مسار العدالة الانتقالية بتونس يتعثر

رفض مجلس نواب الشعب في تونس (البرلمان) في ساعة متأخرة من مساء أمس الاثنين تمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بملف العدالة الانتقالية، بعد جلسة صاخبة مثيرة للجدل.
ورفض 68 نائبا التمديد، بينما لم يصوت أي نائب بـ(نعم) للقرار، وامتنع اثنان عن التصويت من أصل 70 حضروا التصويت.
جاء ذلك وسط انسحاب نواب كتلة حركة النهضة (68 مقعدا) والجبهة الشعبية (15 مقعدا) والكتلة الديمقراطية (12 مقعدا) الذين لم يشاركوا في عملية التصويت احتجاجا على إجراءات انعقاد الجلسة العامة والتصويت.
وهيئة الحقيقة والكرامة هي هيئة دستورية مستقلة معنية بتنفيذ قانون العدالة الانتقالية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة (1956-1987)، وزين العابدين بن علي (1987-2011)، وفترة ما بعد الثورة إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2013.
وقد أثار قرار مكتب المجلس بعقد جلسة بشأن تمديد عمل الهيئة جدلا قانونيا وسياسيا بين النواب، إذ عدته بعض الكتل خرقا للدستور ولقانون العدالة الانتقالية الذي يخول للهيئة وحدها التمديد لعملها مدة سنة واحدة، في حين تدافع كتل نيابية أخرى عن ولاية البرلمان على هذه الهيئة معتبرين أنها انحرفت عن مهامها.
ويعترض حزب حركة نداء تونس الذي يضم كوادر من النظام السابق على التمديد للهيئة، التي ترأسها سهام بن سدرين الناشطة المعارضة لحكم بن علي قبل الإطاحة بحكمه في احتجاجات 2011، بينما يدعم الإسلاميون وعدد آخر من الأحزاب المعارضة استمرار الهيئة لمدة سنة إضافية في ظل ما يسمح به القانون.

اتهامات وصعوبات
وفي وقت سابق الاثنين وفي كلمة لها أثناء الجلسة، اتهمت بن سدرين جهات حكومية بينها وزارتا الدفاع والداخلية بعرقلة مسار العدالة الانتقالية في البلاد.
وقالت بن سدرين إن الهيئة واجهت صعوبات كانت السبب الذي أدى إلى قرارها إضافة 6 أشهر لاستكمال أعمالها.
وفي فبراير/شباط الماضي قررت الهيئة تمديد عملها حتى نهاية العام الجاري، دون طلب أي ميزانية إضافية، معللة ذلك بعدم التعاون الكافي معها من جانب جزء كبير من مؤسسات الدولة، ومن ثم جاءت جلسة الأمس بالبرلمان لمناقشة التمديد.
وفي حين تؤكد الهيئة أن قرار التمديد سيادي وأنه لا سلطة للبرلمان عليها، ترى بعض الأحزاب المنتقدة لمسار العدالة الانتقالية أن البرلمان يجب أن يقر التمديد من عدمه.

تصويت وارتدادات
يشار إلى أن الفصل 18 من القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، ينص على أن "مدة عمل الهيئة حددت بأربع سنوات بداية من تاريخ تسمية أعضائها، قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلل من الهيئة، يرفع إلى المجلس المكلف بالتشريع قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها".
ويتوقع أن يكون لنتيجة التصويت ارتدادات على الائتلاف الحكومي الذي يضم النداء والنهضة معا.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي نور الدين المباركي لوكالة الأنباء الألمانية إن "الخلاف بين الحزبين قائم حول مسار العدالة الانتقالية حتى قبل جلسة التصويت، لكن المعطى المهم في هذه المرحلة أن النداء بدأ يلوح منذ أسابيع بفك الارتباط مع النهضة".
وأضاف المباركي "النقطة الثانية أن هناك خلافا بين الشريكين حول مصير الحكومة الحالية المهددة بالإقالة، وبالتالي فإن الجدل حول هيئة الحقيقة يشكل عاملا إضافيا مهددا لاستمرار الائتلاف الحكومي الهش حاليا".