البلاستيك.. "ذهب" المحاصرين بالغوطة الشرقية

محمد الجزائري-ريف دمشق
تتنقل أم خالد بحذر مع ابنتها ذات العشرين عاما بين أبنية مدمرة، تسرع تارة، وتتمهل أخرى، هرباً من قصف أو قناص، تمر في مرمى نيرانه بحثا عن قطع من البلاستيك، أو كما تصفه وابنتها حبيبة "بالذهب الحرام".
تبحث أم خالد عن "ذهبها" بين ركام المنازل، على أطراف مدينة عربين أو بلدة عين ترما بغوطة دمشق الشرقية، لتعود به في نهاية رحلتها وتبيعه، وتؤمّن بثمنه لقمة عيشها.
تقول أم خالد: لا سبيل لنا في تأمين لقمة العيش إلا البحث عن البلاستيك رغم خطورته، زوجي قُتل منذ سنوات وتركني وحيدة مع ابنتي، مضيفة "كل ما نجمعه من بقايا بلاستيك أو خشب ربما يكون حراما، فلا نعلم من أصحاب هذه المنازل، ونأمل أن يسامحونا يوما، ويقدروا ظروفنا".

رزق ومردود
ولا يعد جمع البلاستيك مهنة ومصدرا ثابتا للرزق، لعدم ثبات المردود المادي، وذلك بسبب ارتفاع عدد العاملين بها، ومحدودية كمية البلاستيك في الأماكن التي يمكن جمعه منها، وانخفاض الكمية مع مرور الزمن، وكثرة الاستهلاك اليومي.
براء أحد جامعي البلاستيك يقول: تمر علينا أيام نجني ما يقارب العشرة دولارات يوميا من بيع البلاستيك، وفي أيام أخرى نجني بالكاد دولارا أو اثنين بعد عناء يوم طويل.
وفي الآونة الأخيرة انتشرت بشكل كبير محلات تجارة البلاستيك، التي تشتري من الأهالي البلاستيك بغض النظر عن حالته إن كان سليما أو محطما.
ويصنف البلاستيك حسب نوع المادة وقدرتها على إنتاج المحروقات، ويفرز على أساسها، ويكون لكل منها سعره الخاص، الذي يتراوح بين أربعة إلى ستة دولارات للكيلوغرام الواحد.
ويقول محمد خميس: تجارة البلاستيك في بدايتها كانت مصدرا جيدا لي ولعائلتي، ولكن بعد انتشارها الكبير انخفضت عائداتها، مشيرا إلى أن صعوبة الحياة وغلاء المعيشة تفرض علينا التماشي مع الوضع الحالي ببيع الحطب، والسجاد، والملابس التالفة وغيرها، لتأمين مردود يومي جيد".

إعادة تدوير
ويصب كل البلاستيك الذي يتم جمعه في جعبة معامل استخراج المحروقات من البلاستيك، والمعروفة محلياً "بالحراقات"، التي تبدأ بفرمه، ثم تتبع ذلك خطوات أخرى تتمثل في جمعه داخل عدة براميل، وغليه لساعات، مع تقطير البُخار الناتج لاستخلاص البنزين والديزل والغاز، وهذه المراحل تحتاج نحو سبع ساعات.
أبو رفيق أحد العاملين في الحراقات يؤكد أن عملية استخراج المحروقات من البلاستيك أصبحت حاجة ملحة في الغوطة الشرقية لتأمين بديل عن المحروقات الممنوع إدخالها للمنطقة من قبل قوات النظام".
وأضاف أبو رفيق أن "أغلب ابتكارات الحصار في غزة بفلسطين تطبق في الغوطة الشرقية في سبيل الصمود، ولكن نظام بشار الأسد أشد قسوة على المدنيين من الاحتلال الإسرائيلي".

مخاطر وآثار
وللحراقات خطورة كبيرة لانعدام عوامل الأمان والسلامة، بالإضافة إلى العمل بطرق بدائية، مما تسبب في مقتل العديد من العاملين بها جراء انفجار براميل التقطير.
كما أن لها آثارا سلبية على صحة العاملين بها بشكل رئيسي، وعلى عموم أهالي المنطقة، فدخان حرق النفايات في الحراقات والغازات الناتجة عن تقطير البلاستيك تعد خطرا على صحة الجسم وتتسبب في العديد من الأمراض في الجهاز التنفسي والجلد.
وبحسب طبيب سوري، فإن العديد من الحالات التي ترد للمشافي تعاني من أمراض تنفسية وجلدية أو حروق متفاوتة الدرجات من معامل استخراج المحروقات.
ويعتبر الأهالي جمع البلاستيك وتكريره مهنة الموت، فمن يجمعها ومن يكررها مجبر عليها، ومهدد بالموت بانفجار معمل التكرير أو بقذيفة صاروخية أو كلاهما معا.