن التصويت بأن السلع التموينية التي يحصلون عليها ستنقطع هي ومعاشاتهم الشهرية، فهُرع للاتصال بسيارة الإسعاف حتى تقله إلى مركز الاقتراع، كما شاهد حالات مثيلة على الفضائيات.

يتسلم رياض معاشه الشهري البالغ ستمئة جنيها، ليشتري ببعضه بعض احتياجاته الشهرية من السلع بموجب بطاقة تموينية، و"فقدان هذا وذاك يعني التسول من أجل الأكل والمأوى".

وتجنب رياض مخاوفه من منع معاشه وقطع تموينه، لكنه أرضى ضميره "بإبطال صوته".

وقد حذفت جريدة الشروق خبرا تحدث عن تقديم حقائب الزيت والسكر للناخبين، وأكد شهود عيان في الحي العاشر بمدينة نصر شرق القاهرة، حصول الناخبين وهم خارجين على بطاقات تحمل صور السيسي، يستلم الناخب بموجبها من مؤيدي السيسي في مقارهم حقيبة زيت وسكر.

‪(رويترز)‬ من المنتظر أن يكتسح السيسي الانتخابات بنسبة مرتفعة
‪(رويترز)‬ من المنتظر أن يكتسح السيسي الانتخابات بنسبة مرتفعة

إكراه وإجبار
وأخرجت جامعة الزقازيق الطلاب من قاعات المحاضرات للاصطفاف والتصوير أمام إحدى اللجان القريبة، نظرا لقدوم وفد أجنبي سيراقب انتخابات الرئاسة.

واستوقفت كمائن أمنية ركاب حافلات خاصة لتتحقق من أصابعهم، فيمر من تلونت أصبعه بلون الحبر الفسفوري (علامة الانتخاب)، فيما يتم اقتياد من لم يصوت إلى مركز الاقتراع.

وأفلحت سياسة "العصا والجزرة" نوعا ما في حث المصريين على النزول، إذ ذكر بيان لمركز "تكامل مصر" لاستطلاعات الرأي بشأن متابعة العملية الانتخابية، أن متوسط كثافة التصويت بلجان محافظة القاهرة ارتفع في اليوم الثالث عن اليوم الثاني، فأصبح سبعة أصوات انتخابية في الساعة بكل لجنة.

وأشار بيان بشأن العملية الانتخابية ارتفاع متوسط الكثافة إلى خمسة أصوات انتخابية في الساعة بكل لجنة بمحافظة الجيزة، في حين استمر المتوسط ثلاثة أصوات انتخابية في الساعة بكل لجنة في محافظة الإسكندرية لليوم التالي على التوالي.

كثافة تصويتية
وبلغت الكثافة التصويتية صوتين انتخابيين في الساعة في كل لجنة بتسع محافظات، وظل متوسط كثافة التصويت صوتا انتخابيا واحدا فأقل في الساعة بكل لجنة في باقي المحافظات.

ورصد مركز تكامل وجود حشد انتخابي مدفوع الأجر بالمناطق العشوائية في محافظتي القاهرة والجيزة.

وقدر المركز جملة أعداد الناخبين على مدى أيام التصويت بمليون وستمئة وثمانين ألف ناخب، بنسبة قدرها 2.8% ممن يحق لهم الانتخاب.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن تعلن هيئة الانتخابات في الثاني من أبريل/نيسان المقبل عن أرقام مليونية ضخمة للناخبين الذين صوتوا للسيسي، عكس ما سجله المراقبون من ضعف إقبال الناخبين وتحايل على إجبارهم على التصويت.

المصدر : الجزيرة